لا تظلموا دحلان وإليكم البرهان ! بقلم : يحيى الأسطل
تلقفت الأوساط الفتحاوية الموالية للرئيس الفلسطيني محمود عباس تصريح ديفيد فريدمان السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني، والمتعلق بأن إدارته تفكر بدحلان كبديل لعباس بنشوة وسعادة بالغة، وبسرعة البرق وبلمح البصر تم صياغة بيان من مركزية فتح ضد السيد محمد دحلان تنكروا فيه لوطنية الرجل وهاجموه بشدة، وكأن فريدمان قد أعطاهم هدية كانوا يبحثون عنها بلهفة فجاءتهم في موعدها.
المحزن بأن مركزية فتح هي أعلى إطار قيادي في الحركة، ومن المفترض أنها على قدر كبير من المسؤولية بحيث تدرس كل حرف من تصريحات المسؤولين الصهاينة وحلفائهم الأمريكان، ومن المفترض أن المركزية تضع خاصة في هذا الوقت المصيري لشعبنا هذه التصريحات في سياق أهدافها الصحيحة التي يريدها الأمريكان والصهاينة، خاصة أن تصريح فريدمان تم نشره بصيغة أن أمريكا (تفكر) بدحلان بديلا لعباس، ثم أعاد نفس المصدر العبري وهو صحيفة إسرائيل اليوم تعديل الخبر تحت عنوان أن فريدمان قال (لا نفكر بدحلان بديلا) ! .
أراهن بأن مركزية فتح والرئيس عباس يعلمون جيداً كيف تتصرف أمريكا وماذا تريد دولة الإحتلال ويعلمون الأهداف الخفية من هذا الخبر جيداً، ويعلمون بأن صديق وشريك أبو مازن القديم محمد دحلان ليس خياراً مفضلاً لا لأمريكا ولا للكيان الصهيوني، ولكن ما دعاهم لاستثمار هذا الخبر هو الاساءة والتشويه لزميلهم السابق والتنكر لوطنيته؛ هذا كله لأن دحلان من أبرز ثلاث شخصيات فلسطينية تمتلك شعبية كبيرة في الشارع الفلسطيني حسب المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في استطلاعه الذي نشرت نتائجه أول أمس.
وقع الإخوة في مركزية فتح برئاسة أبو مازن من خلال بيانهم في شرك المخطط الأمريكي الصهيوني المتمثل في تغذية الخلافات الفلسطينية الفلسطينية أينما وجدت، مع أنهم يعلمون جيداً وأكثر من غيرهم بأن أمريكا والكيان الصهيوني بارعون في اللعب على التناقضات وتأجيج الصراعات الداخلية خدمة لأهدافهم التصفوية للقضية الفلسطينية، ولإبتزاز أبو مازن سياسياً بخصومه ومعارضيه، وأيضاً لإهدار طاقات شعبنا في هذه الخلافات الداخلية بعيداً عن تسخير كل القدرات والطاقات للدفاع عن قضيتنا الفلسطينية في أحلك الظروف التي تمر بها.
أعتقد ولأننا جميعاً نعي وعن تجربة أهداف السياسة الصهيونية الأمريكية خاصة في هذا الوقت الذي تسعى فيه أمريكا للتسريع في جني ثمار سياستها في الشرق الاوسط، فمن الواجب وطنياً أن نقابل هذه السياسة بمسار مضاد لها، لا أن نساهم نحن في خدمة الأهداف الامريكية الصهيونية من حيث ندري ومن حيث لا ندري.
أقول في سياق هذا كله :
أولاً: يجب أن نجدد وعينا بأن وحدة الفلسطينيين مستهدفة صهيونياً وأمريكياً، وبناء عليه يجب أن نقابل ذلك برفض الإساءة لأي قيادي فلسطيني أو فصيل فلسطيني، ويجب على الأقل أن (نعطل) ثقافة التخوين المذمومة في هذه المرحلة الصعبة لقضيتنا، كيف لا وأدبيات فتح علمتنا بأن التناقض الرئيس مع المحتل يلغي كل التناقضات الثانوية.
ثانياً: أذكر بأن تصريحات فريدمان السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني وأي مسؤول أمريكي أو صهيوني ليست دليلاً لإدانة أي قائد فلسطيني، لأننا أصحاب وعي وطني بالسياسة الأمريكية والصهيونية القائمة على نهج فرق تسد، وكذلك أصحاب تجربة في ذلك فترة حصار الرئيس أبو عمار رحمه الله، أم أننا ننسى بأنه وفي أوج إنتفاضة الأقصى ضج الإعلام العالمي بخبر أن شارون وبوش يريدون قائد السلام محمود عباس بديلاً عن قائد الإرهاب ياسر عرفات ؟! ، وكان حينها أبو مازن على خلاف معلن مع الشهيد أبو عمار وصل لدرجة إستقالته من رئاسة الوزراء ومقاطعته لأبي عمار.
في تلك الفترة تم تخوين أبو مازن (وربما من حلفائه ضد دحلان اليوم)، وخرجت مسيرات من جامعة بيرزيت تتهمه بالعمالة والجوسسة، وبرز في وقتها محمد دحلان مدافعاً عنه مهاجماً لثقافة التخوين.
ثالثاً: من المعروف بديهياً أن صندوق الإقتراع هو وحده الذي يفرز قيادات للشعب الفلسطيني، وأنه من الصعب على شعبنا أن يقبل غير تلك الوسيلة الديمقراطية لتنصيب قيادته، وهي حقيقة معروفة عند فريدمان ومن خلفه نتنياهو وترامب، فلماذا هذا التصريح فارغ المضمون ؟! بكل تأكيد أن أحد الأهداف الحقيقية من وراء هذا التصريح هو ترهيب الرئيس أبو مازن وابتزازه باستخدام فزاعة معارضيه، فمرة يتواصل الأمريكان ضمن سياسة ترهيبه وابتزازه مع حماس وهذا ما أكده السيد إسماعيل هنية، ومرة يلوحون باسم السيد محمد دحلان كبديل.
رابعاً: السياسة الأمريكية مكشوفة للرئيس أبو مازن أكثر من غيره، لذلك واجبه الرد على تلك السياسة بإحتواء الكل الفلسطيني وتوحيد كل الطاقات الفلسطينية تحت رايته لمواجهة مشاريع أمريكا والكيان الصهيوني، بدلاً من إصدار بيانات تزيد من الفرقة وتحقق لفريدمان ومن خلفه هدفهم ومبتغاهم، وهنا اتساءل عن حالة “الفضاوة” التي تحياها قيادة كبرى حركات التحرر الوطني وفلسطين تمر في هذا المعترك الصعب!.
خامساً: اتساءل لو كان محمد دحلان خياراً أمريكياً محببا هل كان باستطاعة الرئيس أبو مازن فصله من فتح ثم مهاجمة بيته في حي الطيرة برام الله وابعاده عن الضفة لعشر سنوات؟ هذا سؤال للعقلاء .
سادساً: ماذا لو كان هناك خياراً أمريكياً فعلاً في الساحة الفلسطينية يجري تجهيزه؟، وتم اطلاق اسم دحلان في هذا الوقت على أنه البديل للتغطية على الخيار الحقيقي؟، لأن المخابرات الأمريكية والصهيونية تعلم أكثر منا بأن امتداح أي شخصية فلسطينية في الإعلام الصهيوني كفيل بأن يفقدها شعبيتها في الشارع الفلسطيني، أليس هذا تساؤلاً معقولاً؟
سابعاً وأخيراً: من حق السيد محمد دحلان علينا كما غيره من المناضلين الفلسطينيين أن ندافع عنهم كرامة لنضالهم ضد المحتل، وهنا أريد أن اذكر موقفاً واحداً على الفضائية الفلسطينية وابان عقد المؤتمر السادس لحركة فتح سؤل السيد جبريل الرجوب وهو أحد أشد المخاصمين للسيد دحلان، سُئل عن سر خلافه مع دحلان، فذكر ثلاثة أسباب، أذكر منها أنه قال: “اختلفت مع دحلان لأنني اتفقت معه أن لا يدخل الوقائي في الاشتباكات المسلحة ضد اسرائيل في انتفاضة الاقصى، لأنني لم أكن مؤمناً بعسكرة الإنتفاضة، ثم تفاجأت بدحلان يزج بالوقائي في الاشتباكات المسلحة”.
اليوم يسأل الرجوب نفسه عن سبب خلافه مع دحلان فيقول: “لأنه جاسوس”!! .