الأساطير وجنون العظمة بقلم : حافظ البرغوثي
تنتشر ظاهرة التواصل بين بعض القادة والوحي الإلهي ضمن أعراض جنون العظمة الذي أصيب به بعض القادة والعلماء والفنانين عبر التاريخ حتى الآن.. وفي المجال السياسي يغلف المرضى من القادة مغامراتهم وقمعهم وحروبهم البشعة بأنهم يتلقون أوامر عن طريق الوحي أو أن القدرة الإلهية اختارتهم لهذه المهمة.
ولعلنا لاحظنا أنه في حرب غزو العراق استند الرئيس بوش الإبن الى مقولات دينية وتلقي تعليمات من السماء لملاحقة يأجوج ومأجوج في بابل. وحتى حليفه توني بلير قال في حينه إنه يتصرف بوحي من القدر. وعارض في حينه الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مقولة بوش من أنه يتلقى تعليمات من الرب.. وقال: إن بوش يتلقى تعليمات من الشيطان لأن الله يرسل تعليماته الى نجاد، وإنه أي نجاد ينفذ تعليمات المهدي الإمام الغائب، وإن ظهوره قريب. ويستند مرضى جنون العظمة الى الدين في تبرير نزواتهم وحروبهم، لأن الخطاب الديني ولو كان زائفا له مصداقية لدى الجهلة والسذج، ولذلك سمعنا في الانتخابات العراقية أن أصحاب العمائم روجوا أن الإمام المهدي هو من أشرف على تشكيل قوائمهم الانتخابية.
فجنون العظمة تصاب به قيادات دينية أيضا كما في العراق وإيران، بل في أغلب الجماعات الدينية أيضا، حيث كنا نسمع عن ظهور مرسي في مصر مع أحد الصحابة، أو يرى في المنام من بعض قيادات الإخوان مع الرسول صلى الله عليه وسلم أو على منصة رابعة.. الخ من الخزعبلات.
جنون العظمة مرض نفسي، وهو معد أحيانا لأن المصاب به من القادة يعكس شخصيته على من حوله أحيانا فيقلدونه ويترسخ فيهم الجنون أيضا، لذلك رأينا أحد مساعدي وزير الدفاع الأمريكي الأسبق رامسفيلد يقول إن وزيره يتلقى تعليماته من الوحي مثل رئيسه بوش، وكذلك رأينا إمام مسجد كمجران في قم يزعم أنه كان شاهدا على 13 لقاء بين الإمام المهدي وآية الله خامنئي في سرداب بالمسجد.
ما دفعنا الى إيراد هذه الأمثلة هوالرئيس ترامب الذي ادعى قبل أيام أنه اختير من السماء لتنفيذ فرض رسوم على الواردات الصينية، وبالطبع يؤيد المحيطون به من الإنجيليين الصهاينة أقواله، لأنهم يعتقدون أنه ينفذ مشيئة الرب بدعم اسرائيل انتظارا لقدوم المسيح المنتظر الذي سيقيم مملكة الرب، ومن لا يتبعه يكون مصيره الذبح. ويحلو لحليفه نتنياهو أن يسمع من أنصاره هتاف “بيبي ملك اسرائيل”.. لأن لهذا الهتاف معنى آخر دينيا، أي أنه سيطلق على المشياح أو المسيح المنتظر عندما يظهر ويقيم مملكة إسرائيل ويبني الهيكل ويذبح هو الآخر من لا يؤمن به من البشر. وهكذا تسيطر الأساطير على عقول السذج والجهلة للترويج للحروب والقمع.
وقد قيل للزعيم الشيوعي ستالين ذات يوم: إن هناك عرافًا يقرأ المستقبل ويريد مقابلته لقراءة مستقبله، فرد ستالين: اقتلوه.. فلو كان يعرف المستقبل لما جاء، لأنه كان يجب أن يعرف أنني سأقتله.