أن يحرق الفلسطيني ابن ( الثامنة عشر ) من عمرة في مدينة غزة نفسه وان يموت حرقا وان يذهب ليموت علنا ( امام ثلاجة الموتي ) في مدينة غزة هو بالتأكيد حدث غير عادي في مخيلة أي فلسطيني ويجب أن نتوقف امام هذا الحدث الذي وقع في ظروف معيشية سيئة .. وان نتنكر للفلسطيني ابن الثامنة عشر وان يمر خبر حرقة لنفسه في وسائل الاعلام وان ترمز شرطة غزة لاسمه برموز حتى يكون مجرد رقم عابر وان يسجل في سجلات دفن الموتي بدون توقف امام هذا الحدث الذي يستوجب محاكمة كل من تسبب ووقف خلف هذا العمل سواء بطرق مباشرة او غير مباشرة ..
أن ( القانون والعدالة ) ليست مجرد كلمات ممكن أن تمر للتشويق الاعلامي والديكور الخطابي وللتجارة بدماء البشر وللربح الغير مشروع في زمن توقف فيه كل شيء وأصبحت الجريمة مجرد وجهة نظر ..
شباب فلسطين في غزة يموتون باليوم خمس مرات وأصبحوا فقط مجرد ارقام في سجلات دفن الموتي الاحياء كل منهم ينتظر ساعة موته وموعد انهاء حياته وعلي طريقته الخاصة وبدون أي ثمن .. بدون أي وازع او ضمير او حتى اشعار مسبق ..
انه الموت في ( زمن غزة ) انتحار بسبب لقمة العيش .. يعني أن يموت المواطن وينتحر وتبقي الحكومة .. يموت الفلسطيني ويعيش الفلسطيني الاوحد ( ……….. ) تعيش ( حكومته الربانية المباركة ) صاحبة الباع الطويل في الامن والأمان والاستقرار والسياسات الرشيدة حيث لا يري هو وحكومته مدي الاجرام بحق البشر ولا يريدون أن يتحملون المسؤولية ويتعاملون مع الفلسطيني انه خارج نطاق البشر ويجب أن يتحمل كل شيء .. يجب عليه السكوت والصمت .. وممنوع أن يعترض وعليه أن يقيم الصلوات الخمس في مساجد الامن الداخلي وان يحرص أن لا يصلي في مساجد تتبع السلفيين او الجهاديين او الكتاب والسنة وعلية أن لا ينتقد البنزين او السولار او انقطاع التيار الكهربائي او يتحدث عن غلاء المعيشة والبطالة والهجرة وان يدافع عن شرعية الانفاق وان يكتب الدراسات عن اهميتها وعبقريتها واقتصادها والا اصبح مشبوها عميلا ساقطا وصاحب ملف اخلاقي في اروقة ودهاليز الامن الحمساوي ..
انت في غزة يعني أن تكون اليوم خارج الزمن .. وأن تقف امام ما تبقي من نصب الجندي المجهول وان تترحم عن الشهداء بصمت وان تقرا الفاتحة علي ارواحهم بدون ذكر اسمائهم فأنت يجب أن تكون ضمن عنوان المرحلة ولا تقف ضد التيار وان تعترف بصندوق الانتخابات وبشرعية ( حكام غزة ) الذين يحكمون غزة منذ ثمانية سنوات مضت بالرغم من انتهاء شرعيتهم منذ اربع سنوات ..
انت في غزة عليك أن تحفظ الوصايا العشر وان لا تنتقد الحكومة وان تسكت عن ما تشاهده حولك وان تبتعد عن اثارة الفتن بين الناس .. وان تسير جانب الحائط او حتى لا تسير .. أن تجلس في بيتك او حتى تموت ببطء فهذا لا يعني الاخرين ..
انت في غزة عليك أن تسكت حتى علي جريمة احراق النفس البشرية وان لا تشير لا من قريب ولا بعيد الي الحادث او تحاول فهم ما يحدث وان يكون هذا الحادث هو حدث عابر لا يساوي حتى الكلمات التي تكتبها ..
شخص ( ما ) وفي وقت ( ما ) وأمام ثلاجة الموتي قرر حرق نفسه – اكيد هذا الشخص ( الما ) هو شخص مختل عقليا ولا يمت للبشر بأي صله ومجرم أي ( صحافي ) يحاول الكتابة عن هذا الحدث او يجيب سيرة ما يحدث او يحاول الخوض في اسباب الازمة المعيشية او الحياتية او يتطرق الي كيفية شراء رغيف الخبز او حليب الاطفال في غزة .. او انفاق الموت .. او تجار النصب او الاغنياء الجدد او امراء الحكومة …
وعندما تحاول البحث عن الاطفال الذين يأكلون وجبات من القمامة تكون انت كافر وعرضت الحكم الرشيد وعندما تكتب عن البطالة ومعاناة المواطن وحياته تكون انت صحافي تتبع رام الله وتتهم بالتخابر معها وفقا لقانون ( الوحدة الثورية ) وتكون مجرد من انسانيتك ورقما في سجلات الامن وعندما تحاول أن تكتب عن (عنب غزة ) وجولات رئيس الوزراء فيها تكون انت صحفي ساقط ومشبوه امنيا وأخلاقيا وعندما تكتب عن المقاومة وتجار السلاح وعن الانفاق والأطفال الرضع تكون انت شخص غير مرحب بك ويجب أن تغادر غزة والا تنتظرك سيارة لتدوس كرامتك او رصاصة قاتلة او حتى تصاب في مفاصل قديميك وتنضم الي ( قائمة المعاقين الطويلة ) .. وعندما تحاول أن تكتب عن شباب غزة يتهمك البعض أنك فتحاوي وتحاول أن تعيد انشطة حركة فتح في غزة وعندما تقيم ( زواج جماعي ) لأفراد مجتمعك يتهمك الامن الداخلي الحمساوي بأنك تقيم تجمع مشبوه وغير قانوني .. وعندما تكتب عن حكومة حماس في غزة وسياستها تجاه المواطنين تكون تهمتك جاهزة بائك مجرم وعميل وخائن ..
في غزة نحن اليوم امام حدث مذهل امام حدث خطير وعابر علي الفلسطيني وهو أن ( شاب فلسطيني ) رفضت حكومة غزة أن تصرح بأسمه لوسائل الاعلام قام وحرق نفسه محتجا علي ظروف الحياة السيئة تاركا الدنيا وما فيها الى الحكومة التي منحها التشريعي المنتهي الصلاحية ( الثقة ) ..
وللتوضيح .. انني هنا اكتب فقط وعن ظروف حياة غزة وعن معاناة شعبي وما يهمني هو شعبي الذي اقدره واحترمه واركع امام عظمته وعطاءه وصموده وبطولته وان واجب أي صحافي عدم مسح ( الجوخ للبعض والقادة ) وأنني احي زملائي الاعلاميين الذين نقلوا حدث وفاة ( الشاب حرقا ) مؤكدا أن الامانة الاعلامية والصحافية تتطلب أن يقف الصحافي عند مسؤولياته وان ينقل الحدث بكل حياديه وان ينتقد الاخرين بكل ادب ومهنية حتى يتم تغير الواقع من سيء الي افضل وان هذه المسؤولية هي مسؤولية كل الاعلاميين وأنها مسؤولية جماعية ويجب محاكمة أي شخص تسبب بقتل أي فلسطيني ..
وحتى لا يكون الفلسطيني مجرد رقم في سجلات الموت يجب أن يعلو صوتنا لإسقاط حكومة تتستر عن المجرمين ولا تعمل من اجل خدمة الموطن الفلسطيني الذي يتطلع الي العيش بحرية وكرامة وعدالة وامن وازدهار .. وحتى لا يبقي الانتحار في غزة مجرد وجهة نظر ..!!
رحم الله سفيان ابو ندي الذي قام بحرق نفسه بعد أن عجز عن ايجاد فرصة عمل في غزة ..
أن دمك يا ( سفيان ) سيحاكم يوما ( ما ) كل المجرمين القتلة الذين تسببوا في وفاتك … وقتل شعبنا .. لن تمر هذه الجريمة بدون عقاب طال الزمن ام قصر .. لن تسقط غزة وستبقي قلاعها صامدة لن تهان .. لن تنالوا من صوت شبابها ورحمك الله يا سفيان رحم الله شعبنا وشاب فلسطين الاحرار الابطال ..