شفا – ساعات فقط فصلت إسقاط البرلمان التونسي قبل أشهر تشكيلة حكومية إخوانية، قبل أن يطير رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، إلى تركيا ويعقد اجتماعا مغلقا مع رئيسها رجب طيب أردوغان، لبحث خسارة فرصة لتثبيت جماعة الإحوان بمفاصل البلاد.
حادثة تندرج ضمن قائمة طويلة من المواقف السياسية التي تبنتها الحركة الإخوانية منذ قفزت في المشهد السياسي التونسي، لكن يبدو أن الملف الليبي مثل الاختبار الأكبر الذي سقطت فيه الجماعة بشكل مدو، ليؤكد طبيعتها الأيديولوجية المنخرطة بصميم المشروع الإخواني الإقليمي بقيادة أردوغان.
عبد المجيد بن زارة، الباحث والأستاذ بجامعتي تونس والسوربون بالعاصمة الفرنسية باريس، رأى أن “الغنوشي يناور في مجال ضيق، يحاول من خلاله إنقاذ المشروع الإخواني عبر دعم ذراع التنظيم في ليبيا، بأوامر من أردوغان، الأب الروحي للجماعة الإرهابية”.
وقال بن زارة، في تصريح لـ”العين الإخبارية”، إن “الرئيس التركي يدرك أن صحوة الشعوب قطعت الأذرع السياسية للإخوان في كل من مصر والسودان، وقلمت أظافرهم في الجزائر، ولم تتبق سوى النهضة في تونس وحزب العدالة والبناء في ليبيا، وهذا ما يدفعه لتحريك الغنوشي نحو لعب دور سياسي في الملف، من منطلق القرب الجغرافي بين تونس وليبيا أولا، ولاستثمار العلاقات الوطيدة بين إخوان تونس وليبيا ثانيا”.
وتابع أن حركة النهضة أمل أردوغان الأخير لتأمين حضور قوي للإخوان في المشهد الليبي، خصوصا مع تمكنه من الضغط على رئيس مليشيات طرابلس فائز السراج، والذي أصبح مع الوقت أداة طيعة يجندها مع مجموعة أخرى من رجاله من إخوان ليبيا أمثال علي الصلابي ورئيس العدالة والبناء محمد صوان، إضافة إلى خالد المشري، الإرهابي صاحب النفوذ الواسع بصفوف المجموعات المسلحة في طرابلس.
الغنوشي VS المشري.. دبلوماسية تفضح الإخوان وتحرج تونس
ووفق الباحث، فإن خطة أردوغان الراهنة تعتمد بشكل أساسي على تكليف الغنوشي بدور مركزي من خلال تحركات سرية واتصالات مع إخوان ليبيا، بهدف حشد الدعم لمليشيات طرابلس من جهة، وضمان ممر آمن لأنقرة عبر تونس نحو ليبيا، خصوصا من خلال جعل تونس قاعدة عبور، سواء من حيث السلاح والمقاتلين، أو قاعدة خروج عسكري لضرب أهداف تابعة للجيش الوطني الليبي.
أما الوتر الثاني الذي يعزف عليه الرئيس التركي في علاقته بالغنوشي وليبيا، فهو الشرعية المزعومة لحكومة ما يسمى بالوفاق في طرابلس.
بن زارة قال، إن الوفاق كانت مجرد هيكل مؤقت من أجل التوصل لحل في الصراع خلال فترة عام واحد، وهذا ما أكده اتفاق الصخيرات الموقع بين الفرقاء الليبيين بالمغرب في 2015، لكن أردوغان يحاول تجاهل الأمر واللعب بورقة انتهت صوحيتها منذ سنوات، في تكتيك عادة ما يلجأ إليه الإخوان، استنادا إلى أدبياتهم، حيث يوظفون المصطلح الذي هو أريد به في الأصل كلمة حق، لتمرير شتى أنواع الباطل.
“سيتا”.. كلمة السر
في مارس/ آذار الماضي، كشفت تقارير إعلامية وجود اتفاق بين إخوان تونس ومركز “سيتا لدراسات السياسية والإستراتيجية” في أنقرة، لتنفيذ مخطط لإرسال عشرات الخبراء من المهندسين والفنيين التونسيين إلى ليبيا؛ لدعم مليشيات طرابلس.
وبالفعل، درب المركز التابع للرئاسة التركية؛ دفعة أولى ضمت 76 من الخبراء الفنيين من المهندسين التونسيين، لمدة شهرين في مدينة “أسكيشهر” التركية، قبل أن تبدأ عملها في طرابلس مطلع فبراير/ شباط الماضي.
ووفق تسريبات من جلسة خاصة للمركز، فقد كان من المقرر تدريب دفعة ثانية تضم 48 مهندسا تونسيا، لدعم المليشيات الليبية لكن في مصراتة، إلا أن القيود التي فرضها انتشار فيروس كورونا حالت دون اتمام الخطوة.
أجندة معدة مسبقا، ترسم مسار تحركات الغنوشي وتفسر طموحه السياسي المفاجىء، ومحاولات سطوه على صلاحيات الرئيس التونسي قيس سعيد، المتعلقة خصوصا بالسياسة الخارجية.
الكاتب الصحفي التونسي، وسام حمدي، اعتبر أن الغنوشي أثبت في حركتين متتاليتين أن ترشحه في الانتخابات التشريعية في مرحلة أولى، ومن ثمة الترشح لرئاسة البرلمان لم تفرضهما أجندات داخلية لحركته بقدر ما فرضتها إملاءات إقليمية قادها وهندسها المحور القطري – التركي.
واعتبر حمدي، في حديث لـ”العين الإخبارية”، أن محاولات تمريره اتفاقيتين مشبوهتين مع أنقرة والدوحة، مستغلا انشغال تونس بجائحة كورونا، واتصاله الهاتفي مع المشري، تؤكد في مثل هذه في الوقت الذي تدق فيه طبول الحرب في ليبيا، أن النهضة ترفع لواء حماية تركيا وقطر قبل المحافظة على ما بنيت عليه الدبلوماسية التونسية منذ الاستقلال.
أردوغان يريد مطارات تونس
حمدي قال إن الغموض يلف حادثة نزول طائرة قيل إنها محملة بمساعدات طبية تركية ستوجه إلى ليبيا، في الجنوب التونسي، متسائلا عما “ستكون تكلفة هذه الهدايا التركية المسمومة على تونس بدرجة أولى وليبيا بدرجة ثانية؟”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الغنوشي وإخوان تونس باتوا يتحركون وفق أهواء أردوغان الذي يعلم مدى أهمية تونس في معركة إستراتيجية كبرى وجيوسياسية هامة بين الفرقاء في ليبيا، ويدرك جيدا أن خسارة الملف الليبي ستنقلب عواصف إقليمية تنسف تنظيم الإخوان إلى الأبد.
في الأثناء، يتواصل الجدل في تونس حول مساعي أردوغان لاستخدام الأراضي التونسية نقطة انطلاق نحو غزو ليبيا، خصوصاً عقب نزول طائرة تركية في مطار جزيرة جربة جنوبي تونس ليل الخميس.
وتفاقم الغضب والجدل في تونس، في ظل ما يتم تداوله عبر مواقع التواصل حول خروج طيران تركي من جنوبي تونس لضرب قاعدة الوطية الجوية بالتزامن مع هجوم مليشيات طرابلس، ما يفاقم المخاوف من نجاح الإخوان في الزج بتونس في الصراع الليبي إكراما لهوس أردوغان.