روسيا وتركيا.. و«شعرة معاوية» بقلم : حسين الشيخ
ما بين الشِّدّة واللين تتأرجح العلاقات الروسيّة ـ التركيّة، فلا هي وصلت التحالف الاستراتيجيِّ ولا انحدرت لقاعِ الخلاف الكبير؛ إنما بقيت بينَ بينٍ، خاصةً مع التطوّرات في العَقدِ الأخير، وتحديداً في الملفِّ السوريِّ الذي تقف فيه العاصمتان على طرَفَي نقيضٍ.
موسكو تدعم الحكومةَ السوريَّةَ بثقلها السياسيِّ والعسكريِّ، وأنقرة تزجُّ بمزيدٍ من المسلَّحين لضربِ القوّات الروسيّة والسوريَّةِ في آنٍ؛ ومع ذلك استطاع الرئيسان الروسيّ «فلاديمير بوتين» والتركي «رجب طيّب أردوغان» حتّى هذه اللحظة تجنيب بلدَيهما مواجهةً مباشرةً كادتْ أنْ تحصلَ أكثر من مرّةٍ نتيجةَ الحربِ السوريّة المندلعة منذ 10 سنواتٍ.
كثيرةٌ هي الأحداث المضطربةُ بين البلدينِ منذ تَصَدُّرِهمَا الملفَّ السوريّ، ورغم أنّهما دولتان ضامنتان لاتفاقيّات «أستانا» بين طرَفَي النزاعِ، لكنهما لا تشتركان في استراتيجيّة مستقبليّةٍ واضحةٍ؛ لذلك بقيت الاتفاقياتِ هشّةً وبدونِ تطبيقٍ كاملٍ؛ لانعدامِ الثقة بينهما من جهةٍ، وبين حلفائهما على الأرض من جهةٍ أخرى، فالعلاقةِ ليست استراتيجيّة، وإنّما هي تحالفُ الضَّرورةِ الذي لن يدومَ طويلاً لسببين اثنين:
الأولُ: يكمنُ في قناعة الرُّوسِ بأنّ حزب العدالة الحاكم مُتلوّنٌ، وهذا ما تثبته تصريحاتُ الرئيس التركي وأفعاله، فالرّجل خلال السنوات الأخيرة تبدَّلَ غيرَ مرّةٍ، ممّا يعطي انطباعاً للسَّاسّة الروس بأنّه مهما ساءتِ العلاقة بين تركيا والولايات المتحدّة وحاول «أردوغان» سد الفراغ الأمريكي بالروسي تبقى مناوراتٍ لكسبِ المزيد من «واشنطن»، لذلك لم يُعطَ من «موسكو» أكثر ممّا يستحقُّ لا في الملف السوريّ ولا في غيره؛ إدراكاً من «بوتين» بأنّ استدارةَ «أردوغان» نحو الحليف الأمريكي ليست ببعيدةٍ.
الثاني: العقليّة التي يحكمُ بها «أردوغان» بلادَه تتنافَى ومنهجيّةَ «بوتين»، الذي يحاول قدرَ استطاعته الدّفعَ ببلاده بعيداً عن العناصرِ المتطرّفة التي تهدّدُ نظامَه، خاصَّةً وأنّه صاحبُ تجربةٍ سابقةٍ بحربه الطويلة في «الشيشان» حينَ كانت العناصر المؤدلجة تأتي لتحاربَ الجيشَ الرّوسيَّ من كلّ حدبٍ وصوبٍ، لذلك يُسخّر «بوتين» ماكينته السياسيّة والعسكريّة لضربِ كلّ الأيادي التي ترى فيها «موسكو» تهديداً لها، وهذا على عكس منهجيّة الرئيس التركي الذي تُجاهرُ مخابراته بدعمِ العناصر المتطرّفة كالُّنصرَةِ وشقيقاتها في الداخل السوري، وفي ليبيا مؤخّراً، لذلك لا يمكنُ أنْ تكونَ العلاقةُ بينَ الطرفين علاقةً استراتيجيّةً لاختلاف الأهدافِ والرؤى والسلوك، وستبقى كشعرَةِ معاوية؛ إنْ مدّها الروس خَلَّاها الأتراكُ والعكسُ صحيحٌ.