12:38 مساءً / 24 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

تصعيد الأسعار.. وتهدئة الرواتب.. ووقف إطلاق فرص العمل..! بقلم : أكرم عطا الله

هناك أزمة حقيقية كتب حولها الكثير من زملائي الكتاب، ولكن يبدو أنه في عرف المسؤولين ليس هناك ما يدعو للتوقف سوى أقل من احتراق جسد مواطن لم يعد يرى في الوطن سوى الفقر وانعدام الحياة وانهيار الرجولة أمام أبنائه ليرى الخلاص في الآخرة أقرب من الخلاص من حكومات واضح أنها تصر على أن تحكم إلى يوم الدين بتعثر لا تحله الوعود ولا خطط المائة ولا الألف يوم.

التظاهرات في مدن الضفة تعبر عن تلك الأزمة، فالأسعار ترتفع بوتيرة عالية لا توازيها في الرواتب وجدول غلاء المعيشة يتقدم وفقاً لأزمة إسرائيل الاقتصادية، ولا أعرف السر الذي يجعل الأسعار ترتفع كلما ارتفعت في إسرائيل، فالحكومة الإسرائيلية التي تمتص مواطنها من أجل زيادة موازنة الجيش لأن شهوة قادتها مفتوحة دوماً على حروب لا تنتهي فتقرر توفير 14 مليار شيكل من رفع سعر الوقود والسجائر والضريبة وغيرها فترتفع تلقائياً لدى السلطة، فكيف يتم ذلك خاصة أن السجائر كمثال يشتريه الفلسطينيون ويبيعونه دون تدخل إسرائيلي، هذا الربط من الطبيعي أن يدفع المواطن الفلسطيني للاحتجاج حين يتساوى سعر السلعة بينه وبين الإسرائيلي، فكيف يتمكن من يتقاضى راتب ثلاثة أو أربعة آلاف شيكل من شراء سلعة يتم تسعيرها للإسرائيلي الذي يتقاضى عشرة أو خمسة عشر ألف شيكل؟

لكن هذه ليست هي الأسئلة المهمة في سياق الحاصل فلسطينياً ونحن في منتصف الأزمة والتي بدأت نذرها منذ أكثر من عام بتصريحات مسؤولي الحكومة بأنهم على أبواب أزمة أخذت تترحل من شهر لشهر كان أبرز تعبيراتها ارتباك الرواتب وهي الحد الأدنى المطلوب من أية حكومة توفيره، ثم انفجرت هذا الشهر على شكل تظاهرات عبرت عن عدم قدرة المواطن على العيش وسط جنون الأسعار الذي يجتاح المدن الفلسطينية، فبعض من سمحت لهم إسرائيل بالدخول إليها للتسوق على أبواب العيد اكتشفوا أن بعض الأسعار في الضفة أعلى منها هناك.

الأسئلة الكبيرة حول قدرة أية حكومة على الحياة في ظل الاحتلال وهو السؤال الرئيسي الذي يجب البحث فيه وخاصة أنه لا يبدو في الأفق ملامح استقلال فلسطيني، ففي عام 2009 قدم السيد فياض خطته لإقامة الدولة وقد شملت الخطة بعدها الاقتصادي، وفهم منها وحسب تصريحاته انه إذا ما انتهى الاحتلال فان الحكومة قادرة على إقامة اقتصاد دولة وتصبح في غنى عن المساعدات الخارجية، وحين تتحكم الحكومة بالموارد الفلسطينية فإنها ستتمكن من تغطية النفقات لأن الاحتلال يمنع الفلسطينيين من استغلال مواردهم ويتحكم في كل شيء وإن وجوده يحول دون ذلك، وهنا يبدو السؤال عن الحل مشروعاً طالما بقي الاحتلال، وبعد أن ثبت أن لا تنمية في ظل بقائه إذن ما العمل؟ فستبقى كل محاولات تغطية العجز معتمدة على التسول والدعم الخارجي وربما يرهن هذا بتقديم ثمن سياسي أو غيره وكيف يمكن لسلطة تحمل مشروع التحرر وتخوض الصراع السياسي والدبلوماسي مع إسرائيل أن تنجح في حين تمسكها إسرائيل من نقطة ضعفها؟

أقيمت السلطة قبل حوالي عقدين وقد حدد دورها الوظيفي بالتفاوض مع الاحتلال مدة خمس سنوات تنتهي بإقامة دولة فلسطينية واكتشف أن هذه المرحلة المؤقتة تحولت إلى دائمة واكتشف أن الرغبة الإسرائيلية بتأبيد هذا الوضع المؤقت هي برنامج عمل لكل الحكومات يمينها ووسطها ويسارها، علمانيوها ومتدينوها، مسالموها ومحاربوها وقد تحولت السلطة إلى رهينة وغرقت في التفاصيل، وتباعد مع الوقت مشروع التحرر وهمومه لتنشغل السلطة في هموم أقل كثيراً وأبعد كثيراً عن الهدف الرئيسي، فكان الغرق في تفاصيل الموازنة والأموال والرواتب والقروض والدفعات والتحويلات والمساعدات والتبرعات هو الشغل الشاغل لحكومات السلطة ليتلاشى قليلاً قليلاً الهدف الرئيسي لها وخاصة في ظل توقف المفاوضات، فهل يمكن أن يتعايش الفلسطينيون مع هذه الحالة والتي أصبحت مع الزمن عبئاً على النضال الوطني بل وتحولت السلطة إلى مادة للصراع بين الفلسطينيين حد القتل لتنتهي الحالة الفلسطينية باقتسام الوطن وبحكومتين كل منهما تعيش عجزها على طريقتها، والقاسم المشترك بينهما هو احتراق المواطن الذي يدفع ثمن الأزمة المركبة أزمة الاحتلال ومشروع التحرير، وأزمة الصراع على الحكم وحرمانه من حقه بالانتخاب والنتيجة أن وضعه يتردى ويتراجع.

يمكن أن نجد عذراً للحكومة غير الحرة في إدارة اقتصادها ومواردها ويمكن أن نعفيها إذا أردنا من المسؤولية المباشرة عن الأزمة لنحمل المسؤولية للاحتلال، ولكن لا يمكن إعفاؤها من مسؤولية عدم التوقف أمام واقع التعايش كحكومة في ظل الاحتلال وإدامة هذا الوضع دون البحث عن حلول حقيقية وفحص الخيارات، وهل استمرار هذه الحالة هي مصلحة فلسطينية أم حل الحكومة والسلطة يمكن أن يضع الاحتلال أمام مسؤولياته ويضيف عليه عبئاً لا يستطيع تحمله اقتصادياً وهو المنهك حد الوقوف على شفا الهاوية، لكن أن تستمر السلطة فتخفف عن الاحتلال ثمن الاحتلال وتوفر له سيطرة مريحة ومجانية فهذا أمر غير مقبول، ولم يكن له مثيل في التاريخ، فهذا الظرف يوفر لإسرائيل احتلالا غير مكلف، فلماذا تسعى إلى تغييره.

هذا السؤال الصعب يتهرب الفلسطينيون من بحثه وليس المقصود منه اتخاذ قرار متسرع دون حسابات، بل ينبغي البحث عن أدوات إيلام وإنهاك وزيادة أعباء إسرائيل، فقد بات السلوك الإسرائيلي والدولي أنهما يحاصران السلطة، ومن الممكن أن يرد أحد بأن إسرائيل تسعى للتضييق على السلطة وصولاً لحلها لتنفذ مشروعها بالضفة إما بضمها أو بإلقاء ما يزيد على الحاجة الإسرائيلية إلى الأردن كما يريد غيورا آيلاند، وهذا وارد خاصة بعد أن استكملت مشروعها بالقدس بمصادرتها وتهويدها وفي غزة بالتخلص منه ودفعه باتجاه مصر وهو على الطريق، والآن جاء دور الضفة.

ما بين حل السلطة وقلب الطاولة في وجه إسرائيل والعالم وبين بقائها وإجهاض مشروع إسرائيل هذه مهمة مراكز الدراسات والفكر التي عليها أن تحاول البحث عن حلول لتقصير عمر الاحتلال، فما هو موجود هو إدامة عمر الاحتلال مع تردٍ أكثر لمستوى حياة المواطن، وهذا يجب أن يشعل الأضواء الحمر عند الجميع لأنه بات يشكل الأزمة والحل ومعضلة المشروع الوطني بأكمله.

تأتي هذه الاحتجاجات في ظل فقدان النظام السياسي لشرعيته الدستورية، فلم تتبق شرعية لأي من المؤسسات الفلسطينية التي انتهت فترة ولايتها منذ سنوات سواء في الضفة أو غزة، ويحسب على المؤسسات القائمة أن الحالة الفلسطينية عاشت أسوأ مراحلها في فترة ولايتها والأهم أنها لا تزال تصر على الحكم دون تجديد شرعيتها الدستورية.

وإذا كانت الحياة صعبة في الضفة الغربية والراتب لا يكفي للحاق بالصعود الصاروخي للأسعار فهي تكاد تكون منعدمة في قطاع غزة، وليس هناك فرص عمل ولا راتب من أصله والوضع الاقتصادي أكثر سوءاً من الضفة الغربية، لكن في الضفة وغزة لم تتمكن الحكومتان من تأمين حياة كريمة للناس هذه هي الحقيقة، والحقيقة المدهشة أنهما تستغربان احتراق الناس.

شاهد أيضاً

لماذا نقرأ كتاب “بيغن” في عهد “نتنياهو”؟ بقلم : بكر أبوبكر

لماذا نقرأ كتاب “بيغن” في عهد “نتنياهو”؟ بقلم : بكر أبوبكر “العالم لا يشفق على …