الأخطاء التي نحبها ، بقلم : د. شهد الراوي
قد يتعلم الإنسان من أخطائه الشخصية السابقة، وقد يتصالح معها، وقد يمارس عليها نوعاً من الإنكار، لكن هل يمكنه أن يحبها؟
بعض الأخطاء لا يمكننا إصلاحها، ستمضي معنا في حياتنا وكأنها ندوب أبديّة، تلازمنا كما تبقى الشمس خفية في معنى الظل، تذكرنا بأنها مسؤولة عما نحن فيه، وما وصلنا إليه.
نحن كبشر من طبيعتنا أن نرتكب الأخطاء تلو الأخطاء، بل نحن، ومن زاوية ما، حاصل جمع الأخطاء التي ارتكبناها.
فهل جربنا أن نحب هذه الرفقة الطويلة؟ وهل جربنا أن نشكر بعض هذه الأخطاء، ونعدها من ذكرياتنا المبهرة أو من رصيدنا الشخصي الذي يشكل ما وصلنا إليه؟
أتذكر أنني كتبت في روايتي الأولى عبارة على لسان البطلة:
ـــ أنا أحب أخطائي لأنني أستطيع أن أمحوها!
وكنت أقصد الأخطاء الإملائية التي تذهب مع تمرير الممحاة مرتين فوقها، لكن هناك أخطاء لا يمكنني محوها بهذه السهولة، وبالوقت نفسه أحبها أيضاً، ويتولد هذا الحب غالباً من عجزي الواضح عن إزالتها، وهي تلك الأخطاء التلقائية، التي تبقي على طبيعتي الإنسانية، وترتفع بها عالياً دون أن تسبب لي في ذكريات مؤلمة، لأنها تتعلق بافتراضي حسن النية في طوية كل الناس الذين أعرفهم وأمنحهم مودة بلا حدود، ثم أكتشف بعدها بأنهم لا يستحقونها.. قد ينتابني نوع من الأسف ولكن لا مكان للشعور بالندم.
ألتفت إلى هذا النوع من أخطائي وأقول بكل ثقة:
ــ أيتها الأخطاء الساطعة، أرجوكِ كوني بخير، استمري في الظهور والتكرار مثل مطرقة تهوي على رأس المسمار لتزيده ثباتاً في جدار الأيام، فأنا لا أريد أن أمحوكِ، ولا أريد أن أتعلم منكِ، فمن دونكِ أخسر تلك السجية الجوهرية، التي تعطي لحياتي قيمتها وتجعل مني إنسية طبيعية لا تفتش في النوايا منذ أولى اللقاءات، ولا تسيء الظن في بداية الرحلة.
فأولئك الذين يدخلون بالمودة عبر بوابات حياتنا، ويخرجون منها بغير مودة، هم المتغير الوحيد في تلك المعادلة.. الأبواب هي نفسها والحياة هي ذاتها، والأخطاء التي ارتكبناها في تقييمهم هي أغلى ما نملك، وهم أرخص من أن نتوقَّف عندهم.