الإنصاف، هو قول الحق، والمنصف هو الشخص الذى يتحرى قول الحق بعيداً عن انتمائه ورائيه، ويحتاج لصفات الشخص المتزن، والعاقل، والذى وهبه الله القدرة على التمييز، بين الحق والباطل، والمنصفون دائماً، قليلون، وعملة نادرة، فهم حكماء والنخبة الحقيقة له، وهم من يبصرون الناس بالحقيقة، عندما تصبح تائه بين اطراف المجتمع، وهنا قد يتسأل شخص، هل معنى ذلك أن الإسلاميين قد لا يملكون الحق؟ ويكون الليبيراليين هم على صواب؟ والسؤال لابد أن يكون كذلك، ولا يكون بالعكس، لأنه من المفترض أن أصحاب الدين والملتزمون، هم احرص الناس على الحق، وقول الحقيقة للناس، والإجابة على هذا السؤال تكون من المنصفين، فهم يستطيعون إما تأييد الإسلاميين، أو تصحيح بعض ما يتناولون من أفكار أو رؤيا، ولأنني دائما أميل إلى التيار الإسلامي، فاجد نفسى أحيانا، لا استطيع انتقادهم إلا قليلاً، لأنني لا أرى أخطائهم إلا بسيطاً، واسأل نفسى هل بالفعل أنا متحرر ذاتياً، أم انى متأثر بمن أؤيدهم؟
فالمجتمع المصري الأن، يمكن وصفه بفريقين، التيار الإسلامي والمكون من الإخوان والسلفيين كأساس ومن ضمنهم من الإسلاميين، والتيار الليبيرالي، وعلى الرغم أن المسمى هنا اقتبس على شكل ديني، إلا انه في الحقيقة هو تعبيراً أيضا عن الانتماء السياسي، على أساس أن التيار الإسلامي يجمعه وحدة التفكير وتقارب الآراء، كما يجمع التيار الليبيرالي أفكاره، والفارق شاسع للغاية بين الرؤيتين، وهو صراع فكرى وعقيدي، اكثر منه سياسي، واختلاف جوهري في ما يعنى تأسيس الدولة، وطريقة عملها، ومدى ارتباطها بالدين، ولا يمكن أن نتجاهل أن الغالبية في مصر، تؤيد التيار الإسلامي، وان الآخرين يصارعون من اجل إيجاد أرضية لهم وسط انتشار التيار الإسلامي وتمدده يومياً، وانكماش الفكر الليبيرالي، واذا كان الصراع سياسي، فان السياسة تختلف في تطبيقها للأسس والمفاهيم بين التيارات المختلفة، تصل إلى حد التخاصم، واكثر، ولأننا في بلد لا تزال حديثة العهد بالديمقراطية، وينقص أطرافها السياسية تفاعلها وإدراكها في كيفية التعبير عن رائيها، ومدى استيعابها وتقبلها الآخرين، فإننا نحتاج لرأى المنصفين، فقد تدخل الحلال والحرام في السياسة، وانتشرت الفتاوى، وعلت الأصوات، واصبح كل تيار لا يسمع إلا نفسه، ولا يتحدث إلى أصحابه، وضاقت المنطقة الوسطى المشتركة، حتى بدا أنها تختفى، هنا يكمن خطورة الديمقراطية الحديثة، والتي تظهر في المجتمعات الإسلامية فجأة، لذلك نحتاج لتيار ثالث، ضابط للتيارين، يفصل بينهما، هو بمثابة النخبة، لكن ليس بمفهومها الذى انتشر بعد الثورة، وانتشر معه صفاته الرديئة، وعقول باهتة، وعدم القدرة على التمييز والتفكير، والحديث في دوائر لا تنتهى، ولا يمكن الوصول فيها لنتيجة، نحن نحتاج لنخبة تسلك خطاً مستقيماً، عندما تبدأ في الحديث، يكون له نهاية ونتيجة، مقنعة، بالدلائل، والقرائن، فتضيف رائياً متوازناً، للطرفين، وتحكم على ما يبديه التياران من أفكار، والمنصفين قد يكونوا من التياران، لكن تمتعهم بصفات الشخصية النزيهة، والواضحة، والحكيمة، تسطيع النقد، حتى لنفسها، وتنصف الرأي الآخر، اذا وجدته حقاً، فهل نحن بحاجة إلى تيار من المنصفين؟ اعتقد ذلك .
د. سرحان سليمان
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي والاقتصادي.
شاهد أيضاً
بوتين وأردوغان يبحثان العلاقات الثنائية وقضايا إقليمية ودولية
شفا – أعلن الكرملين أن الرئيس فلاديمير بوتين أجرى اتصالا هاتفيا اليوم الأحد مع نظيره …