أذكر بأنني كنت قد كتبت كغيري من الكتاب الذين انبرت أقلامهم تسيل على وقع الأوراق المتطايرة من صناديق الإقتراع الخاصة بالإنتخابات الأمريكية السابقة ،
والتي أشارت إلى فوز باراك أوباما برئاسة الولايات الأمريكية كمرشحا للحزب الديمقراطي على منافسه جون ماكين كمرشحا للحزب الجمهوري ، ليعود الحزب الديمقراطي ويتربع على عرش البيت الأبيض الأمريكي
من جديد بحلة رجل أسود ينحدر من أصول أفريقية ، كما يدعى بأنه كان يدين بالدين الإسلامي بالفطرة التى انفطر عليها من ديانة والده والذي يدعي البعض بأن جذوره عربية سودانية وآخرون يدعون بأنه من أصول كينية أفريقية فيما يتفق الجميع على أنه من أصول أفريقيا والأمر سيان ، حيث أن كل من السودان وكينيا يصبان في عمق القارة الأفريقية السوداء .
وعلى أي حال ما يهمنا في هذا السياق هو أن نعود لنكتب من جديد عن فوز اوباما بولاية ثانية للولايات الأمريكية المتحدة ، وما عرضناه هو فقط للتذكير ولحركة التاريخ ، وإذ أعود لأكتب عن هذا الرجل الذي منح له العرش الأمريكي الفرصة الثانية للتربع عليه بعد الفوز الذي أحرزه على منافسه الجمهوري ميت رومني من خلال أصوات الأمريكيين الذي حصدها أوباما ، وإذ أكتب مرة أخرى لتعود بي الذاكرة إلى ما كتبت سابقا ويأخذني الفضول فأذهب للبحث في مكتبتي القديمة فأتذكر بعناية أكثر بأنني كنت قد كتبت بعد أن مضى عاما على توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية ، فاستوقفني في مقالتى السابقة مشهد زيارة الرجل الأسود سيد البيت الأبيض الأمريكي إلى جمهورية مصر العربية ، وما حازت عليه هذه الزيارة الفارقة من اهتمامات رسمية وشعبية وإعلامية كبيرة ، فيما تخلل هذا المشهد خطابه التاريخي من على منبر جامعة القاهرة العريقة ، والذي من أجله منعت السلطات المصرية التجول في حينه على كافة أرجاء القاهرة من أجل تأمين موكب المخلص المنتظر لحرم هذه الجامعة والتي أعدت العدة لإستقباله الباهر ، وإن جاز لي أن أطلق عليه ( خطاب الربيع العربي ) حيث ما أن اعتلى المنبر حتى راح يدغدغ مشاعر الشعوب العربية والإسلامية ، عندما خاطب الشباب العربي بأن قمة الديمقراطية في الولايات الأمريكية المتحدة تتجلى في أن يحظى رجلا أسودا مثله بسدة الحكم ليرأس دولة عظمى كالولايات الأمريكية المتحدة من خلال ممارسة الحق في الترشح والإنتخاب عبر أزهى صور الديمقراطية ، داعيا الشباب العربي لأن يثوروا من أجل تغيير واقعهم السيئ الذي يرزحون بفعله تحت وقع السلطة المطلقة والشمولية ، مما حال دون أخذ دورهم الريادي والطبيعي في المشاركة السياسية الفاعلة ، ناهيك عن حالة الفقر والبطالة وانعدام تكافؤ الفرص في مختلف مناحي الحياة والتي أحدثتها السلطات العربية المطلقة .
فيما يعتبر المحللون بأن أحد أسباب الثورات العربية هو ذلك الخطاب التاريخي للرئيس أوباما والذي وجهه للعالم العربي والإسلامي آنذاك ، إذ ما انفض الخطاب حتى اندلعت ثورة الياسمين والتى أسقطت نظام بن علي وفر هاربا ، ولم ينبس أوباما ببنت شفة في حينه ، فيما أخذ يمعن النظر عبر شاشات التلفزة ليطل على ميدان التحرير الثائر من أجل إسقاط نظام حسني مبارك حتى وإن كان على متن طائرته الخاصة ، بل تعدى ذلك لأن يوجه مبارك إلى التنحي ، وتحقق للشعب المصري ما ثار من أجله وتنحى مبارك ورحل ، على مرأى من عين الوصاية التاريخية للبيت الأبيض على نظامه البائد ، وبذلك امتطى أوباما صهوة ميدان التحرير حينما استشعر بأن الغلبة لصالح الشعب المصري ، حتى يضمن وصاية الولايات الأمريكية المتحدة على القاهرة لما لها من ثقل استراتيجي في المنطقة ، ولم يخسر كثيرا حينما حط قطار الربيع العربي في اليمن سيما وأن حليفته السعودية باتت تتضرر بفعل الثورة اليمنية من خلال هواجسها من خطر الحوثيين على المملكة بسبب حدودها المتاخمة لليمن ، لتستشعر الخطر فأخذت تصر على خروج كريم يكفل الحصانة لعلى عبد الله صالح حليف سيد البيت الأبيض الذي بدوره استهوته الفكرة وذهب للعمل على تحقيقها ، إلى أن أفضت مبادرة الخليجيين إلى ذلك برعاية واشراف وتنفيذ المملكة العربية السعودية ، فيما نفض أوباما يداه من الثورة الليبية التى عصفت بالقذافي حتى أردته قتيلا وأطلق العنان إلى حلف النيتو يصول ويجول بعدما أزهق النفط الليبي عشرات الآلاف من الليبيين الأبرياء بفعل جبروت كتائب القذافي من جهة ولكي يقمع ثورة شعبه ، وما أمعن فيه حلف النيتو من جهة أخرى عبر استخدامه القوة المفرطة والتي طالت ليبيا عن بكرة أبيها ، وبالتوازي مع قطار الربيع العربي الذي أخذ يجوب الأقطار العربية فيطيح أنظمة ويهز عروشا ، حتى حط في الجمهورية العربية السورية في محطة طويلة جدا استمرت حتى الآن دونما أن تفضي لحل يحقن دماء هذا الشعب العظيم بل وكأنه إنزلق في أدغال أفريقيا ، وشهدت إحداثيات هذا الحراك تجاذبا محليا واقليميا ودوليا ليس له من مثيل فيما جرى في الدول السابقة الذكر ، وتجلى واضحا سياسة أوباما الأمريكية عبر اللعب على الحبال والرقص على السلالم وما حمله من مواقف وتصريحات باهتة وفي مجملها نظرية ولا معنى لها بل في معظمها متناقضة ، وعلق القضية السورية فيما بين طهران واسطنبول وموسكو والحظيرة العربية من خلال جامعة الدول العربية وعصبة الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن واللذان لم يحرزا أي تقدم حتى اللحظة فيما يخص سوريا على الرغم من المبادرات تلو المبادرات لهاتين المنظمتين دون جدوى ، وترك الحبل على الغارب هناك على الأرض وفي ساحات الوغى حيث ما يجري من سجال وقتال منقطع النظير من أجل أن تعم الفوضى وتنهار وتضعف هذه الدولة لما لها من أهمية استراتيجية نظرا لموقعها الهام جدا في المنطقة وبالتالي تتمدد إسرائيل على حسابها وفي خاصرتها وهذا ما يهم سدنة البيت الأبيض ، وأرواحا تلو الأرواح تزهق على قارعة الطريق وما فتء السيد أوباما محدقا متأملا وما بين التمني والتأمل يهيم على وجهه وهو يخوض معركته الإنتخابات الأمريكية تاركا هذه الورقة في الحديقة الخلفية للبيت الأبيض ، والتى أفضت أخيرا إلى فوزه لولاية ثانية لهذه الدولة العظمى .
أعترف لك يا سيادة الرئيس أوباما بأنك رجلا أنيقا منمقا ، وخطيبا مفوها ، بل وتمتلك كاريزما خاصة وشخصية سحرية جذابة على الرغم من لون بشرتك السوداء ، كما أنك بطل خطابات النصر المظفر ، والتي تمتد من خطاب النصر الأول في الإنتخابات التى أفضت بك رئيسا في الولاية السابقة إلى خطاب النصر الأخير في الإنتخابات الأخيرة والتى فزتم من خلالها بولاية ثانية بل وما بينهما من خطب رنانة وعبارات بليغة ، وأعترف لك بأن كل من زوجتك وابنتيك بدن أكثر أناقة من ذي قبل ، بل ودمغت في ذاكرتنا همسة ابنتك وهي تناجيك بأن تحيي جمهورك في الخلف ففعلت ، فهل تهمس لك ذات الإبنة عن شعوبنا التى تقف في آخر السفينة وقد أعيتها سياستكم الأمريكية المقيتة ؟! والتي ما فتئتم تستخدموننا كأوراقا انتخابية فيما بين تعاقب دورات أحزابكم وحكوماتكم الإنتخابية على هذه الشعوب التي تئن تحت وقع معايير سياستكم المزدوجة تجاه هذه المنطقة ، وأعي بأنك ما بين خطابي النصر والنصر ، قد انتصرت فخطبت فيما بينهما _ فمات أسامة وفاز أوباما _
وأعترف لك يا سيد أوباما بأنك خطيبا بارعا حينما تحتفي ببني اسرائيل وتغرد لهم فلقد شهدت ولايتكم جل الخطابات التى أهديتها لهم على وقع مذابح الشعب الفلسطيني ، وقدرتكم البارعة على استنخدام حق النقض لصالح ابنتكم المدللة هناك في الشرق ، غير أنني متأكدا بأنه لا يعني سيادتكم فيما يخص سوريا وغيرها من هذه البلدان التي تمثل عمقا استراتيجيا ومخزونا بشريا سوى تلك المستعمرة والتى أردتم أن تعوضكم ما فقده أسيادكم من ذي قبل من مستعمرات في مدينة الهنود الحمر حيث تتربعون .
وما أنت إلا ربيعنا المهاجر في أدغال أفريقيا حيث أتيت يا سيد السود والبيض في البيت الأبيض الأمريكي .
دمشق في /
9/11/2012