هل هناك من يفهم تمسك سفّاح سوريا بشار الوحش بالسلطة والكرسي والنهب والقتل، رغم مرور حوالي عام ونصف على ثورة الشعب السوري ضد حكمه العائلي الاستبدادي السارق لكرامة وحقوق وثروة الشعب السوري بكامله، ما عدا حاشيته من الشبيحة والمرتزقة والعائلة المخلوفية؟. يستقيل الوزير أو رئيس الوزراء في الدول الغربية الديمقراطية إذا ما ارتكب خطأ بحق شعبه حتى وإن كان الخطأ غير مقصود. ومقارنة بهذا السفّاح المجرم وأعماله الإجرامية التي أوقعت حتى الآن ما يزيد على ثلاثة وعشرين ألف قتيل سوري، وعشرات ألاف المعتقلين والمفقودين، يكون المستبد زين العابدين بن على طاغية تونس لديه نسبة من الأخلاق والتحضر، فقد غادر تونس هاربا بعد مرور ثمانية وثلاثين يوما بالضبط منذ اندلاع الثورة التونسية في الثامن عشر من ديسمبر 2010 ، ولم يرتكب نظامه أو الجيش التونسي أية عمليات قتل للمدنيين أو اقتحام للقرى والمدن والمؤسسات التونسية، مما أعطى دلالة مؤكدة على رقي وانسانية قادة هذا الجيش الذين لو تآمر وتواطأ بعض ضباطه مع الرئيس الهارب، كما يتآمر ويتواطأ الآن ضباط سوريون مع السفّاح لقتلوا ألافا من التونسيين، كما يحصل في سوريا المنكوبة بهذا الوحش ووالده منذ 42 عاما فقط.
وكذلك الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك مقارنة بهذا الوحش السوري ، لديه أيضا نسبة من الخلق والتفهم لرفض الشعب المصري بقاءه في السلطة بعد استبداد وديكتاتورية طالت لمدة ثلاثين عاما، ورغم ذلك فالمصريون الذين قتلهم شبيحته نسبة لا تذكر قياسا بجرائم سفّاح سوريا، ورغم ذلك تنحى حسني مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011 ، أي بعد ستة عشر يوما فقط من اندلاع الثورة المصرية ضد نظامه في الخامس والعشرين من يناير 2011 ، وأيضا لو تآمر ضباط الجيش المصري معه، لاستمر في السلطة يقمع ويقتل. وقد تمّ تقديمه للمحاكمة العلنية بتهمة قتل المتظاهرين، وكان أول رئيس عربي يقدّم للمحاكمة، وقد حكم عليه في الثاني من يونيو 2012 بالسجن المؤبد. وقد أثبت الجيش المصري أيضا رقي سلوكه وأخلاقية ضباطه، إذ أوفى المشير حسين طنطاوي بوعده، وسلّم السلطة للرئيس المصري المنتخب شعبيا الدكتور محمد مرسي. وأخيرا قبل أيام أحال الرئيس المشير طنطاوي للتقاعد، فتقبل الأمر بهدوء ورضى، بعكس الضباط البعثيين في سوريا الذين من الصعب تعداد عدد انقلاباتهم العسكرية، وعدد من قتلوا من زملائهم البعثيين، وهاهو آخرهم المقبور المجحوم حافظ الوحش، يورث السلطة لنجله السفّاح السائر على خطى والده حرفيا.
رياض حجاب الضربة القاصمة للسفّاح
وقد كان انشقاق رئيس الوزراء السوري رياض حجاب ضربة قاصمة لظهر الوحش وشبيحته العسكريين والإعلاميين والمخابراتيين. فقد كان يحظى بثقة الوحش المطلقة بدليل تكليفه بتشكيل الوزارة الجديدة في السادس من يونيو 2012 ، وبعد مضي شهرين بالضبط تيقن أنّ هذا الوحش لا ضمير ولا خلق عنده، ولا يستمع إلى نصائح غالبية قادة العالم الذين يطالبونه بوقف القتل والمجازر والتنحي عن السلطة، عندئذ لم يقبل ضمير رياض حجاب أن يستمر غطاءا لهذه الجرائم بصفته رئيس الوزراء، وهذا يعني أن كل ما يجري في الأرض السورية يتم بعلمه وأوامره، لذلك انشق عن الوحش ونظامه في السادس من أغسطس 2012 أي بعد مرور شهرين فقط على تعيينه رئيسا للوزراء لاجئا إلى الأردن الذي يستضيف ما لا يقلّ عن مائة وأربعين ألف لاجىء سوري، مما يعني أن المنصب لم يجعله يتعامى عما يلحقه السفّاح بالشعب السوري.
أهم ما كشفه الوطني رياض حجاب،
في مؤتمره الصحفي الذي عقده في العاصمة الأردنية عمّان يوم الاثنين الثالث عشر من أغسطس الحالي مسألتين مهمتين هما:
1 . ” أؤكد لكم بحكم خبرتي وموقعي الذي كنت أشغله، أنّ النظام بات منهارا معنويا وماديا واقتصاديا ومتصدعا عسكريا، حيث لم يعد مسيطرا بالفعل على أكثر من ثلاثين بالمائة من أرض سوريا”. والدليل على هذا التأكيد هو استمرار انشقاق الدبلوماسيين والعسكريين السوريين من مختلف الرتب، وصمود الجيش السوري الحر وتطور قدراته العسكرية، بدليل اسقاطه طائرة ميج أرسلها الوحش لقصف مدينة دير الزور، وتمّ اعتقال قائدها العقيد الطيار الركن محمد سليمان وهو من سكان مدينة حمص.
2 . ” أؤكد لكم عدم رغبتي في تقلد أي موقع أو منصب سواء كان في الوقت الراهن أو في المستقبل في سوريا المحررة”. وهذا دليل على أنّ انشقاقه عن نظام الوحش كان لدواع أخلاقية ترفض قتل شعبه وليس ركضا وراء منصب أو شهرة. بل كما وصف انشقاقه بأنّه من أجل ” مرضاة الله وانصاف شعبي”.
ويستمر تصاعد الغضب العربي والإسلامي والعالمي،
بدليل تعليق منظمة التعاون الإسلامي يوم الاثنين الثالث عشر من أغسطس الحالي بأغلبية مطلقة عضوية نظام الوحش في المنظمة كما أعلن الأمين العام للمنظمة أكمل الدين إحسان أوغلو، أثناء انعقاد مؤتمرها في مدينة مكة المكرّمة، وتأكيد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بوضوح تام أن النظام الوحشي يستعمل سياسة الأرض المحروقة معتبرا أنّ العنف الذي يدمي سوريا هو نتيجة لتجاهل النظام مطالب شعبه. كما أصبح من المؤكد أنّ هناك دول عدة تقدم مساعدات عسكرية وأجهزة اتصالات ورصد متطورة وأشكال أخرى من الدعم اللوجيستي للجيش السوري الحر. وكان اقتحام سفارة الوحش في السويد يوم الثلاثاء الرابع عشر من أغسطس له دلالة خاصة، لأنّ الاقتحام كان من قبل المعارضين السوريين المسيحيين، وكما صرّح جورج شمعون في اتصال مع مراسل إيلاف من أمام مبنى السفارة (إنّ الهدف من اقتحام السفارة هو ابراز دور الشعب السرياني في الثورة)، وبالتالي فهي ثورة الشعب السوري بكل طوائفه ودياناته، فلا تقبل أية ديانة هذه الجرائم التي ترقى فعلا لمستوى الإبادة الجماعية المتعمدة بتخطيط مسبق من الوحش وعصاباته.
لذلك فكافة الدلائل على الأرض السورية الصامدة تشير إلى قرب نهاية نظام الوحش، وسيلاقي مصيرا يليق بجرائمه التي غطّت كافة القرى والمدن السورية. وإذا كان هذا الوحش عديم الضمير والخلق، فكيف يقبل المطبلين والمصفقين له من العرب تحديدا السكوت على هذه الجرائم، وهل يقبلون ارتكابها بحق شعوبهم؟.
www.drabumatar.com