الغزو التركى لسوريا بين اتفاق آضنة والميثاق الملى بقلم : الصحفي أحمد جمعة
العملية العسكرية التى يخوضها جيش الاحتلال التركى لسوريا، هى انتهاك صريح وواضح لسيادة دولة عربية تعانى منذ تسع سنوات، وتخلت عنها العديد من الدول فى ظل انتشار جماعات متطرفة ومتشددة فى التراب السورى، وترك العرب سوريا للدول الغربية تتقاسم النفوذ والثروة على حساب السوريين الأبرياء.
لم يتعلم العرب من درس التخلى عن العراق، عقب الغزو الذى تعرضت له عام 2003، وباتت بغداد أبعد ما يكون عن الحضن العربى، وذلك بعد تدخل قوى إقليمية ودولية لرسم خارطة النفوذ داخل الأراضى العراقية، وهو ما دفع بالبلاد للعيش بعيدا عن الخط العربى.
كان النظام التركى أحد أبرز الحلفاء الاستراتيجيين لحكومة دمشق خلال العقود الأخيرة، وارتبط الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بعلاقات متميزة مع الحكومة السورية، إلا أن صراع المصالح النفطية وتوسيع النفوذ دفعت أردوغان ونظامه إلا دعم الدعوات المطالبة بإسقاط النظام السورى خلال عام 2011.
التحرك التركى فى سوريا، تم على عدة مراحل أولها مرحلة التدريب والتسليح والدعم المالى للفصائل المسلحة التى كانت تقاتل الجيش العربى السورى فى عدد من المدن والبلدات، وفشلت هذه الفصائل فى السيطرة على المدن التى سيطرت عليها من 2012: 2016.
وتركزت المرحلة الثانية من التحرك التركى على دعم المكون السنى من اللاجئين السوريين المقيمين فى تركيا والاستعانة بهم فى العمليات العسكرية ضد الجيش السورى، وركزت المرحلة الثالثة من التحرك على التحالف مع روسيا وإيران، لإيجاد موطئ قدم لأنقرة فى التراب السورى.
وبعد فشل كافة المراحل السابقة دفعت أنقرة الفصائل السورية المسلحة للسيطرة على شمال غرب سوريا خلال الفترة من 2016: 2018، عقب إعلان الولايات المتحدة الانسحاب من سوريا يحاول النظام التركى، اغتنام تلك الفرصة، للتمهيد لمخطط إنشاء المنطقة الآمنة، والتى تخطط أنقرة لأن تكون بطول 120 كلم وعمق 30 كلم، وهو ما يتطلب الهيمنة الكاملة على تلك المنطقة بشكل كامل وتطهيرها من القوات الكردية.
يتساءل الكثير عن المنطقة الآمنة التى يريد أردوغان إنشائها على طول الشريط الحدودى ولصالح من ؟ وما هو الهدف من إنشائها؟، الواضح أن النظام التركى يسعى إلى تغيير ديموغرافيا سوريا بتهجير الأكراد، وهم السكان الأصليين لتلك المنطقة والدفع بدلا منهم بمكون بعينه وتحديدا السنى على الحدود المشتركة بين سوريا وتركيا، وهو ما يهدد يكمن الخطر بسبب حالات التهجير التى تمت فى سوريا خلال السنوات الماضية على أساس عرقى وطائفى.
البعض يتساءل عن الذريعة التى تستند عليها تركيا لغزو سوريا والحجة التى رفعها النظام التركى إلى مجلس الأمن، لتبرير غزوه للأراضى السورية، الحقيقة أن أنقرة رفعت لمجلس الأمن خطابا، توضح فيه أن عملية الغزو لشمال سوريا تمت على الملحق الرابع لاتفاق آضنة الموقع بين أنقرة ودمشق عام 1998.
ويعد الملحق الرابع من اتفاق آضنة أحد أخطر البنود الواردة فى الاتفاقية، والذى ينص على أن إخفاق الجانب السورى فى اتخاذ التدابير والواجبات الأمنية لمنع قادة حزب العمال الكردستانى الذى تصنفه أنقرة إرهابيا من التواجد سوريا، يعطى النظام التركى الحق فى اتخاذ جميع الإجراءات الأمنية اللازمة داخل الأراضى السورية حتى عمق 5 كم.
خطورة التحرك العسكرى التركى فى هذا التوقيت يؤكد النوايا التركية، بالرغبة فى التدخل عسكريا فى الشؤون الداخلية للدول العربية، فقد فتح النظام القطرى الباب لعودة المحتل التركى مجددا لدولنا العربية بالسماح للجيش التركى بالدخول إلى قلب الدوحة.
ومع دخول الجيش التركى إلى سوريا تتخوف الدول العربية، من إقدام النظام التركى على التدخل بقوات برية شمال العراق بذريعة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستانى، فضلا عن احتمالية دفع أنقرة بقوات لدعم مليشيات طرابلس فى ليبيا، وهو ما يهدد أمن واستقرار المنطقة بشكل كامل.
الغزو التركى للدول العربية فى هذا التوقيت يؤكد صحة التقارير الصحفية حول رغبة أردوغان باقتطاع جزء من الأراضى السورية والعراقية، وذلك قبيل الاحتفال بمرور مائة عام على توقيع اتفاق لوزان فى 2023، والذى حاولت أنقرة خلال المفاوضات ضم الميثاق الملى الذى وضعه نواب أتراك ضمن بنود اتفاق لوزان، والذى يشير عن اقتطاع أنقرة لجزء من الأراضى السورية، وبعض أجزاء من العراق، وتحديدا الموصل وكركوك.