شفا – شدد المفكر السياسي د. مروان المعشر نائب رئيس مؤسسة كارنيغي، ووزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، على أن خيار حل الدولتين انتهى منذ زمن، ولم يعد الحديث عن حل الدولتين إلا حديثا يقصد به من المجتمع الدولي إبراء ذمة فقط، في حين تستخدم “إسرائيل” هذا الحديث اللفظي عن حل الدولتين دون أن يتم إقران ذلك بأي جهد حقيقي من قبل المجتمع الدولي لتحقيق هذا الحل على أرض الواقع.
وقال المعشر خلال ندوة فكرية نظمتها مؤسستي زوايا للفكر والإعلام وبال ثنيك للدراسات الاستراتيجية”، شارك فيها نخبة من الكتاب والباحثين الفلسطينيين عبر تقنية الزوم: “إن “إسرائيل” استخدمت التشبث اللفظي بحل الدولتين، من أجل خلق حقائق على الأرض كل يوم، من مستوطنات وغير ذلك، وفعليا هي تهدف للقضاء على حل الدولتين، إضافة إلى أن “إسرائيل” تقول صراحة أنها لا تريد حل الدولتين”، ولا تريد الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.
وأضاف المعشر، أنه لا يوجد إرادة سياسية على المستوى “الإسرائيلي” والدولي كي نضع خطة واقعية قابلة للتنفيذ يتم من خلالها حل الدولتين؛ إضافة للحقائق الديموغرافية على الأرض، حيث يوجد 700 ألف مستوطن في الضفة والقدس الشرقية ومن المستحيل إزالتهم، لذلك فإن حل الدولتين لم يعد ممكناً.
بدائل حل الدولتين
واستطرد المعشر في حديثه خلال الندوة، أن البديل لحل الدولتين حلول أخرى، وهذه الحلول فيها قدر كبير من الإشكاليات، مشيراً إلى أن جزء من الشعب الفلسطيني وهم الجيل الجديد (جيل ما بعد أوسلو)، يسير في طريق حل الدولة الواحدة، أو على الأقل في طريق إحقاق الحقوق الفلسطينية بغض النظر عما تؤدي إليه هذه الحقوق السياسية والمدنية، وإلى جانب ذلك هناك جزء من الشعب الفلسطيني نفسه، يقول:” أننا ناضلنا لمدة عقود من أجل تحقيق قيام مؤسسات فلسطينية وهوية وطنية فلسطينية ولا نستطيع أن نتجاهل كل هذه المكتسبات ونتكلم عن حل آخر، على اعتبار أن الحل الاخر من وجهة نظر العديد من الفلسطينيين وربما المجتمع الدولي يعني حل قائم على انصهار الفلسطينيين في المجتمع الإسرائيلي عن طريق دولة واحدة عنصرية كما هي حالياً، أو عن طريق دولة لا تحقق الحلم الفلسطيني بإقامة الدولة الفلسطينية.
وأوضح المعشر، أن حديثه عن حل الدولة الواحدة، لا يقصد به انصهار المجتمع الفلسطيني في المجتمع الإسرائيلي، بل أن حل الدولة الواحدة تكون فيه أغلبية فلسطينية في فلسطين التاريخية، حيث يكون فيه عدد الفلسطينيين في الداخل المحتل، والضفة الغربية والقدس وقطاع غزة حسب آخر استطلاع إسرائيلي نحو 7.4 مليون فلسطيني، مقابل 6.8 مليون إسرائيلي يهودي.
ولفت إلى أن “إسرائيل” كانت تقول في الماضي، أن الفلسطينيين لا يمكن أن يجتمعوا أي (فلسطيني الداخل المحتل، وفلسطيني القدس، وفلسطيني الضفة وفلسطيني قطاع غزة)، وأن لكل مكون من مكونات الشعب الفلسطيني خصوصيته، لكن هذه النظرية بعد الحرب الأخيرة في مايو 2021 الماضي وأحداث الشيخ جراح وسلوان، أثبت أن الفصل بين مكونات الشعب الفلسطيني ليست كما تقول “إسرائيل”، بل أصبح هناك كتلة فلسطينية واحدة تطالب بحقوقها السياسية.
وأكد أن الفلسطينيين في الداخل المحتل، يشعرون اليوم بأنهم مواطنون من الدرجة الثانية بالقانون إلى جانب المعاملة، بعد إقرار “إسرائيل” قانون عام 2018 يجسد العنصرية والتعامل مع الفلسطينيين معاملة درجة ثانية، حيث أصبح القضاء الإسرائيلي قضائين، واحد للفلسطينيين داخل إسرائيل، وآخر للإسرائيليين، قائم على نظام عنصري قانوني.
تحولات في العالم تجاه الفلسطينيين
ونوه المعشر إلى أن العالم اليوم بدأ يتحول من التركيز على شكل الدولة الفلسطينية، إلى التركيز على الحقوق الفلسطينية (الحقوق السياسية والمدنية)، ورأى أن الفلسطينيين لم يصلوا بعد إلى كتلة حرجة، ولكنهم في طريق الوصول، والعالم لم يستطع الموافقة على الفصل العنصري الذي تقوم به إسرائيل بشكل واضح جداً، سواء في فلسطين التاريخية، أو الضفة الغربية أو قطاع غزة، معرباً عن اعتقاده أن التحول في القضية الفلسطينية سيأخذ وقتاً طويلاً يمتد لعقود.
وأشار إلى أن التحول الخارجي الذي أضحى يركز على الحقوق الفلسطينية اليوم بشكل أكبر من السابق، بعد تجاهله لها، اعتقاداً منه بأن خيار حل الدولتين سيعالج هذه الحقوق، وصل لقناعة مفادها أن “إسرائيل”، لا نية لديها للانسحاب من الأراضي المحتلة، وبالتالي لم يعد العالم يقبل الممارسات الإسرائيلية.
وتابع المعشر، أن هناك تحول داخل المجتمع الأمريكي نفسه، حتى داخل أوساط الحزب الديمقراطي، ورغم أنه غير مؤثر إلا أنه لا يستهان به، حيث يوجد نحو 100 عضو في الكونجرس الأمريكي المحسوبين على الحزب الديمقراطي يرفضون الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
الجيل الفلسطيني الجديد غير مكترث بحل الدولتين
ورأى المعشر أن الجيل الجديد الفلسطيني (ما بعد أوسلو)، لم يعد يهمه حل دولتين لأنه لا يحقق له الاحتياجات الدنيا من المطالب، وأن ما تقوم “إسرائيل” بتقديمه اليوم هو حل لا يتضمن القدس وإزالة المستوطنات وحق العودة وغور الأردن وسيادة فلسطينية على كامل الأراضي الفلسطينية، وهذا الجيل بدأ يتحول نحو حل يضمن على الأقل الحقوق الفلسطينية.
الإدارة الأمريكية تتخلى عن منطقة الشرق الأوسط
وأكد المفكر السياسي الأردني المعشر، ان هناك تحول جذري في نظرة الإدارة الامريكية نحو منطقة الشرق الأوسط وليس القضية الفلسطينية فحسب، مشيراً إلى أن هذا الأمر بدأت إرهاصاته منذ الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، أي من بداية عهد الديمقراطي باراك أوباما، في ظل وجود شعور لدى الشعب الأمريكي بمختلف توجهاته وانتماءاته الفكرية، بأن المغامرات الامريكية العسكرية في الخارج غير مجدية، ولم تحقق الديمقراطية أو القيم الأمريكية خارج الحدود الامريكية وتسببت في الكثير من مقتل الأمريكيين والاعباء المالية، وتم انتخاب أوباما على قاعدة انسحابه من التدخلات الخارجية وعلى رأسها أفغانستان والعراق.
واستدرك المعشر أن حقبة إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب كانت استثناءً ليس لأن ترامب معني بالقضية الفلسطينية، ولكنه معني بقتل القضية الفلسطينية، ليس إرضاء لليهود الامريكيين، بل للجماعات التبشيرية، موضحاً أن اليهود الأمريكيين يريدون حل الدولتين ولذلك رفضوا صفقة القرن، لأنهم يدركون أن حل الدولة الواحدة ليس في صالحهم.
وأكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تريد الانسحاب من كل منطقة الشرق الأوسط، وليس فقط الموضوع الفلسطيني، موضحاً أن الهم الوحيد لدى الإدارة الأمريكية هو عقد اتفاق نووي مع إيران وإسرائيل فقط، وما دون ذلك جزئيات لم تعد على قدر الاهتمام كما كان في السابق، منوهاً إلى أن هذه الحقيقة لا يدركها عدد كبير من المسؤولين والأوساط الشعبية.
رهان خاسر
ونوه المعشر إلى أن هناك من يعتقد أن أمريكا مهتمة في المنطقة من أجل “إسرائيل” والنفط، وأن الاحداث لابد أن تفرض على أمريكا أن يكون لها دوراً في المنطقة، مؤكداً أن من يعتقد ذلك فهو خاطئ جداً، ليس لان الإدارة الامريكية تريد ذلك، لكن لأن لديها أولويات كثيرة تفوق القضية الفلسطينية بعد جائحة كورونا وولاية ترامب، مشيراً إلى أن الأولويات لديها تكمن في إعادة العافية للاقتصاد الأمريكي، وإعادة اللحمة للمجتمع الأمريكي، وإعادة العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والعلاقة مع الصين وروسيا والتغير المناخي، كلها أهم بكثير من المنطقة العربية، خاصة أن موضع النفط لم يحظ بدرجة الاهتمام كما في السابق، وأصبحت اليوم أمريكا دولة مصدرة للطاقة وليست مستورة في كما في السابق، وانحسار أهمية النفط إلى حد كبير في المنطقة خلال الأعوام العشرة الأخيرة وتحديداً منذ العام 2014.
ودلل المعشر على توجهه، بأن الإدارة الأمريكية في الحرب الأخيرة على غزة، لم تبذل جهداً من أجل دفع عملية السلام، وإنما جهد آني هدفه المحافظة على الهدوء.
وشدد نائب رئيس الوزراء الأردني ووزير الخارجية الأسبق مروان المعشر، أن كل الوقائع تعني أن هناك حالة تفرض علينا جميعاً مقاربة جديدة لحل المواضيع الشائكة في المنطقة العربية، وعدم الرهان على الولايات المتحدة الأمريكية في حل المشاكل الداخلية، لأنه رهان خاسر