العقوبات الأمريكية على طهران.. الكونجرس يتحرك بقلم : ماريا معلوف
يبدو أن الأشهر الثلاثة الأخيرة هذا العام، كما رأينا في الشهرين المنصرمين، هي شهور العقوبات الأمريكية المتجددة على إيران.
فإلى جانب فرض وزارة الخزانة الأمريكية في 29 أكتوبر الماضي عقوباتٍ على أربعة مواطنين إيرانيين، بينهم قائد وحدة الطيران التابعة للحرس الثوري، وشركتين إيرانيتين على صلة بالحرس الثوري، تحدث وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، هذا الأسبوع بأن الولايات المتحدة ستستخدم جميع الوسائل المناسبة لمواجهة نفوذ إيران وأنشطتها التدميرية، بما في ذلك انتشار الطائرات دون طيّار.
وقبل تناول ذلك لا بد من عودة سريعة إلى السنوات الماضية، فكلنا يتذكر أنه وبخلاف الأولوية التي منحتها إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، للبرنامج النووي على حساب قضايا خلافية أخرى، فإن إدارة “ترامب” ركزت جُلّ اهتمامها على القضية الإيرانية بعمومها، وهي التي استعصت على الولايات المتحدة منذ سنوات طويلة.
بعض أعضاء الكونجرس يصرحون على الدوام بأنه كي تنجح السياسة الأمريكية حيال إيران، يتعين على إدارة “بايدن” ألا تحل عقدة العلاقات الأمريكية-الإيرانية دفعة واحدة، لكن عليها منح الأولوية للبرنامج النووي الإيراني، باعتبار أن إعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي هي الوسيلة الفعالة من أجل إعادة كسب الدعم الدولي للأولويات الأمريكية، وضمان الامتثال الإيراني، وخفض التوترات، والشروع في مفاوضات جديدة، كما أن مسألة بخطورة دعم إيران للإرهاب أو بالنسبة لبرنامجها الصاروخي الباليستي، يمكن للولايات المتحدة أن تتعامل معها بواسطة القوات الأمريكية التقليدية.
وانطلاقا مما سبق، بدأت خطة في الكونجرس لمواجهة طائرات إيران المسيَّرة، حيث قدم مجموعة من الجمهوريين والديمقراطيين في مجلس النواب الأمريكي خطة لوقف أنشطة الطائرات دون طيّار للنظام الإيراني، تنص على أن أي تعاون مع إيران في مجال أنشطة الطائرات دون طيّار يخضع للعقوبات الأمريكية ضد برنامج أسلحتها التقليدية.
وقد اقترح النائب الديمقراطي، جريجوري ميكس، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، والجمهوري مايكل ماكول، والديمقراطي تيد دويتش، والجمهوري جو ويلسون، مشروع قانون لوقف الطائرات الإيرانية دون طيّار، بما يتماشى مع العقوبات الحالية ضد برنامج الأسلحة الإيراني، وسيشمل هذا المشروع التوريد أو البيع أو النقل أيضا، وتضمين الطائرات دون طيار، كما طرح نوابٌ من الحزبين الديمقراطي والجمهوري مشروع قانون بعنوان “وقف برنامج الطائرات الإيرانية (سيدا)”، للحد من الاستهدافات الإيرانية التي طالت مواقع أمريكية، ويشمل مشروع القانون المطروح هذا منع توريد أو بيع أو نقل الطائرات المسيرة من إيران أو إليها، ضمن برنامج الأسلحة التقليدية الإيراني بموجب قانون “مكافحة خصوم أمريكا من خلال العقوبات”.
وعبر قراءتي للمشروع المقترح، يمكنني القول إن قانون وقف الطائرات الإيرانية المسيرة لا يوائم فقط بين قانون العقوبات الأمريكي الحالي وبين سجل الأمم المتحدة للأسلحة التقليدية، بل يرسل أيضًا إشارة قوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن الحكومة الأمريكية لن تتسامح مع دعم برنامج الطائرات دون طيّار الإيرانية، وأن انتشار تلك الطائرات في إيران يستمر في تهديد الولايات المتحدة وحلفائها في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وبالتالي يضمن القانون أن يعرف العالم أن الولايات المتحدة ستستخدم كل أداة لقطع إمدادات إيران من الطائرات المسيرة، ومعاقبة أولئك الذين يواصلون تزويدها بتلك الطائرات.
مستقبل العقوبات الأمريكية على إيران يمكننا اليوم قراءته من ثلاث زوايا:
أولا: نجحت الولايات المتحدة -ولو بشكل غير كامل- أن تُحدث شرخا بين النظام وبين الشعب الإيراني، ففي محصلة طبيعية يمكننا التساؤل: ماذا سيقول الشعب الإيراني إذا كان على النظام أن يخبرهم أنه بعد ثلاث سنوات من العيش تحت كل ضغوط العقوبات المشددة والوباء، يمكنهم التطلع إلى عقوبات لا نهاية لها، حتى وإن باعت إيران بعضا من نفطها حتى تتمكن الحكومة من إبقاء الأضواء مضاءة.
لكن مع مواجهة إيران نقصا هائلا في المياه بسبب تغير المناخ، وإذا لم يتفاوض النظام على إنهاء العقوبات، فقد ينفجر الشارع الإيراني في أي وقت.
ثانيا: العقوبات الأمريكية يسبقها على الدوام رغبة واشنطن في محاولة تجنيد اللاعبَين الروسي والصيني للضغط على إيران، لكن التعريفات الجمركية على اقتصاد الصين والتصريحات المتكررة للبيت الأبيض حول تايوان وهونج كونج والأويجور، وكذلك الضغط على روسيا في أوكرانيا يجعل من ذلك التمني متعذرا في نواح كثيرة.
ثالثا: النظام الايراني يؤمن بأن أمريكا ستعيد الاتفاق وترفع العقوبات إذا وافقت إيران فقط على التخلي عن التخصيب إلى المستويات المطلوبة لسلاح نووي لمدة 25 عاما -بدلا من الخمسة عشر عاما الأصلية- وبالتالي فإن النظام يدرك أن العقوبات لن تنتهي أبدا، لذلك فهو يماطل قدر الاستطاعة.