منذ بواكير الأحداث في سورية وأمريكا تدق طبول الحرب ضد النظام السوري حتى ليظن البعض أن واشنطن ستملأ بوارجها وأساطيلها البحرية مياه المتوسط، وأن طائراتها من شبح وإفات 14 و15 و16 ستغطي سماء سورية لدك معاقل النظام السوري الباغي الذي يقتل المئات يومياً ويدك المدن ويدمر الأحياء ويرتكب المجازر في طول البلاد وعرضها انتصاراً للشعب السوري المظلوم الذي يستقبل كل هذه الحمم بصدور أبنائه العارية!!
نعم دقت أمريكا طبول الحرب وفي ظاهرها انتصاراً للشعب السوري المذبوح من الوريد إلى الوريد وفي حقيقتها تحريض النظام السوري على ارتكاب المزيد من عمليات القتل وسفك الدماء وارتكاب المجازر وتدمير المدن والمؤسسات والبنية التحتية وفكفكة الدولة السورية وتمزيق نسيجها المجتمعي!!
أكثر من سنة ونصف وسكين الجزار لا تكل ولا تمل من ذبح السوريين من أطفال ونساء وشيوخ وشباب، ومعول التخريب والتدمير يفعل فعله في فكفكة الدولة السورية وتهديم بنائها، ولا فعل لأمريكا إلا إصدار بيانات التنديد والشجب والوعيد، التي يجد فيها النظام السوري المسوغ لارتكاب المزيد من الجرائم، وهو النظام الممانع في نظر حلفائه في قم والضاحية الجنوبية والنجف وموسكو، ولابد من استئصال الشعب السوري الحاضن لعملاء أمريكا المندسين في أحياء حمص والرستن وتلبيسة وحماة واللطامنة ودير الزور والقورية وإدلب وحلب ودوما وجوبر والزبداني وجبل الأكراد واللاذقية وبانياس والحفة وتل رفعت ودارة عزة ومارع وعندان وجبل الزاوية، دون أن يغفل عن قنص كل ما يتحرك من إنسان وشجر وحجر وحيوان في طول البلاد وعرضها، حتى وصل عدد الشهداء إلى ما يزيد على 22 ألف، والجرحى إلى 60 ألف، والمفقودين إلى مئة ألف، والمعتقلين إلى مئتي ألف، والنازحين إلى ثلاثة ملايين، والمهجرين إلى 300 ألف، وهذا كل ما قدمته لنا بيانات وتصريحات البيت الأبيض والخارجية الأمريكية، والزيارات المكوكية للوزيرة الحسناء كلينتون إلى معظم عواصم العالم!!
لقد بحت أصوات العديد من أعضاء الكونجرس الأمريكي المطالبة من ساكن البيت الأبيض أن تتحرك أمريكا بقوة لإنقاذ الشعب السوري ووقف نزيف دمه، من منطلق أخلاقي وقيمي نصت عليها بنود الدستور الأمريكي عند إعلان استقلالها، وقد ذاق الشعب الأمريكي ما ذاق من مرارات وعذابات وحروب أهلية لنيل استقلاله وبناء دولته المدنية الديمقراطية، ومن حق الشعوب المقهورة والمظلومة على أمريكا، وهي الدولة الأقوى والأعظم في العالم، أن تخف لنجدة الشعوب المقهورة والمظلومة والمضطهدة كما نصت على ذلك فقرات دستورها العتيد.
ولكن أسمر القصر البيضاوي لم تحركه كل هذه المناشدات فأمن إسرائيل وسلامتها أعز من كل هذه الشلالات من الدماء، فإسرائيل بعد أن تيقنت من فقدان حامي حدودها الشمالية تريد من أمريكا أن تدع سفاح دمشق يوغل في دم السوريين وتريده أن يوغل في نقض بنيان الدولة السورية إلى أقصى مدى، حتى إذا ما رحل حامي حدودها لم يجد السوريين أمامهم إلا الانكفاء لبناء الدولة السورية وإعادة اللحمة إلى مكونات المجتمع السوري الذي سيأخذ منهم عقود طويلة من الزمن بعيداً عن التفكير في تحرير الجولان المحتل أو تقديم أي دعم للمقاومة الفلسطينية!!
وكان آخر الأصوات المنادية بدعم الثورة السورية ما أعلنه كل من “جون ماكين، وجوزيف ليبرمان، وليندسي غراهام، أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، كما نقلت عنهم جريدة “الواشنطن بوست” الأمريكية يوم الاثنين 6 آب الحالي، مع تصاعد عمليات المقاومة الباسلة لكتائب الجيش السوري الحر ضد مواقع ومراكز ومواقع جيش النظام ورجال أمنه وشبيحته، وقد تمكن هؤلاء من تحرير مناطق واسعة ومدن وبلدات وقرى كثيرة، تمتد لمساحات واسعة في شمال سورية وشرقها وغربها بما تملكه من أسلحة خفيفة مقارنة بالترسانة الجهنمية التي يملكها النظام الفاشي، ولم يعد ينقص هؤلاء الثوار إلا الغطاء الجوي لمنع النظام من استعمال طائراته الحربية، التي تدك المدن والأحياء والبيوت على رؤوس ساكنيها مخلفة مئات القتلى والجرحى والنازحين والمهجرين يومياً، دون وجود أي سلاح بأيديهم يمكنهم من التصدي لهذه الأشباح القاتلة المدمرة، وقد تمكنت كتائب الثوار من تحييد آليات جيش النظام ومدرعاته بعد أن امتلكت القليل من الأسلحة المقاومة للدروع.
ويقول هؤلاء فيما نقلته عنهم الواشنطن بوست: “لسوء الحظ, وبينما تتنامى قدرات مقاتلي المعارضة داخل البلاد, فإن نظام بشار الأسد بعيد كل البعد عن نهايته وهو يطلق العنان الآن لعنف أكثر إجراما حتى ضد المدنيين, مستخدما الدبابات والمدفعية والهليوكبتر والمسلحين والقناصين ولأول مرة الطائرات المقاتلة”.
ويضيف هؤلاء ” إن كلاً من إيران وحزب الله يدعمان هذا الهجوم بدعم مادي كبير بسبب أن قادتها يدركون أن سقوط الأسد سوف يكون بمثابة ضربة قاضية لهم. في هذه الأثناء فإن كلا من روسيا والصين, مستمرتان في تقديم الغطاء الدبلوماسي لوحشية الأسد”.
ويأمل هؤلاء كما يقولون في “ان يحقق المتمردون – بحسب وصفهم للثائرين – الانتصار في النهاية, ولكن يبقى أن هذا القتال غير متكافئ ووحشي, كما أن سرعة وأسلوب تحقيق النصر أمر في غاية الأهمية. إن جميع الأدلة توحي بأنه وبدلاً من تسليم السلطة بشكل سلمي – كما جاء في مبادرة مجلس الأمن والجامعة العربية التي قادها عنان – فإن الأسد وحلفائه سوف يقاتلون حتى النهاية المريرة, وهو ما سيمزق البلاد في هذه العملية”.
ويؤكد هؤلاء قائلين: “إن عدم انخراط أمريكا في هذا الصراع يحمل تكاليف متزايدة, وذلك بالنسبة للشعب السوري ولمصالح الولايات المتحدة، بسبب أننا رفضنا تزويد المتمردين بالمساعدات التي يمكن أن تؤدي إلى توازن القوى العسكرية بشكل حاسم ضد الأسد, فإن الولايات المتحدة أصبحت ترى على امتداد الشرق الأوسط على أنها صامتة على نهج القتل والذبح المستمر للمدنيين العرب والمسلمين. إن رفض القيادة سوف يوقعنا بما وقعنا به عند حدوث المذابح في التوتسي في رواندا، وبالتالي ستطارد أمتنا بالعار لسنوات قادمة”.
ويتخوف هؤلاء على مصالح أمريكا في سورية ما بعد سقوط الأسد وانهيار نظامه قائلين: “إن افتقارنا إلى التدخل النشط على الأرض في سوريا يعني أيضا أنه عندما يسقط نظام الأسد في النهاية, فإن الشعب السوري سوف يشعر بالقليل من الود تجاه الولايات المتحدة, وذلك على عكس ما جرى في ليبيا, حيث أن شعور الليبيين بالامتنان للمساعدة الأمريكية في الحرب ضد معمر القذافي أدى إلى فتح فصل جديد مشرق في العلاقات ما بين البلدين”.
ويعترف هؤلاء بما تمثله سورية من مصالح للولايات المتحدة، وهي أكثر بكثير من مصالحها في ليبيا قائلين: “إن للولايات المتحدة مصالح قومية على المحك في سوريا. وهذه المصالح تتضمن منع استخدام أو نقل مخزون السلاح الكيماوي و البيولوجي الكبير لدى النظام – وهو ما يمثل خطورة متزايدة – والتأكد من أن القاعدة وفروعها العنيفة غير قادرة على تأمين موطئ قدم جديد في قلب الشرق الأوسط. إن قراراتنا وإجراءاتنا كانت غير كافية البتة لحماية هذه المصالح وغيرها”.
ويقر هؤلاء بأن تردد الولايات المتحدة في التدخل في سورية “أولاً وقبل كل شئ سوف يسمح لهذا الصراع أن يطول ويصبح أكثر دموية, وأن يأخذ ديناميكية متطرفة. على نقيض الانتقادات التي تقول بأن دوراً أكبر للولايات المتحدة في سوريا يمكن أن يعزز من وجود القاعدة, فإن الافتقار إلى مساعدة قوية من قبل الولايات المتحدة للمقاتلين داخل البلاد سوف يترك المجال أمام المتطرفين هناك”.
ويختم هؤلاء بالقول: “إن الوقت لم يفت الآن أمام الولايات المتحدة لعكس هذا الأمر. أولاً, يمكننا وعلينا أن نقدم مساعدة مباشرة ومفتوحة وقوية للمعارضة المسلحة بما فيه السلاح والمعلومات الاستخبارية والتدريب. مهما كانت المخاطر التي يمكن أن تنتج عن هذا العمل, فإنها لن تكون أكبر من المخاطر في الاستمرار في الجلوس مكتوفي الأيدي على أمل تحقيق الأفضل”.
ولا أعرف إن كانت طبول الحرب هذه التي يقرعها هؤلاء على النظام السوري ستدفع البيت البيضاوي إلى التنبه لما يخوفون منه هؤلاء الساسة، ويقوم بتقديم الدعم للثوار ليتمكنوا من حسم المعركة لصالح الشعب السوري ويوقفوا شلالات الدماء المسفوحة من أجساد أبنائه، ووقف معاول النظام التي تعمد إلى تدمير الدولة السورية وتخريب بنيانها، أم أننا سنجد كلاماً فارغاً لا مضمون له من بيانات الشجب والاستنكار كما عودتنا واشنطن منذ أكثر من سنة ونصف، ويحصد الشعب السوري المزيد من عمليات القتل والمجازر والعذابات والاعتقال والنزوح والتهجير؟!