ما الذي دُفن مع شيرين.. وما الذي ينبغي أن يدفن بقلم : نبيل عمرو
عادت فلسطين إلى مكانتها كقضية كادت أن تنسى من خلال ما أحدثه اغتيال شيرين أبو عاقلة، من ردود فعل فلسطينية وإقليمية وعالمية.
وفي أوج الحرب العالمية الثالثة التي تجري فصولها الساخنة على أرض أوكرانيا، وفصولها الأكثر تعقيدا على مستوى العالم كله، أدخلت موقعة شيرين القضية الفلسطينية، كقضية اجماع عالمي في مجال الاهتمام والتعاطف، فكل المتحاربين على مستوى الكون كله توحدوا على امر واحد هو إدانة ما حدث، مع توجيه أصبع اتهام كوني نحو إسرائيل. ظاهره قتل فتاة فلسطينية وهي تؤدي واجبها المهني، ومضمونه ادانة للاحتلال الذي قتل الفتاة من جنين وفي جنين، كما قتل كثيرين قبلها وسيقتل كثيرين بعدها، وهذه سنة الاحتلال.
كان المشهد مكتمل العناصر التي تعري الدولة المتباهية دوما بحضاريتها المتفردة في صحراء “التخلف العربي” فإين الحضارية في قتل صحافية برصاص قناص عسكري، وذلك يعني ان القتل لم يكن عشوائيا بل كان مقصودا، وأين الصدقية المدعاة في تبرير ما لا تبرير له، كالقول.. ان كل ما تفعله إسرائيل بالفلسطينيين هو من قبيل الدفاع عن النفس، حتى صار للقتل لازمة تبريرية تبناها الامريكيون تقول.. ان من حق إسرائيل عمل أي شيء لتوفير الامن لمواطنيها! وأين المنطق في الرواية الإسرائيلية حول ما حدث، حين بررت اعلى المستويات الحكومية عملية القتل، أولا على انها فلسطينية ثم ضائعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ما يبرر وان بسذاجة مفرطة طلب الجناة بأن يجري التعامل معهم كشركاء في لجنة تحقيق، ويبدو لي ان القول الدارج ” كاد المريب ان يقول خذوني” وجد من اجل الرواية الإسرائيلية.
لم يشتر هذه الرواية حتى اقرب حلفاء وداعمي إسرائيل ذلك لأن للكذب حدود.
المسألة ليست كما رغبت الرواية الإسرائيلية اظهارها كقضية جنائية ملتبسة، وصدقية المريب الذي يقول خذوني، كرستها موقعة الجنازة وهي أيضا موقعة مكتملة الشروط في امر ادانة إسرائيل.
في الجزء الثاني من الموقعة هجوم الشرطة على النعش، كما لو انه سلاح دمار شامل يهدد امن الدولة وهجوم على العلم كما لو انه حزام ناسف في طريقة الى الانفجار والاستماتة لاسقاط النعش عن الاعناق واقتحام المستشفى والمقبرة كما لو ان هذه الأماكن التي ترقى مثيلاتها الى مستوى القداسة عند كل الشعوب هي في إسرائيل مجرد هدف عسكري يستباح احتلاله، والتنكيل بمن فيه، ومن اجل ماذا؟ من اجل الحفاظ على امن الدولة ونظام الاحتلال.
الرواية الساذجة الثانية هي ان الذي حدث في موقعة الجنازة كان تصرفا ذاتيا من قبل افراد الشرطة بالغوا قليلا في أداء مهامهم، اذا هي مخالفة فنية، ربما يكفي الوعد بأن لا تتكرر ثانية، غير ان هذا ثبت وفي يوم ليس ببعيد انه نهج عمل فهو تكرار لما حدث مع جنازة شيرين وهي جنازة الشاب الشهيد وليد الشريف في القدس.
دفنت شيرين ودفن الشريف، والسؤال الذي يطرح بقوة بعد رمضان وايار الراشحين بالدم، ما الذي دفن مع الجثامين وما الذي ينبغي ان يدفن في الواقع؟؟؟؟
دُفن مع اخر الجثامين بقايا أوسلو بعد احتضار طويل او موت سريري لم يجرؤ المعنيون على تحرير شهادة وفاة لها خوفا من ثقل التركة الكارثية وما خلفته من دمار، ودُفن مع اخر الجثامين كذلك وهم ان القدس هي عاصمة دولة إسرائيل الموحدة، وليس للفلسطينيين فيها اكثر من صلاة مقيدة بالاعتبارات الأمنية وليس عليهم الا ان يشكروا.
هذا ما دُفن حقا غير ان ما ينبغي ان يدفن هو الاقتتال الفلسطيني الفلسطيني على الوهم، والمقتتلون يدركون ان بلاطة قبر ثقيلة تجثم على انفاسهما معا، وما ينبغي ان يدفن كذلك هو التهميش والتجاهل والالغاء لدور الشعب في صنع حاضره ومستقبله مع انه وفي كل مرة شارفت فيه القضية على الموت في ظل طبقة سياسية متشبثة بالعجز وانعدام الفعل، كان الشعب من ينقذ الموقف ويعيد القضية الى مكانتها وليس على الوجهاء الا الطفو على السطح وكأنهم صناع ما لم يصنعوا.
نحن نعيش تحت وطأة ثنائية هي الاغرب في الماضي والحاضر، قوامها قضية تتقدم وحل يبتعد …!!
بيدنا وليس بيد غيرنا ان نصحح المعادلة ولكن ….