بايدن وفصل روسيا عن الصين بقلم : د. أيمن سمير
رغم أن الدليل المبدئي لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الذي أعلنه البيت الأبيض في شهر مارس الماضي أعتبر كلا من الصين وروسيا منافستين للولايات المتحدة على المستوى الإستراتيجي فإن مفردات الخطاب والسلوك الأمريكي قبل وأثناء رحلة الرئيس بايدن إلى أوربا، ولقاء القمة المنتظر مع الرئيس بوتن في جنيف يؤكد أن الولايات المتحدة تسعى إلى ألا تكون روسيا والصين في “سلة واحدة، فوزراء الخارجية في روسيا والولايات المتحدة التقوا في ريكافيك عاصمة أيسلندا على هامش قمة الجليد، كما أن مستشاري الأمن القومي بين البلدين تواصلا أكثر من مرة.
ومن يقرأ بيان قمة السبع وتفاصيل قمة الناتو يتأكد له أن الولايات المتحدة التي تحدثت عن الصين 18 مرة مقابل 6 مرات فقط في دليل إستراتيجية الأمن القومي باتت اليوم تفرق بشكل واضح بين “السلة” التي تضع فيها روسيا، و”السلة” التي تنظر من خلالها للصين، فما الأهداف الأمريكية في التفريق بين روسيا والصين؟ وهل روسيا مستعدة للتخلي عن الصين؟
هدايا متبادلة
باعتراف الجميع فإن العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا وصلت لأدنى مستوى لها منذ الحرب العالمية الثانية، ورغم ذلك لدى واشنطن وموسكو كل الدوافع لتحسين العلاقات التي تدهورت على خلفية ضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014 والهدنة الهشة في منطقة دونباس جنوب شرق أوكرانيا، واتهام روسيا للغرب بدعم الثورات الملونة للاقتراب من حدوده البرية والبحرية، رغم كل ذلك هناك العديد من المؤشرات الإيجابية والهدايا المتبادلة بين البلدين ومنها:
أولا: توصلت موسكو وواشنطن لتجديد اتفاقية “ستارت 3″ لمدة خمس سنوات جديدة بداية من فبراير الماضي والتي تتعلق بالصواريخ الإستراتيجية العابرة للقارات، ويعد موقف الرئيس بايدن متقدما للغاية في هذه الاتفاقية حيث رفض سلفه دونالد ترامب تجديدها بنفس الشروط التي كانت عليها منذ 2011.
ثانياً: تنازلت الولايات المتحدة عن معارضتها لخط نقل الغاز الروسي أسفل بحر البلطيق والذي يصل لألمانيا ووسط أوربا ويطلق عليه” نورد ستريم 2″، وتحت غطاء أن الخط اكتمل وأصبح واقعاً قبلت الولايات المتحدة بقاء الخط الذي سيضخ مليارات الدولارات لروسيا مع تعويض أوكرانيا مالياً.
ثالثاً: رد الرئيس بوتين على تلك الهدايا باستعداده لتسليم القراصنة الذين قاموا بهجمات سبرانية على المنشآت والمؤسسات الأمريكية، وإن كان ربطها بسلوك مماثل من الجانب الأمريكي.
رابعاً: تأكيد الولايات المتحدة أن واشنطن مستعدة للعمل مع موسكو حول قضايا الاستقرار الإستراتيجي، والقطب الشمالي، ووفق تصريحات جيك سوليفان مساعد الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي فإن واشنطن تركز على المصالح المشتركة مع روسيا.
خامساً: تأكيد الرئيس بوتين نفسه في مقابلة مع شبكة “إن بي سي” الأمريكية على أهمية الحلول الوسط والمقبولة للجميع على أساس الاستقرار والوضوح، بل استعداد الرئيس الروسي لتبادل إطلاق المساجين في الدولتين.
الصين على فوهة المدفع
لكن على الجانب الآخر استحوذت الصين على كل القلق من جانب الدول الصناعية السبع وحلف الناتو الذي يستعد لوضع الصين على قائمة مخاوفه بعد اتهام بيان الحلف للصين بأنها تطور أسلحتها النووية وتهدد الدول الديمقراطية، كما أن بايدن بدأ ينتقد الصين بشكل حاد عندما بدأ تحدث في جميع المناسبات التي شملتها جولته الأوربية عن تحالف القيم والديمقراطية مقابل تحالف الديكتاتوريات، كما أن ميثاق “الأطلنطي الجديد” يستهدف الصين بشكل مباشر سواء من خلال الخطوات السياسية أو حتى الإعلان عن استثمار 40 تريليون دولار في البنية التحتية للدول الفقيرة، وهو مشروع منافس لمشروع “الحزام والطريق” الذي أعلنه الرئيس شي جين بينج في 2013.
هل تبتعد روسيا عن الصين؟
رغم الخلافات التاريخية والحرب الحدودية عام 1969 نجحت الصين في تعزيز علاقاتها مع روسيا، ووصل معدل التبادل التجاري عام 2020 إلى أكثر من 107 مليارات دولار، وتعمل البلدان على الوصول بالتجارة البينية إلى 200 مليار دولار قبل عام 2025 ، كما تتعاون موسكو وبكين في مجلس الأمن وفي مختلف المناطق والصراعات الجيوسياسية، ولهذا تبدو مهمة الرئيس بايدن بإبعاد روسيا عن الصين صعبة للغاية إن لم تكن مستحيلة في الظروف الراهنة، فهناك مخاوف غربية وأمريكية من أن تحالف الصين وروسيا ليس في صالح الغرب، وإذا كان الغرب استطاع احتواء الصين بإبعادها عن جيرانها الآسيويين في السبعينيات فإنه يعمل الآن على إبعاد روسيا عن الصين حتى لا تتحول موسكو رديفا لطموحات بكين .
وتعتمد الولايات المتحدة في سعيها لإبعاد روسيا عن الصين على مجموعة من العوامل أبرزها ضعف الاقتصاد الروسي الذي لا يزيد على الناتج القومي لإيطاليا أو ولاية نيويورك الأمريكية، كما تعزف واشنطن عن مخاوف موسكو حيال بكين خاصة ما يسميه الغرب بالتغلغل الصيني الاقتصادي والثقافي في الجزء الشرقي من روسيا، وهي حالة تروج لها كثيراً إدارة الرئيس بايدن اعتقاداً منها بأنها تستطيع إيجاد شرخ في العلاقة الصينية الروسية، وذلك بالحديث الدائم بالحديث بأن الصين أخطر على روسيا منها على الولايات المتحدة.