كبرياء لن ينكسر – بريد تائه
لمْ يَصِلُنيِ رَدَّاً،
مَضَى الأمْسُ، واليَوْمُ ارْتَحَل،
لَكِنَّ الغَدُ مُقْبِلاً
مِنْ رَحِمِ لَيْلٍ تُسَامِرُ النُّجُوْمُ سَمَاهَا،
تَبْحَثُ عَنْ قَمَرٍ.
تُوْلَدُ شَمـْسُ الحُرِّيَّةِ فِي عُلاهَا،
جُمْعَةٌ مُبَاركَةٌ،
وَالسَّعْيُ مُبْتَغَى،
ضَجِيْجٌ مِنْ ذِكْرَيَاتِ الصَّمْتِ،
خُيُوطٌ ذَهَبِيَّةٌ اتَّخَذَتْ مَنْحَاهَا.
* * *
أَصْبَحَ الفُؤَادُ يَقْوَى النَّوَى،
كُلَّمَا غَاْبَ لازَمَنِي طَيْفُ بَقَاءِهِ،
عِشْقٌ فيِ طَيَّاتِهِ للعُمْرِ،
رُبَّمَا هَنَاءٌ ..!
أَيُّ نَزْفٍ يَا قَلَمِيِ تَخُطُّهُ؟
بَريدٌ تَائِهٌ فِي صُنْدُوْقِ المُرْسَلِ إلَيْهِ.
* * *
جَلاَّدٌ أَنْتَ،
بِسِيَاطِ الكَلِمَاتِ تُؤلِمُنِي،
ترْسِمُ النَّبْضَ بِأَبْجَدِّيَّةٍ أَشْتَاقُ فِيْهَا لِذَاتِي !
حَرِّرْنِي مِنْ قَيْدٍ يُكَبِّلُ العِبَارَةِ،
رِفْقَاً سَاعِدْنِي،
تَلَعْثَمَ النَبْضُ حِبْرَاً،
يَهْطِلُ عَلَى الوَرَقِ غَزِيْرَاً،
هُدْنَةُ الرُّوْحِ يَا قَدَرِي،
لأُعَانِقَ الأُمْنِيَّةَ!
تَهْتِفُ الأَوْرِدَةُ مُنَاجِيَةً المُعْطِي،
سُقُوْطَ النِّعَمِ،
بِلاَ أَلْوَانٍ بَاتَتْ لَوْحَاتِي،
أَفْرَغْتُ مَا فِي حَفِيْظَتِي،
مَعَ قَهْقَهَاتٍ أبْتَكَرْتُهَا،
مُفْسِحَةٌ للْغَدِّ أَنْ يَتَسَلَّلَ فيِ مَلامِحِنَا.
* * *
أَمسَيْتُ أُرَاقِصَ ظُلْمَتِي وَحْدِيِ،
تُبَعْثِرُنيِ أَذْرُعَ الرِّيَاحِ،
بِمَشْهَدِ التَّلاشِي،
لأَبْعَدِ مَدَى تَأْخُذُنِي،
بِرِفقَةِ بُوْصَلَةِ المـَجْهُوْلِ،
نَقْطرُ المَوْتَ مِنْ شِدَّةِ الخَوْفِ،
يُسَامِرُنيِ حَدْسُ الضَّيَاعِ،
يَتَرَاءَى لِي شُحُوْبَ المَصِيْـرِ.
* * *
كُلَّمَا استَيْقَظْتُ بَعِيْدَاً عَنْ ذِراعَيْكَ،
تَغِيْبُ شَمْسُ رُوْحِي،
لِتَسْكُنَ بَطْنَ الفِكْر،
يُؤْلِمُنِي رَحِيْلٌ يَلتَهِمُ الدِّفءَ،
بِشَهيَّةِ جُوْعِي إِلى لِقَاءٍ يَجْمَعُنا،
وَإلَيْكَ أَنْتَ.
* * *
غَدَوْتُ كالزَّهرةِ بلاَ أوراقٍ،
تَصْفَعُنِي رِيْحُ الأَخِلاَّءِ،
وَحِيدةٌ دُونَ رِفَاقٍ،
أَرْتَشفُ مُلُوْحَةَ الزَّمَانِ فِي جُعْبَةِ قَدَرٍ هَائِجٍ،
لاَ أُبْصِرُ النَوْرَسَ مَكبُوتَ الأَصْدَاءِ،
شَيءٌ مَا يُنْبِؤُ بِعَاصِفَةِ الفَنَاءِ.
* * *
لَمْ يَزَل جَمالُ الغُرُوْبِ،
بِحَيَاءٍ يُغَادِرُ خَلْفَ الجَبَل،
مُفْسِحَاً لِرَوعةِ الشُّرُوْقِ.
كَغُصْنٍ مُثْمِرٍ تتَدَّلىَ كَلِمَاتيِ مِنْ أَغْصَانِ الوَرَقِ،
بِلَهْفَةِ المُفْتَقِدِ لِعِطْرِ الأُكْسِجِينِ.
كِبْرياءٌ لِعَاشِقةِ الوَرْدِ لَنْ ينكَسر،
سَوْفَ أَحْيَا وَقَلبِي لِحِينِ عَوْدَتِكَ سَيَنْتَظِر،
حِيْنَها..
سَأَضُمُكَ إِلَى صَدْرِي بِعُنفٍ،
لأَنَّ الحُبَ دَائِمَاً مُنْتَصِرٌ.
* * *
ضَجِيْجُ صَمْتٍ يَعْتَرِيْك،
يَا عُمْرِي..
أَتَغْتَالُ السُّطوُرَ بِنَهَمٍ؟
أَتَّرَقَبُكَ مُسْتَدْعِيَاً بَقَايَا أَشْلاءٍ مُمَزَّقةٍ مِنَ الحَرْفِ لَدَيْكَ،
تَحْتَاجُ مَنْطِقاً أَكْبَر مِن ذَا كَيْ تَبْقَى؟
حُرٌ أَنْتَ فِي تَنَّشُقِ أَفْكَارِي،
أَسْتَدْرِجُكَ بِسُطُوريَ النَّاعِمةَ،
صَمْتٌ وَهُدُوءٌ في أَنَّاتِهِ الدَّوَاء.
* * *
هُرُوْبٌ أنْ لا نَنْغَمِسَ فيِ الحُلُمِ مَعَاً،
وَنُتَابِعُ المَسِيْرَةَ بِظِلالٍ مُكَسَّرَةٍ.
فَيُحَاصِرَناَ شَوْقٌ شَدِيْدٌ،
نَغْدُوا مَعَهُ رَهَائِنَ لِغُرُوْبٍ صَاخِبٍ.
* * *
أَلْفَيْناَ نُوَاكِبَ العُمْرَ بِصَمْتٍ..
أُكْرِهْنَا عَلَى العَيْشِ مَعَ وُجُوهٍ مُلَّوِنةٍ،
تتَوَارَى خَلْفَ هَالَةٍ مِنْ جُذُوْرٍ قَاتِمةٍ.
كَمْ مَرَّةً أُحْرِقَتَ مِنْ همَسَاتِ نَبْضِي ؟
وَكَمْ مَرَّةً أَذَبْتُكَ شَمْعَاً،
بِلَهِيْبِ مَنْ نَزْعِ أَبْجَدِيَّتِي.
* * *
بَاتَ كِلَيْنَا يَفتَقِدُ الأَمَلَ بِقُوَّةٍ،
ومَا العَمَلُ؟
بِلاَ خَيَارٍ تَشَاءُ الأَقْدَارَ،
عَابِثةٌ بِابْتِسَامَتِنَا،
تُقْصِينَا عَنِ الأَحْرَارِ،
حَتَّى نَعْتَادَ العَلقمُ بِدَيْمُومَةِ تَذَّوُقِهِ،
ثَبَاتُ الرُّجُوْلَةِ نَحْيَا،
وَأَحْيَانَا ًلا نَسْتَطِيْعُ التَّحْلِيقَ رُغْمَاً عَنَّا..!
رِوَايَةُ تاريخٍ صَادِقٍ دُوَّنَتْ أَدَقَّ تَفَاصِيلِنَا،
بِحِبرِ لوعةٌ مُشْتَاقةٌ.
* * *
يَسْبِقُنَا قِطَارُ العُمْرِ بِتَحَدٍّ،
أَمْضِي مُصْطَحِبةً عَيْنَيكَ المُضِيئَتيْنِ،
كَقَمَرَيْنِ فيِ سَمَاءِ بَوْحِي،
تَطْوِي بَقِيَّةْ عُمْريِ،
لَحَظاتٌ حَمَلَتْنيِ إلَيْكَ،
لَمَّا سَرَقُوني قَنَادِيْلَ حُجْرَةَ نَفْسِي،
تُلْهِمُنِي ابْتِسَامَةُ ثَغْرِكَ المُرَّصَّعُ بِاللآلِئِ،
أَبْجَديةٌ تَنْثُرُ شَذَى الطُّهْرِ،
رَغْمَ جَبَروتِ الذَّاكِرةِ.
* * *
أَسْعِفنِي بِوَمِيضٍ يُبقينِي عَلى قَيْدِ الحَيَاةِ،
لأُبَدِّلَ مِراسَ ثَبَاتٍ سَئِمتْ مِنْ مُسَايَرَتِهِ أَيَّامِي.
انْهَضْ وَسَاعِدْنِي كَيْ أُتَابعَ،
فَمَا عُدْتُ أَقْوَىَ وَحِيْدَةً.
* * *
لم يَبْقَ لأَيَّاميِ مَذَاقٌ،
أُلَّوِّحُ بِبَاقَاتِ زَهْرِي فِي مَحَطَاتِ الإنْتِظَارِ،
لَعَلِّي أَرَاكَ،
أَوْ أَلْمَحُ طَيْفَكَ بِالتَخَيُّلِ،
ذَبُلْتُ بَعِيْداً عَنْ نَبْعِ عَطَائِكَ،
وَدَمُ النَّبْضِ لَمْ يَزَلَ إِلَيْكَ فِدَاءً.
* * *
نَفَذَتْ ذَخيرتَيِ وَمَازِلتُ علَىْ عَهديِ بِبَقَاءٍ،
رُبَّماَ وَاهمةٌ بلقاءٍ مُحرَّمٍ !
خَلَّفْتَنِي بِلَحْظةِ قَاسِيَةٍ،
عَبْرَةٌ جَفَّتْ مِنْ لَفَحَاتِ قَهْرٍ،
زَفَرَ بِهَا الحُلْقُومُ خَارِجَ إطَارِ نَافِذَتِي.
* * *
وِحْدَتيِ؛
هَيكَلٌ لِجَسَدي،
وَلِمَا طَابَ الفِكْرَ،
عَلِمْتُ مَكَانَتِي،
وَأَنِي المُخْطِئَةَ!
يَوْمَ زَرَعْتُ عِشْقُكَ فِي هَدْبِ المُقَلِ،
ولم أحْصُدْ فُصُولَ عُمْرِنَا بَعْد،
سِوَى طُوْلَ النَّوَى.
لا أَمْلِكُ فِيْكَ شَيْئَاً،
عَلِمْتُ كُلَّ شَيءٍ !
كَأنِّي أَجْسَاداً مُبَعْثَرَةٌ مِنْ ذَاتِ الأُنْثَى،
أَزْحَفُ مُلَمْلِمَةً الجُزْءَ الوَاحِدَ عَلَى الأَقَلِّ،
فَتَأْتِي بِمَا يَزِيْدُ شَتَاتِي.
* * *
تُؤْلِمُني لِحَدِّ احْتِبَاسِ المَطَرَ،
وَتُدَاعِبُنِي أَنَامِلُ جُبْنِكَ،
تُمَارِسُ طُقُوْسَاً مِنَ الشَّيْطَنَةِ،
أَعْدُو وَأَتَوَقَفُ،
أَتَذَكَّرُ تِلْكَ الدَّمْعَةَ المُتَأَجِّجَةَ فِي مُقْلَتَيْنا..
قَرَّرْتُ وَدَاعَكَ،
وَطَوَيْتُ الذِّكْرَيَاتِ.
* * *
كَمْ وَدَدْتُ بَثَّ مَا فِيِ جُعْبَتِي،
مِنْ حِكَايَاتٍ، وَنهَايَاتٍ،
لمْ يُسْعِفُنِي الوَقْتَ،
رَحَلَتَ ..
دَربٌ مَريرةٌ تَخَطيّْناَ،
ثُمَّ شَاءَ القَدَرُ وَجَمَعَ كِلَيْنَا،
حَدَّثْتُكَ مَرَّاتٍ كَثيرةٍ عَلىَ شُرْفَةِ الرُّوْحِ،
كَانَ ضوءُ القَمَرِ شَاهِداً عَلَى الجُرُوحِ،
طَيرٌ مَذبوحٌ هيَ حَالَةُ خَفْقِ أَفئِدَتِنا المَسْفُوحَةَ،
بِشَّرِّ مَطِيَةٍ أَخْفَقَتْ المكانَ،
بِلا أَجْنِحَةٍ نَتَعَارَكُ،
لِنَكُونَ ذَاَتَ يَوْمٍ كَماَ شِئْنَا،
نُحَلِّقُ فِي العُلا كَمَا رَغِبْنَا،
أَلمْ نَكُ لَسْنَا كَغَيْرنَا سَوَاءً ؟
وَنَسِيْنَا أَنَّ البَشَرَ سَوَاسِيَةٌ !
سَلْ ذَاكَ الحُلُمِ عَنِي،
فَالسَّرَابُ رَوَى عَطَشِي،
وَإنِّي لا أَكْتَفِي.
* * *
حَقِيْقةَ وُجْدٍ طَابَ لَهُ عَيْشِي،
أُحَطِّمُ قَيْدَ انْتِظَارِي بِوَهْمِ المَقْدِرَةِ،
خَيَّبْتُ أَملَ رُوْحِي الحَائِرةِ،
وَجَلَدْتُ نَفْسِي بِسِيَاطِ المحَبَةِ مُكَابِرةً،
بَقيِتُ بِرَغْمِ القَسْوَةِ التِي تُمْطِرُنِي كُلَّ حِيْنٍ،
وَمَا عُدْتُ خَائِفَةً،
مِنْ مَجْهُولٍ تَرَاءَى لِنَاظِرِي بِيَقِيْنِ التَّلامُسِ.
* * *
لم تُحِّبُنِي أَبَدَاً،
عَلِمْتُ أَنِّيِ آمِلَةٌ بِبَقِيَةٍ حَالمِـَةً،
سَحَابَةٌ غَائِمَةٌ،
وَالغَيْثُ غَائِبٌ،
يَا زَهْراً لا يَعْرِفُ ذُبُوْلاً،
أَسِيْرةٌ لِعِطْرِكَ كنْتُ،
ورُبَّمَا لَنْ أَزَلَ.
* * *
أُهْدِيْكَ حَيَاةً هَانِئَةً،
رَحِيْقُ صَمْتِي يَصْرُخُ عَاتِياً..
لَمْ أَقْوَى !؟
مُهَاتَرةٌ مَا كَتَبتُ !
رُبَّمـاَ أَهْذِي تَدَاخُلَ الفُصُولِ،
فَأَهْبِطُ مِنْ شُرْفةِ شَوْقِي،
أَتَحَدَّى مَجْهُوْلاً مُوْحِشَاً،
يَا قَارِئاً لِحَرفِيَ المَقْتُوْلِ،
لا تَبْكِيْنِي ضَيَاعَاً لِماَ بَيْنَ سَاعِدَيْكَ،
شِفَاهُكَ لا تَقْوَى،
وَاللَّوْعةُ للأَفْئِدَةِ لَمْ تَزَلْ.
* * *
أَحْبَبْتُكَ كُرْهاً يَعْتَصِرُ فُؤَادِي،
وَأَبْقَى رَغْمَ حُزْنِي أُقَاوِمُ،
لَحْظَةَ اِنْكِسَارٍ.
لَمْ يَهْزِمُنِي أَيَّاً مِنْهُم،
يَا مَنْ كُنْتَ بَقَاءً مُحَالاً،
تَوْكِيْداً مَعَ بُعْدِي،
لا أَرَاكَ لِي،
فَكَيْفَ أُنَازِلُ النِّسَاءَ حَوْلَكَ؟
وَمَا أَدْرَانيِ إِنْ كُنْتَ مِثْلِي مُنْتَظِراً..
طَالَ الفِرَاقُ،
وَأَنْتَ مَنْ قَتَلَ أجنةَ حُلُمِي بِرَحْمِ جَفَاكَ،
صَمْتٌ أَنْهَى الحُبَّ !
وَتَلاشَتْ الأَشْوَاقَ،
قُلْ للمَمْنُوعِ ابْتَعِدْ،
لِلْهَزِيْمَةِ لنْ أنْتَمِيِ.
دَهْرٌ عِنْوَانُهُ: الشِّدَةَ، والصَّبْرُ لِلمُؤمِنِيْنِ ابْتِلاءٌ.