حرب القنصليات والمواجهة العسكرية بقلم : د. أيمن سمير
دائماً كان هناك اتجاهان في الولايات المتحدة حيال التعامل مع الصين، الأول يدعو إلى التهدئة والشراكة معها بهدف تغيير سلوكها ودفعها لتكون شريكاً للمجتمع الدولي في حفظ السلام والاستقرار، وهو المنحى الذي تبناه الرئيس جيمي كارتر، والاتجاه الثاني القائم على المواجهة ومحاصرة وإضعاف الصين وخلق مشكلات لها مع جيرانها الآسيويين، وقاد هذا الاتجاه هنري كيسنجر، ورغم أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون كتبت مقالاً في عدد مايو في «فورين بوليسي» عام 2010 تحدثت فيه عن سياسة «الاستدارة شرقاً» للضغط على الصين إلا أن ما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير مسبوق، ويمثل تطبيقاً عملياً لسياسة «الاستدارة شرقاً»، فما هي الأسباب التي دفعت الإدارة الجمهورية للتصعيد؟ وما هي حدود هذا الصراع؟
إغلاق القنصليات وتبادل الاتهامات بين بكين وواشنطن يؤكد أننا أمام «حرب باردة» متكاملة الأركان، يمكن أن تتحول «لحرب ساخنة»، كما قال وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، الذي توقع حرباً بين بلاده والصين في المحيط الهادئ، فواشنطن ترى تهديداً مباشراً في البحرية الصينية، ومن الصواريخ طويلة المدى التي يمكن أن تصل للأراضي الأمريكية، كما أن الرئيس ترامب لا يعتقد فقط أن الصين وراء تفشي كورونا بل إنه على يقين بأن الصين سرقت معلومات عطلت التوصل للقاح لعلاج الفيروس بغرض زيادة عدد الإصابات والوفيات الأمريكية، بما يؤدي لهزيمته في انتخابات 3 نوفمبر المقبل، لذلك يرفض الرئيس ترامب تمديد اتفاقية منع نشر الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى منذ أغسطس الماضي، كما يرفض الكونغرس تجديد اتفاقية «ستارت 2» في يناير المقبل، إلا بعد مشاركة الصين التي ترفض الدخول في إي التزامات دولية حتى الآن، على الجانب الأخر ما زالت الصين ترى في الإجراءات الأمريكية بمنع طلابها من العودة للأراضي الأمريكية، وفرض عقوبات على قيادات الحزب الشيوعي الصيني بمثابة «ضربة استباقية» لمنع الصين من اعتلاء قمة القيادة الدولية.
ليس من بين أهداف واشنطن الدخول في حرب مع بكين، لكنها تعمل ومنذ فترة طويلة على بناء تحالف عالمي يقف في وجه الطموحات الاقتصادية والعسكرية الصينية، ويبدأ هذا التحالف من جيران الصين في جنوب شرق آسيا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، مروراً بأستراليا، وصولاً لأوروبا وكندا ودول حلف الناتو، والهدف الأمريكي من كل هذه التحركات هو جلوس الصين على مائدة التفاوض، ووقتها سيكون أمام الصين خيار من ثلاثة إما الدخول ضمن المنظومة العالمية الأمريكية، والقبول بقواعد اللعبة الدولية باحترام الملكية الفكرية وعدم سرقة الأسرار العلمية والدخول في الاتفاقيات الدولية لنزع السلاح التقليدي والنووي أو التعايش مع «حرب باردة» طويلة المدى أو الدخول في مواجهة عسكرية.