عندما يضحك الكذب في جهنم بقلم : علي الصراف
قاد الرئيس ميشيل عون بلده إلى جهنم. وهو نفسه موعود بها عندما تنقضي مدة رئاسته العام المقبل، لأن لبنان سيكون ما يزال غارقا في جحيم الفشل، بينما قد لا يجد مكانا يهرب إليه مما أورث شعبه من آلام.
عون ليس من النوع الذي يتراجع عن الخطيئة. إنه عنيد بما يكفي حتى لو عم من حوله الخراب. كما أنه مستعد لقول أي شيء، إلى درجة تجيز القول إن علاقته مع الصدق، تجعل الكذب يضحك. لاسيما وأنه مستعد لجعل تلك العلاقة مفضوحة، ولا تحتاج إلى فهم. ذلك أنه يقول ما يشاء بصرف النظر عما إذا كان هناك من يصدقه. يكفي أن صهره مرتاح. فجبران باسيل هو كل ما يملك في دنياه، وفي آخرته أيضا. سوى أنه في آخرته لن يستطيع الزعم “أن الرئيس الحريري لم يسلمه قائمة بأسماء الوزراء المقترحين”. ولكنه، إذا حوسب وتم نشر محضر الحساب على مرأى الملائكة والناس أجمعين، فإنه يأمل، بما وفر له باسيل من قناعات، بأن يُصدر بيانا ينفي فيه وجود المحضر، ووجود الحساب، ووجود الله نفسه.
في العام الباقي له في سلطته، لن يعثر الرئيس عون على رئيس للوزراء يمكنه أن ينقذ لبنان. والطريق الوحيد المتاح هو أن تبقى الأمور معلقة إلى حين إجراء انتخابات نيابية في مايو 2022. وحتى هذه الانتخابات غير مضمونة. فمثلما عمد المجلس النيابي لسنة 2009 أن يجدد لنفسه ثلاث مرات، لأسباب أمنية، فان سلاح حزب الله + جنهم، سوف يكفلان توفير تلك الأسباب لكي تبقى البلاد بلا مجلس نيابي منتخب وبلا رئيس أيضا.
بحسب التقاليد، فان رئيس الوزراء يتعين أن يحظى بقبول فعاليات طائفته. وهذا لن يتاح. كتلة المستقبل التي يقودها سعد الحريري من المرجح أن تمتنع عن المشاركة في الاستشارات النيابية. ونادي رؤساء الحكومة السابقين لن يوافق على تعيين شخص بشروط أقل مما كان يطالب بها الحريري. ودار الإفتاء الإسلامي التي وقفت وراء الحريري، لن تتخلى عن مطالبه.
هذا يعني شيئا واحدا فقط، هو أن يتم التوصل الى إعادة تكليف الحريري، أي بشروطه، من دون الحريري نفسه. وبكلام آخر، فإن الرئيس عون، والكتل النيابة الأخرى أمام خيارين لا ثالث لهما: إما بقاء الأزمة مفتوحة، وإما اختيار رئيس جديد للوزراء يختار بنفسه قائمة أعضاء حكومته، من التكنوقراط المستقلين، ولا يسمح للرئيس عون ولا لأي جماعة أخرى بأن تحصل على الثلث المعطل، وأن تقوم بتنفيذ برنامج إصلاحات يُرضي جهات التمويل الدولية ويطمئنها على أن ما سوف تقوم بضخه من أموال لن يذهب سدى في مجارير الفساد.
وما من أحد في لبنان إلا ويعرف أن مكافحة الفساد هي العلة، لأنها تستهدف، بالدرجة الأساس، مصادر تمويل “الاقتصاد الموازي” للدولة “الموازية” التي يقودها حزب الله بالشراكة مع بعض المنتفعين، من أركان السلطة والنفوذ وأصحاب القدرة على تعطيل الحكومات.
حزب الله وحلفاؤه، إنما كانوا يراهنون على إعادة تدوير الزوايا، في ما يخص تطبيق المبادرة الفرنسية، أو تعطيلها. وتدوير الزوايا كان يعني إقامة حكومة تكنوقراط، خاضعة لسيطرة “العهد” وشركاه، بحيث تلقى التمويلات ولكن من دون أن تطال إجراءاتها الإصلاحية رؤوس الفساد أو دولته الموازية. فلما فشل هذا الرهان بتمسك الحريري بتشكيل حكومة لا يملك أحد فيها “ثلثا معطلا”، فقد أصبح تعطيل التكليف هو الخيار الوحيد، وهو ما حصل في نهاية المطاف.
وبرغم أن الأزمة طاحنة، وقد تؤدي الى انهيار قدرة “حكومة تصريف الأعمال” على تصريف الأعمال، فإن ذلك ليس مما يثير الكثير من القلق لدى حزب الله، لأن اقتصاد الفساد في دولته الموازية يوفر له غطاء كافيا لاسترضاء طائفته على الأقل، وليذهب الآخرون الى جهنم التي وعدهم بها الرئيس عون.
لبنان لن يخرج من المحنة. والمحنة ليست في الواقع مجرد عجز اقتصادي عن تمويل الاحتياجات الأساسية. إنها محنة سلطة فساد ومافيا سياسية يقودها حزب الله لا تريدان أن تحلا عن رقاب الناس.
وليس من طبيعة المافيات أن تقلق إذا انهار كل ما حولها. كل ما يعنيها هو النجاة بما فعلت، والنجاة بما تريد أن تواصل فعله.
الرئيس عون يعرف هذا الواقع تماما. وفي لحظة صدق نادرة، قدم له وصفا دقيقا. ولكنه ليس من النوع الذي يعترف بمسؤوليته عنه. سوف يُصدر بيانا يؤكد فيه أنه لا يريد الثلث المعطل، وأن رئيس الوزراء المقترح لم يقدم له تشكيلة وزارية بعد مرور عدة أشهر من تكليفه، وإنه هو أول من يريد مكافحة الفساد.
الكذب سيضحك، حتى لتهتز أركان جهنم بالقهقهات.