12:44 صباحًا / 23 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

انتخابات “الخداع والحصص” بقلم : علي الصراف

انتخابات “الخداع والحصص” بقلم : علي الصراف

ما من شك في أن حركتي حماس وفتح الفلسطينيتين تنطلقان من منظومتين مختلفتين للمفاهيم والسياسات.

وسواء صدّق المرء أم لم يصدّق حقيقة تلك المفاهيم، فإنها هي المتداول على أي حال. وهي التي تُستعرض على أساسها الخيارات المعلنة. وبحكم أن الخطاب الشعاراتي هو السائد، بكل ما يعنيه من عنتريات زائفة، فإن الحديث عن منظومة مفاهيم، لا يزال هو نفسه يتطلب التدقيق.

في جميع الأحوال، فإذا شاء المرء أن يأخذ الأمور كما تبدو في الظاهر فإنه سيواجه مشكلة، وإذا شاء أن يستبطن الباطن وما لا يقال في العلن، فإنه سيواجه مشكلة أكبر. فإذا قلت إنهم مختلفون، فهذا سوف يجعل من فكرة “إقامة حكومة وحدة وطنية” فضيحة لكل منظومة الاختلاف العقائدي والسياسي، ولكل ما يتعلق بها من شعارات وخطابات ومزاعم، وإذا قلت إنهم متشابهون، فإن الانقسام نفسه سوف يبدو فضيحة أيضا، وذلك فوق فضيحة الخطاب السياسي الذي جر على الفلسطينيين عذابات وخسائر دامت نحو عقد ونصف من الزمن، وهو ما يعني أنه ما كان لها من مبرر. وبحكم أنها كلفت الكثير، بمن فيهم الكثير من الضحايا الذين سقطوا بالاقتتال، فإن دماءهم لا بد لها أن تسأل: لماذا؟ وهل يجوز للدماء أن تسفك هدرا؟

ولكن هات من يعطيك الجواب. طبعا، “الوحدة الوطنية” المزمعة، ليست إلا غطاء مهلهلا لغايات أخرى. إنها ليلى التي يدّعي الكلُ وصلا بها، بينما يقصد في الواقع سواها.

التصور الأول، هو أن الطرفين اتفقا على أنهما لم يتفقا، وقررا الذهاب إلى الناخبين ليحكموا في الأمر ويختاروا سبيلا دون آخر. والتصور الثاني، هو أنهما اتفقا على ما اتفقا، وقررا الذهاب إلى الناخبين، ولكنهما لم يقولا لهم على ماذا اتفقا.

إذا كانت المسألة هي مسألة خيارات سياسية واستراتيجية، فإنها يجب أن تكون واضحة ومعلنة قبل الانتخابات. وإلا فإن الانتخابات نفسها تصبح مزورة من قبل أن تبدأ، لأنها ستكون قد قامت على خداع عام ومشترك. باع كل طرف فيها شعاراته وعنترياته، لكي يحصد على أساسها ما يحصد، قبل أن يكشف عن خيارات أخرى فيما بعد.

لو كانت هناك استراتيجية مختلفة، فإنها يجب أن تكون معلنة، ولو كانت هناك استراتيجية مشتركة فإنها يجب أن تكون معلنة أيضا، المبدأ من الانتخابات هو هذا أصلا. أي أن تقدم لناخبيك حزمة واضحة من الخطط والأعمال والسياسات، وتقول لهم إنك تريد أن تتولى السلطة من أجل المضي بها قدما.

حتى الساعة، لا يوجد ما يشير إلى أن طرفي الانقسام الفلسطيني سيعرضان خياراتهما المختلفة، ولا وانقسامهما نفسه، ليحتكما إلى إرادة الناخبين. وحتى الساعة، فإنهما لم يقولا على نحو قاطع ما إذا كانا سوف ينتهيان إلى إقامة “حكومة وحدة وطنية” أم لا، أو ما هي الأسس التي ستقوم عليها تلك “الوحدة”، أو ما هو المشروع الذي من المزمع المضي فيه، أو ما هي خياراتهما المشتركة. وحتى الساعة لم يقولا إن سلطة ما بعد الانتخابات ستكون موحدة كائنا من كان الفائز أو الخاسر فيها، أو كيف سوف ينظمان آليات عمل “الحكم والمعارضة”، إذا كانا سوف يبقيان طرفين مختلفين.

وإذا كانت “حكومة الوحدة الوطنية” هي المقصود، فلماذا لا تقام الآن، لينتهي الانقسام فورا، ويخوضا الانتخابات معا كقوة مشتركة، على أساس برنامج مشترك؟ وساعتها سوف يكون من حق الناخبين الفلسطينيين أن ينتخبوا حكما (مؤلفا من قوتين) ومعارضة، أما أن تخوضها على أساس الخداع المشترك، لتنتهي منه إلى سلطة مشتركة، فهذا سلوك رخيص ومبتذل.

الفلسطينيون ليسوا سذجا، ومن يحاول خداعهم بسياسات تقول شيئا وتفعل آخر، هو الساذج قطعا، والذين يراهنون على استغباء شعبهم لا يخدمون إلا غباءهم الخاص. والشعارات الكاذبة والعنتريات الزائفة لم تعد مما ينفع، وما لم تذهب الأطراف المختلفة إلى انتخابات لتعرض خيارات وخططا وسياسات مختلفة، فإن الخداع سوف يدفع الغالبية العظمى من الفلسطينيين إلى مقاطعتها ومقاطعتهم معها.

لقد قاطع الفلسطينيون دعوات الفصائل إلى القيام بتظاهرات في سبتمبر الماضي، فلم يخرج أحد، وكانت تلك المقاطعة مؤشرا أوليا، ولو كان لدى أصحاب القرار بقية إدراك، لأدركوا كم أنها كانت دليلا على فشلهم وعزلتهم وانفصالهم عن شعبهم وعن الواقع معا.

اختر ما شئت، ولكن، كن حقيقيا، وكن صادقا، يسمعك الناس، ويكون لك مكان في نفوسهم، لأنك إذ تعبر عما يختلج في بعض الصدور على الأقل، فإن الحقيقة التي تستند إليها سوف تنجلي لتكشف عن قيمة خاصة بها على الأرض، وفي مقاعد البرلمان. الأقلية اليوم يمكن أن تصبح أكثرية غدا، والعكس بالعكس، أما أن يتحول الخداع إلى سياسة، والسياسة إلى خداع، فذلك لن يقدم خدمة لا للناس ولا للمخادعين أنفسهم.

السؤال الجدير بالاعتبار هو: على ماذا سوف تُجرى الانتخابات؟ ومن أجل المضي في أي طريق؟

فتح وحماس، يتعين أن تقدما جوابا واضحا قبل الانتخابات، ولو كان للصدق بقية، فإنهما يتعين أن تتمسكا به، لا أن تتساوما عليه من أجل “وحدة وطنية” زائفة لتقاسم الحصص. من يريد حصصا، فليتقاسمها الآن، بلا انتخابات وبلا خداع وبلا صداع.

شاهد أيضاً

الصحفي حسن أبو قفة

استشهاد الصحفي حسن أبو قفة في قصف إسرائيلي على النصيرات وسط قطاع غزة

شفا – استشهد، مساء اليوم الجمعة، الصحفي الفلسطيني حسن أبو قفة ونجله عماد بعد غارة …