من المقرر أن يُعقد مؤتمرا لنصرة الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال يومي الحادي عشر والثاني عشر من الشهر الجاري في دولة تونس الشقيقة وبرعاية مشكورة من الرئيس التونسي المنصف المرزوقي صاحب التجربة المهنية الطويلة في الدفاع عن حقوق الإنسان والمعروف بسعيه الحثيث لنصرة المضطهدين في أرجاء الأرض إضافة إلي مواقفه المساندة والمتضامنة مع الحق الفلسطيني في الحرية والانعتاق من نير الاحتلال الجاثم علي الأرض الفلسطينية ، فكل التحية إلي الشعب التونسي العظيم وإلي رئيسه ونُخبه الفكرية والثورية وإلي كل الجهود المبذولة لإظهار أشكال النصرة والتضامن مع قضيتنا الوطنية وفي القلب منها مأساة أسرانا البواسل الذين يواجهون صنوفا متنوعة من القمع والتعذيب داخل سجون الاحتلال .
من المنطقي والطبيعي أن يهدف المؤتمر كأمثاله من مؤتمرات التضامن مع قضية الأسرى إلي بلورة رؤية إستراتيجية لتدويل ملف الأسرى الفلسطينيين وفضح الانتهاكات والجرائم اليومية المرتكبة بحقهم علي يد سجانيهم ومن ثم الإنتقال بهذا الملف المؤلم إلي أرحب الفضاءات وطرحه علي أجندة الإهتمامات العربية والدولية والبحث في سبل علاج ظاهرة الغياب الواضح لأدوات الفعل الأممية لمجابهة هذه الجرائم التي تتعارض تماما مع كافة الأعراف والمواثيق الدولية ، كما أن أحد الأهداف الرئيسية لهذا المؤتمر تتمثل في اختراق جدار الصمت الذي أحاط بمؤسسات المجتمع الدولي التي ثبت بالدليل القاطع انحيازها المتواري للجلاد علي حساب الضحية ولربما يكمن السبب وراء ذلك في افتقار هذه المؤسسات إلي الجرأة المطلوبة لمواجهة السلوك العدواني لدولة الاحتلال المدعوم أمريكيا والمنطوي علي استهتار مطلق بكافة القيم الإنسانية وحقوق الإنسان والمتربص بالأصوات المنتقدة له ولكل من تسول له نفسه المطالبة بترسيخ مفاهيم العدالة الدولية والانحياز مع الحق ، بحيث أضحى كل من يصطدم مع الصياغة الجديدة لشعارات الديمقراطية الأميريكية والإسرائيلية الزائفة هدفا مشروعا يستحق الملاحقة ، ويُنعت بالأصولية والإرهاب كل من يشق عصا الطاعة لهذه المنظومة المستبدة ، فانقلبت بذلك الموازين وحُرفت الحقائق بما يتماشى مع مصلحة أمريكا وحليفتها إسرائيل.
وبغض النظر عن قدرة مثل هذه المؤتمرات في إحداث التغيير المطلوب وتعديل الموازين لمصلحة قضية الأسرى علي المستويين الإقليمي والدولي فإنه من المفيد بل من الضروري أن تُسلط الأضواء في إطار المؤتمر المنشود علي الجوانب القانونية والإنسانية لقضية الأسرى وقد يكون للتركيز علي الجوانب ذات الطابع الإنساني أثرا كبيرا في مخاطبة الضمائر الحية واستمالتها إلي حق الأسرى في العيش بكرامة دون قهر واستعباد وقبل كل ذلك حقهم في الحرية باعتبارهم مناضلين قدموا زهرات شبابهم سعيا وراء حق شعبهم في الانعتاق من سطوة آخر الإحتلالات في هذا العصر ، ولعل التجربة قد أثبتت أن الأقدر علي إثارة الجوانب والأبعاد الإنسانية والتعبير الأمثل عن حيثياتها هم أهالي الأسرى أنفسهم ، أولئك المثقلون بالهموم والأوجاع والمتخمة ذاكرتهم بقصص ملؤها الآلام والأحزان علي الوجه الذي يدمي القلوب وتقشعر له الأبدان ، فهم يمثّلون بلا شك الطرف الآخر في معادلة المعاناة المتجددة ومتعددة الأشكال والتي يرسم ملامحها وينخرط في فصولها كلٌ من الأسرى وذويهم صباح مساء .
بكل أسف لم يُراعى هذا التصور في أذهان القائمين علي مؤتمر تونس أو الداعين إليه وتم استثناء أهالي الأسرى ممن يجسدون رمزية هذه القضية من المشاركة في فعالياته واستعيض عنهم بدعوة البعض ممن نُجلهم ونقدرهم ولا نعيب عليهم مشاركتهم ، ولكننا نرفض أن يخضع هذا الأمر إلي معايير ومنطلقات فكرية وحزبية وأهواء فردية لا تخدم مطلقا قضية الأسرى ولن أتحدث هنا عن أزمة الشرعية والتمثيل الفلسطيني في هذا المؤتمر في ظل تجاهل السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية وعدم توجيه الدعوة لبعض الجهات والمؤسسات المؤثرة وذات الخبرة الطويلة والمهنية العالية في مجال هذه القضية العادلة ، وأكتفي بالحديث نيابة عن أهالي الأسرى الذين أشاع تغييبهم الغير مبرر حالة من الاستياء في أوساطهم وتسببت تداعيات هذا التصرف في تشكيكهم بجدوى عقد المؤتمر وجعلتهم لا يترددون في وصف استثنائهم من المشاركة فيه بالسقطة المدوية التى لن تغتفر ، بل أن بعضهم قد أخذته العزة بالحكم المسبق بفشل المؤتمر .
بالطبع ليس لنا هنا كمتضامنين مع الأسرى وذويهم أن نفرض اشتراطاتنا وقناعاتنا أو نحاكم النوايا ولكننا بكل تأكيد لا نجد عذرا لمن تخلف عمدا أو بغير قصد عن دعوة ممثلين عن أهالي الأسرى للمشاركة في هذا المؤتمر وأعتقد جازما بأن أي نشاط مرتبط بقضية الأسرى لن يكتب له النجاح في ظل غياب عناصر القوة ومرتكزات النجاح المتجسدة في رمزية أهالي الأسرى المكلومين .
عموما فإن الرياح تأتي كثيرا بغير ما تشتهيه السفن ، فبالرغم مما يجول في الخواطر وتعصف به المشاعر لابد أولا من تدارك هذه الهفوات وضمان عدم تكرارها تجنبا للجدل القائم ، كما انه من الأجدر ألاّ ننشغل كثيرا بخلافاتنا الثانوية عن الهدف الأسمى الذي يعكف علي بلوغه كافة المخلصين في العمل من أجل قضية الأسرى العادلة ، وعليه فمن الضروري في هذه اللحظات أن يتركز الاهتمام وتتجه البوصلة نحو إنجاح هذا المؤتمر وأن تتكاتف الجهود لتحويل أروقته إلي خلية عمل تسهم في صناعة حراك حقيقي مستفيض في مختلف المحافل وعلى كافة المستويات ، حراكٌ يستند في منطلقاته إلي حق أسرانا في نيل حريتهم والعمل على فضح الانتهاكات التي ترتكبها آلة القمع الاحتلالية بحق أكثر من 4700 أسير فلسطيني يواجهون أشكالا متعددة من السياسات والخطط المعدة سلفا بهدف سلب إرادتهم والقضاء علي محتواهم النضالي والوطني في إطار ما بات يعرف بمحاولات صهر وعي الأسرى وتحويلهم إلي مجرد أرقام مهملة لا تسمن ولا تغني من جوع .
أمنياتي بأن تُكلّل نتائج هذا المؤتمر بالنجاح الحقيقي وأن تطغى مخرجاته الإيجابية بما يَجُبُّ بعض مدخلاته السلبية من خلال خروجه بتوصيات عملية وآليات فاعلة تسهم في رفع الظلم الواقع علي أسرانا وتترك بصمات مؤثرة تعود بالنفع علي قضيتنا الوطنية عموما وعلى قضية الأسرى علي وجه الخصوص .
الكاتب : أسامة الوحيدي مدير دائرة الإعلام في جمعية الأسرى والمحررين “حسام”