أردوغان وعمى الأطماع بقلم : علي الصراف
يخوض رجب طيب أردوغان معركة صريحة مع عجزه. وعجزُه غالبٌ عليه.
الاطماع التي تحركه في المتوسط حتى وإن كانت لا تستند الى سند قانوني، فإنها ظلت تبدو، بالنسبة له وكأنها قابلة للتحقيق.
الآن، حان الوقت لكي يتلقى الصفعة، لعله يصحو.
القانون الدولي لا يسمح لتركيا، بزعم “جرفها القاري”، بأن تتعدى على الحقوق الطبيعية للدول الأخرى.
قانون البحار الدولي لعام 1982، والذي أصبح نافذا منذ العام 1994، يسمح لكل دولة بأن تمد “منطقتها الاقتصادية” الى ما بين 200 – 300 ميل بحري. هذه هي القاعدة. والتي على أساسها تتقرر الحقوق. فإذا ما تداخلت “المناطق الاقتصادية” مع بعضها، كما هو الحال في البحر الأبيض المتوسط، فان التقاسم على أساس المفاوضات، هو الشيء الوحيد المنطقي.
أردوغان عقد اتفاقا مع حكومة مليشيات في طرابلس فتقاسم معها المتوسط، وأملى عليها القبول بأن تحتكر تركيا المنطقة الاقتصادية الليبية.
وسرعان ما بدت الأطماع، كأي أطماع أخرى، وكأنها تصيب صاحبها بالعمى.
أولا، المتوسط ليس بحرا بين تركيا وليبيا. هناك دول أخرى، لم يرها أردوغان، رغم أنها قادرة على أن تفقأ له عينيه، إذا لم يكن قادرا على استعمالهما.
ثانيا، اتفاقه مع ما يعتبرها “حكومة شرعية” في طرابلس، لا يتناسب مع اتفاقه مع حكومة غير شرعية في شمال قبرص. هناك شيء واحد يجمع بين هذين الأمرين، هو أن الأطماع تجعله لا يرى، أن حكومة المليشيات في طرابلس غير مؤهلة للبقاء، وغير قادرة عليه، وشرعيتها التي قامت على أساس اتفاق الصخيرات انقضت بعد مرور عام من الاتفاق. (فبحسب الاتفاق، هي حكومة لعام واحد). الأمر الذي يعني أنها حكومة غير شرعية تمارس البلطجة على مسمى “الشرعية” منذ أربع سنوات. أما حكومة “شمال قبرص” غير الشرعية من الأساس، فلا يعترف بها أحد، وهي مجرد سلطة بلطجة تحميها أنقرة فقط. وبالتالي فكل ما يُعقد من اتفاقات مع هاتين السلطتين البلطجيتين، لا قيمة له، ولا أساس.
ثالثا، قانون البحار صريح، وهو يرسي أسسا واضحة لما هو لك ولما هو عليك. وبالتالي فان أعمال البلطجة لا تنفع. والمحكمة الدولية الخاصة بحل المنازعات في قانون البحار موجودة في هامبورغ، ويمكن اللجوء إليها لكي تفصل بين الجميع.
وعندما وقعت مصر واليونان على اتفاق تقاسم المناطق الاقتصادية فيما بينهما، فإنهما استندتا الى ذلك القانون حصرا. ويستطيع أردوغان أن يضرب رأسه بألف حيط، ولن يتمكن من أن يُقنع أحدا بأنه غير ملزم بالتزام حدوده البحرية الخاصة.
أي مستوى من تقاسم المناطق الاقتصادية بين تركيا واليونان ومصر وقبرص، لن يسمح لأردوغان أن يوسع حدوده البحرية الى ليبيا. هذا الطريق بات مغلقا الآن. ولا أن يعتدي على حقوق مصر ولا اليونان. وما يزال يمكن لإيطاليا أيضا أن تكون طرفا في التقاسم، وهذا ما لن يبقي شبرا قبالة السواحل الليبية لأردوغان، ولا حتى للسباحة فيه، فما بالك بالتنقيب عن النفط والغاز.
ما يزال من غير الواضح ما إذا كان الاتفاق المصري واليوناني ينطوي على تعاون عسكري مشترك لحماية منطقتيهما، ولكن هاتين الدولتين من القوة العسكرية، والمناعة السياسية، والحاجات الاقتصادية ما يجعلهما قادرتين على أن تفقأ العينين اللتين لا يستخدمهما أردوغان، لكي يرى الحقائق.
فهل يجرؤ على قبول التحدي العسكري في المواجهة المحتملة ضد هذين البلدين معا أو حتى كلا على انفراد؟
الأعمى الذي لم يكن بوسعه أن يرى أحدا في المتوسط غير نفسه وفايز السراج، يستطيع أن يهنأ بعماه، فلا يرى أن مصر قادرة على أن تسحق جيشه، وأن تصل بجيشها لو شاءت الى الإستانة.
مصر الحديثة فعلت ذلك. ومصر المعاصرة يمكنها أن تفعل.
إبراهيم باشا قاد الجيوش المصرية في معركة قونية، وانتصر على جيوش رشيد محمد خوجه باشا، في 21 ديسمبر 1832، فحاصر أزمير وفتح الطريق الى الإستانة، عاصمة العثمانيين في ذلك الوقت، وكانت جيوشه على بعد مسيرة 6 أيام من مضيق البسفور، وأسر “الصدر الأعظم” وشتت جيوشه. وصنع ملحمة كبرى من ملاحم التاريخ العسكري، برشاقة الأداء، ومتانة فاعليته، وسعة بصيرته.
هذا القائد العظيم، إنما خلّف وراءه في الجيش المصري أحفادا قادرين على يلقنوا أردوغان درسا يجعله يرى، بكلتا عينيه، ما لم يكن قادرا بأطماعه أن يراه.
معركة قونية، دامت لسبع ساعات، وانتهت بعد ساعتين من غروب شمس ذلك النهار. وسبع ساعات كثيرة على أردوغان. وجيشه هو الذي سوف يتكفل بأسره.