شفا – ضمن فعاليات خلوة الخمسين التي تقام برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الامارات العربية رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، “رعاه الله”، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، كرم سموهما فريق مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ “مسبار الأمل”، الذي يضم أكثر من مائتي مهندس ومهندسة، تقديراً لجهودهم الاستثنائية التي بذلوها على مدى السنوات الست الماضية في تصميم وتنفيذ وبناء مسبار الأمل وإطلاقه بنجاح وتوجيهه طيلة مراحل رحلته إلى الكوكب الأحمر، قبل أن تُتوَّج الرحلة بوصول المسبار مدار المريخ، لتدخل دولة الإمارات رسمياً التاريخ كأول دولة عربية وإسلامية ترسل مهمة فضائية استكشافية إلى المريخ، وخامس دولة في العالم تحقق هذا الإنجاز العلمي، وصاحبة أول مهمة علمية من نوعها لرصد مناخ المريخ من خلال توفير ثروة من البيانات عن مناخ الكوكب الأحمر والظروف الجوية فيه، ضمن مقاربة علمية غير مسبوقة في تاريخ البعثات المريخية، وسط احتفاء الأوساط العملية في العالم بهذا المنجز الإماراتي، ومشاركة رسمية وشعبية في الإمارات في متابعة بعثة الإمارات للمريخ منذ الانطلاقة الناجحة في يوليو الماضي وحتى وصول المسبار إلى وجهته، واحتفاء الملايين في الوطن العربي بهذا الإنجاز العلمي الضخم.
جاء ذلك في استقبال خاص لفريق مسبار الأمل، اليوم، ضمن خلوة الخمسين، التي تعقد في باب الشمس، بدبي، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وتستمر على مدى يومين بهدف وضع إطار تطويري شامل لدولة الإمارات، لدفع مسيرة التنمية خلال الخمسين عاماً المقبلة، وحشد مختلف الجهود والإمكانات والطاقات لصياغة منظومات عمل جديدة، وتجديد الهياكل المؤسسية وبناء الكوادر الوطنية ووضع استراتيجيات تفصيلية في شتى القطاعات الحيوية، مع الأخذ في الاعتبار الأولويات الوطنية، بما يسهم في وضع الإمارات على طريق الخمسين عاماً المقبلة، برؤية تنموية مستقبلية مستدامة تساهم في أن جعلها في مصاف الدول الأكثر تميزاً وتطوراً على مستوى العالم.
وقد أثنى صاحبا السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والشيخ محمد بن زايد آل نهيان على جهود أعضاء الفريق الذين يمثلون مجموعة من خيرة الكفاءات العلمية والهندسية والبحثية في دولة الإمارات، والذين ينسب لهم الفضل في قيادة أهم مشروع وطني يمثل الإمارات والأمة العربية، مؤكدين سموهما بأن شباب الإمارات، من مهندسين وعلماء وباحثين وتقنيين مختصين، يساهمون في إعادة الأمة العربية إلى طريق الإنتاج المعرفي، مستلهمين روح العصر الذهبي للحضارة العربية والإسلامية، التي أنارت بإنجازاتها وابتكاراتها العالم، وما قدموه اليوم هو أكبر فخر للإمارات وأكبر فخر للوطن العربي.
أجمل إنجاز
وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالقول: ” تكريم فريق مسبار الأمل ضمن خلوة الخمسين لإرسال رسالة بأن مشاريع الخمسين القادمة لن تقل عن مستوى مشروع مسبار الأمل “، لافتاً سموه بأن “مسبار الأمل أجمل إنجاز نهديه لشعب الإمارات بمناسبة الذكرى الخمسين لقيام اتحادنا الغالي”.
وأضاف سموه: “الرحلة التي خاضها 200 مهندس ومهندسة من كفاءاتنا الوطنية في تصميم وبناء وإطلاق مسبار الإمارات للمريخ جزء من رحلة الإمارات نحو المستقبل”، متوجهاً سموه للفريق بالقول: “ملايين العرب الذين تابعوا معنا رحلة مسبار الأمل إلى المريخ عاشوا لحظة فخر وانتماء.. وهم يشاهدون أملاً عربياً يحمل اسما عربياً.. يصل إلى أبعد نقطة في الكون”.
وختم صاحب السمو قائلاً: “اليوم لدينا أبطال حقيقيون من الكوادر العلمية الوطنية سيدفعون مسيرة الوطن نحو المزيد من التفوق والتميز والارتقاء”.
كما قال سموه ” شعب الإمارات متواضع ومثابر.. أرجله في الأرض ولكن طموحاته في السماء”.
الهدف صنع إنسان
من جانبه، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان: “فريق “مسبار الأمل” هم غرس طيب في هذه الأرض المعطاء.. عملوا واجتهدوا.. واليوم الوطن يقطف ثمار هذا الغرس”.
وأكد سموه بأن: “أبناء زايد وبناته رفعوا رؤوسنا عالياً.. ورفعوا راية الإمارات إلى أعمق نقطة في الفضاء.. وكتبوا اسم الوطن الغالي في سجلات التاريخ بحروف من نور”، مشيراً سموه بالقول: “لم يكن هدفنا أن نصل إلى المريخ وإنما أن نعدّ إنساناً متسلحاً بالعلم والمعرفة والإيمان.. وبناء ثروة بشرية قادرة على أن توصل الإمارات إلى القمة”.
ولفت سموه إلى أن “نجاح فريق “مسبار الأمل” رفع سقف طموحات الأجيال المقبلة.. ودولة الإمارات بعزيمة أبنائها وهمتهم قادرة على مواصلة تحقيق إنجازات أكبر”.
وذكر سموه: “نبدأ رحلة الخمسين عاماً المقبلة بانطلاقة قوية.. هناك مشاريع ضخمة مقبلة.. وأمامنا مهمة تأهيل الكفاءات والخبرات الوطنية لقيادة المستقبل”، موضحاً سموه بأن “إمارات المستقبل ستسهم بشكل أساسي في قيادة مسيرة النهضة العلمية والمعرفية عربياً.. ومؤسساتنا العلمية تفتح أبوابها للشباب العربي كي يكونوا جزءاً من المسيرة”.
وقال سموه خلال اللقاء ” فرحتنا كبيرة يا أبنائي.. ولقاؤنا اليوم يختلف فهو يأتي بعد أن حققتم الأمل الذي كان يتمناه الجميع.. نفتخر بكم لأنكم رفعتم اسم بلدكم وأهلكم ومنطقتكم والعرب جميعاً من خلال البشارة الجميلة التي بشرتم بها العالم).
وقال سموه ” إن منهاج تعليم أبنائكم وأحفادكم اليوم في الإمارات سيختلف عن تعليمنا في السابق لأن المواضيع والقصص ستكون مختلفة.. فقد صنعتم تاريخاً جديدا لبلدكم وأبنائكم وأمتكم وقصصاً جميلة سنرويها لأبنائنا وأحفادنا وأهلنا.. من خلال تحقيق الأمل الذي كانت تحلم بالوصول إليه الكثير من الأمم والدول.. النجاح من المرة الأولى والتجربة الأولى وبسرعة وجهود جبارة فكانت النتيجة مشرفة”.
وحضر الاستقبال سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ولي عهد دبي رئيس مركز محمد بن راشد للفضاء، وسمو الشيخ سيف بن زايد آل نهيان وزير الداخلية وسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان وزير شؤون الرئاسة وعدد من الوزراء والمسؤولين.
رحلة المسبار والإنجاز التاريخي
وكان التاسع من فبراير 2021 قد دخل روزنامة الإنجازات الكبرى في سجل الإمارات والوطن العربي، مع وصول “مسبار الأمل” إلى المريخ ودخول مداره بنجاح، تمهيداً لبدء مهمته العلمية غير المسبوقة في رصد مناخ المريخ وتقديم صورة هي الأشمل من نوعها في تاريخ البعثات المريخية السابقة.
وقد تابع الملايين في الإمارات والعالم الحدث العلمي الأبرز في تاريخ الأمة العربية، مع تصاعد وتيرة الترقب والإثارة في الدقائق الأخيرة ما قبل وصول المسار إلى مدار الالتقاط حول الكوكب الأحمر، وسط تغطية إعلامية كبرى تم نقلها من محيط برج خليفة، أعلى صرح في العام من صنع الإنسان، إلى كل أنحاء العالم عبر مختلف محطات التلفزة المحلية والإقليمية، وعبر مختلف منصات التواصل الاجتماعي. وقد اكتسى برج خليفة والعديد من المعالم المعمارية والتاريخية في الدولة وعدد من دول العربية باللون الأحمر، الذي يميز تضاريس المريخ.
وشهدت الفعالية استعراض رحلة مسبار الأمل منذ أن كان فكرة طرحت في الخلوة الوزارية في العام 2013، قبل أن يتم اعتماد المشروع باعتباره إنجازاً علمياً يلخص المسيرة التنموية للإمارات خلال خمسين عاماً من تأسيسها، مروراً بتأهيل وإعداد كفاءات علمية إماراتية نجحت خلال ست سنوات في تصميم وتطوير وبناء مسبار الأمل، ضمن شراكة معرفية مع عدة مؤسسات علمية وأكاديمية عالمية، ليتم تصميم وبناء المسبار خلال ست سنوات، ضمن فترة قياسية، مقارنة بمشاريع عالمية مشابهة، وبكلفة تعد الأقل من نوعها قياسا بمشروع بمثل هذا الحجم.
وكانت اللحظات الحاسمة والحرجة لمرحلة دخول مسبار الأمل إلى مدار الالتقاط حول المريخ قد بدأت عند الساعة 7:30 من مساء الثلاثاء، 9 فبراير 2021، بتوقيت الإمارات، مع قيام المسبار بتشغيل محركاته الستة للدفع العكسي ذاتياً، وذلك تبعاً لعمليات البرمجة التي كان فريق العمل قد أجراها مسبقاً قبل إطلاقه، حيث أبطأ المسبار سرعته من 121 ألف كيلومتر إلى 18 ألف كيلومتر في الساعة، في عملية استغرقت 27 دقيقة، مستخدماً في الأثناء نصف ما يحمله من وقود. وقد انتهت عملية حرق الوقود عند الساعة 7:57 مساء ليدخل المسبار بأمان إلى مدار الالتقاط. وعند الساعة 8:08 مساءً تلقت المحطة الأرضية في الخوانيج بدبي إشارة من المسبار بنجاح دخوله مدار المريخ، لتدخل دولة الإمارات تاريخ البعثات المريخية كأول دولة عربية وإسلامية وخامس دولة في العالم تنجح في الوصول للكوكب الأحمر.
وحتى اللحظة، يكون مسبار الأمل قد أنجز أربع مراحل رئيسة في رحلته إلى المريخ، التي امتدت نحو سبعة شهور قطع خلالها أكثر من 493 مليون كيلومتر، وذلك منذ إطلاقه في 20 يوليو الماضي من مركز تانيغاشيما الفضائي في اليابان، وهي: مرحلة الإطلاق، ومرحلة العمليات المبكرة، ومرحلة الملاحة في الفضاء، ومرحلة الدخول إلى المدار. ويتبقى أمامه مرحلتان هما: الانتقال إلى المدار العلمي، والمرحلة العلمية، التي يبدأ فيها مهمته كأول مرصد جوي للكوكب الأحمر يوفر صورة عن ظروفه المناخية هي الأشمل من نوعها.
وخلال الأسابيع القليلة المقبلة، سيكون الفريق في محطة التحكم الأرضي، في مركز محمد بن راشد للفضاء، في الخوانيج بدبي على تواصل دائم مع المسبار على مدار 24 ساعة يومياً، علماً بأن المسبار سيكون قادراً أثناء هذه المرحلة من التقاط أول صورة للمريخ خلال أسبوع من وصوله بنجاح إلى مدار الالتقاط.
وبعد التأكد من كفاءة المسبار وأنظمته الفرعية وأجهزته العلمية، سيقوم الفريق ببدء تنفيذ المرحلة الخامسة من رحلة المسبار وهي الانتقال إلى المدار العلمي، من خلال مجموعة عمليات لتوجيه مساره لنقله بأمان إلى هذا المدار ، يتم خلالها إجراء عمليات معايرة شاملة لأنظمة المسبار، قد تمتد إلى 45 يوماً، ومن ثم تبدأ المرحلة الأخيرة في رحلة المسبار وهي المرحلة العلمية المخطط لها أن تبدأ في شهر أبريل المقبل، حيث سيقوم مسبار الأمل بتوفير أول صورة كاملة عن مناخ المريخ والظروف الجوية على سطحه على مدار اليوم وبين فصول السنة.
وسوف تستمر مهمة المسبار سنة مريخية كاملة، وهو ما يعادل687 يوماً أرضياً، بحيث تمتد حتى أبريل 2023، لضمان قيام الأجهزة العلمية الثلاثة التي يحملها المسبار على متنه برصد كل البيانات العلمية المطلوبة حول مناخ المريخ، وقد تمتد مهمة المسبار سنة مريخية أخرى، إذا استدعى الأمر ذلك، لجمع المزيد من البيانات وكشف المزيد من الأسرار عن الكوكب الأحمر.
وسوف يتم مشاركة هذه البيانات مع المجتمع العلمي في العالم، كما ستستفيد مختلف المؤسسات الأكاديمية والجامعية في دولة الإمارات من هذه الثروة المعلوماتية لتمكين المزيد من الكفاءات الإماراتية الشابة في قطاعات الفضاء.