اليوم تتضح الصورة أكبر حول تقديم موعد الإنتخابات الإسرائيلية، والذي سعى رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو لهندسة موعدها، فهو خطط لذلك وارداها استفتاء على قيادته وترسيخ قوة اليمين وهيمنته، وانتخابات خاطفة، وعرقلة ملفات التحقيق ضده، وتأجيل صفقة القرن، واستباق تراجع الاقتصاد.
ربما جاءت استقالة وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان فرصة كي يحدد نتنياهو الموعد المناسب والأفضل له، وعلى الرغم من أن هناك مجموعة من الظروف والأسباب الأخرى مثل الخلافات الداخلية مع الإئتلاف اليميني الحاكم وهو خلاف ليس جوهري، وايضا من قبل المعارضة. وتأجيل الافصاح ونشر صفقة القرن فهو نتنياهو غير متحمس لها. وتجنب خوض انتخابات على خلفية أزمة اقتصادية، وفي كلمته في اجتماع الليكود تباهى بمعطيات النمو الاقتصادي ونسب البطالة المنخفضة ورفع الحد الأدنى للأجور، وغيرها من الاسباب الداخلية في مواجهة خصومه المحتملين وعدم منحهم الفرصة المناسبة لتحضير أنفسهم، مثل رئيس هيئة الأركان السابق بيني غانتس الذي ينوي ترشيح نفسه للانتخابات.
إضافة إلى ذلك وهو الذي يجب ان يكون الأهم والأخطر للفلسطينيين، وهو استكمال تعزيز قوة اليمين وتنفيذ برامجه في كافة المجالات، حيث تعهد، في حال فوزه، بأن يشكل حكومة مع ذات “النواة” من شركائه في الائتلاف، وذلك لمواصلة قيادة الدولة في الاتجاه نفسه.
يعني مواصلة ترسيخ وتعميق نفوذ اليمين في وسائل الإعلام والسلطة ومؤسساتها والاستمرار في قيادة الدولة، وهذا السبب السادس الذي عدده رئيس تحرير صحيفة “هآرتس”، ألوف بن في قائمة أسبابه في مقال نشره أمس، غير أن ألوف بن يقول أن السبب الأول في توجه بنيامين نتنياهو للانتخابات مبكرة هو، أن الانتخابات بالنسبة لنتنياهو هي استفتاء على قيادته وشعبيته.
حيث يشير إلى أن نتنياهو منذ أن عاد إلى السلطة قبل نحو 10 سنوات تمتع بشعبية خاصة في وسط الجمهور الإسرائيلي، دون أن يكون هناك أي بديل له. وفي كل الاستطلاعات كان نتنياهو هو “الأنسب لرئاسة الحكومة”، وبالتالي فهو يريد أن تكون قيادته محور هذه الحملة الانتخابية أيضا، وليس العقائد أو الأفكار أو السياسة. وحقيقة أن كافة الاستطلاعات كانت تجعل نتنياهو في المكان الأول بوصفه “الأنسب لرئاسة الحكومة الإسرائيلية”، وبفارق كبير بينه وبين منافسيه المحتملين، وبالتالي فإن الفوز في الانتخابات ليست بالأمر المقلق بالنسبة له، وإنما شكل هذا الفوز.
ويقول ألوف بن أنه في السنوات الأربع الأخيرة قاد نتنياهو “انقلابا” نحو اليمين، وتركز في “الضم الزاحف” لأراضي الضفة الغربية، واستبدال النخب في إسرائيل، حيث تبدلت المحكمة العليا، وقمعت الأكاديميا ومؤسسات الثقافة، وأعلن عن “اليسار” والعرب كـ”خائنين وداعمين للإرهاب”، كما تحول الإعلام أكثر إلى اليميني والديني. ولكن دوره لم يستكمل بعد، فالبناء الاستيطاني يسير “ببطء”، والقيادة العسكرية والأمنية تواصل إظهار “رسميتها”، بدلا من تكريس نفسها بكل قوة لتحقيق أحلام نتنياهو.
نتنياهو يرسخ حكم اليمين الذي يحكم منذ 2001 ، وهو مستمر في الحكم حتى يومنا هذا 2018، حيث تشهد إسرائيل انزياحا مستمرا نحو اليمين عامة، واليمين الجديد والاستيطاني، وينعكس هذا الانزياح بشكل مباشر على السياسات الإسرائيلية تجاه فلسطينيي الداخل من جهة، وفلسطينيي الأراضي المحتلة من جهة أخرى.
وتقول الدكتورة هنيدة غانم أن الانزياح التدريجي للنخب التقليدية العمالية الاشكنازية، مقابل دخول نخب من قوى كانت تعتبر هوامش المجتمع لتحل محلها، في هذا السياق خاصة النخب الدينية والدينية الاستيطانية، وتزايد سيطرة النخب الدينية الاستيطانية على الجيش وفي عملية اتخاذ القرار العسكري والسياسي.
وتظهر متابعة هذه السياسات محاولة مثابرة لضبط مواطنة الفلسطينيين داخل إسرائيل وتطويعها لتتلاءم مع يهودية الدولة، توازي ذلك مساعي ترسيخ السيطرة على الأراضي المحتلة، خاصة مناطق ج، والعمل على حسم الصراع من خلال فرض وقائع لدمج “السيادة” على الأرض من خلال تصعيد الاستيطان والدفع بالمستوطنات في الدولة الإسرائيلية دون إعلان ضمها رسميا، بل عبر دمجها الفعلي بكل منظومات الدولة وأجهزتها يرتبط هذا الانزياح بعوامل سوسيولوجية ديمغرافية كتغيير قماشة المجتمع الإسرائيلي من مجتمع أكثر علمانيةً إلى مجتمع أكثر محافظة وتدينا.