توفيق أبوخوصة يكتب: هل الحرب باتت على أبواب شهر رمضان ؟؟
العدو الإسرائيلي ينتقل إلى مرحلة جديدة في مواجهة مسيرات العودة ، وهي الضرب في العمق ردا على الفعاليات الشعبية قرب السياج الحدودي الفاصل ، تصعيد إسرائيلي نوعي للردع بهدف إحباط مسيرة العودة الكبري منتصف مايو / أيار القادم في ذكرى النكبة ، الرسالة هنا موجهة بشكل خاص لحركة حماس ، و في نفس الوقت هي تعبير عملي عن عدم قدرة الكيان الإسرائيلي على تحمل حرب الإستنزاف الشعبية الممتدة على طول السياج الفاصل أو التعايش مع إحداثياتها الميدانية ، إنها لعبة عض الأصابع الفلسطينية الإسرائيلية التي دخلت في مرحلة أكثر قسوة ، فقد فشلت إسرائيل في خلق قواعد الردع اللازمة في مواجهة روح المقاومة الشعبية الفياضة لدى الشباب الفلسطيني الثائر و الغاضب التي فجرتها الممارسات العدوانية البشعة ضد المشاركين في مسيرات العودة للأسبوع الخامس على التوالي حيث أستشهد العشرات من الشباب وأصيب الألاف منهم جراء إستخدام الرصاص الحي و الغازات السامة المحرمة دوليا .
إن ما حصل بالأمس يمثل حالة من الهروب الإسرائيلي و الحمساوي للأمام وليدة الأزمات التي يعيشها الطرفان ، و لكنه مؤشر على إمكانية تغيير قواعد اللعبة و الإشتباك بشكل متسارع إذا ما أقدمت حماس على الرد و التصعيد العسكري ضد العدوان الإسرائيلي الذي يقف في محطة فارقة بين الردع الحاسم و الحرب المفتوحة ، بالمقابل فإن حماس سوف تتمسك إلى أقصى حد بالمقاومة الشعبية التي تحقق لها مكاسب سياسية و حزبية و تحسن من صورتها العامة في الوقت الذي تخسر فيه إسرائيل يوميا جراء بطشها و جرائمها اليومية التي يتابعها الرأي العام العالمي بإستهدافها للمواطنين العزل و الصحفيين و الأطفال و ذوي الإحتياجات الخاصة ، غير أن إسرائيل التي لاتبالي بالرأي العام و المواقف الدولية و تجد لها سندا غير مسبوق لتغطية جرائمها و الدفاع عنها ممثلا بإدارة أمريكية على رأسها ترامب ، لن تتورع أيضا في خوض مغامرة عسكرية عدوانية ضد قطاع غزة إذا ما خيرت بينها و بين مواجهة حرب إستنزاف شعبية بلا سقف زمني .
إذا كان صوت و حضور الفصائل الفلسطينية يغيب عن فعاليات المقاومة الشعبية في غزة التي شكلت تحولا هاما في معادلة الصراع و خلقت حقائق لا يمكن القفز عنها في التمسك بحق العودة و الجاهزية النضالية لدى الفلسطينيين بالرغم من سوء الظروف و مآسي الحصار و إجراءات السلطة الإنتقامية و تداعيات القسمة الكارثية في الساحة الفلسطينية ، فإن حماس هي الجهة الأكثر إستثمارا و إستفادة منها و ترى فيها فرصة للمساومة من أجل فك عزلتها و كسر الحصار المفروض عليها ، بالرغم من محدودية مشاركتها الميدانية ، إلا أنها تغطي على ذلك بالحضور الإستعراضي لعدد من قياداتها مثل إسماعيل هنية و يحيى السنوار في مواقع التماس ، و إطلاق المواقف و التصريحات الإعلامية ، علاوة على أن كادر حماس هو من يدير ما يسمى بالهيئة التنسيقية لمسيرة العودة ، وقد قامت بإحداث تغيير لافت في أهدافها عبر تسمية الفعاليات ” مسيرة العودة و كسر الحصار ” بعد خطاب لهنية بهذا الخصوص .
لقد باتت حماس تعتقد أنها تملك سلاحا أكثر جدوى و فعالية من كل ترسانتها العسكرية في المنازلة الحاصلة على السياج الحدودي الفاصل ، لذلك فهي لن تدخر جهدا في المحافظة عليه و تطويره ، ولن تتنازل عنه بالرغم من الضربات العسكرية المركزة الآخذة في التصعيد الإعلامي و الميداني ، غير أن إسرائيل قد تقرر في لحظة ما في إطار توجهاتها القادمة لوقف مسلسل الخسائر المادية و المعنوية التي تتعرض لها ، وقد لا يتأخر هذا القرار كثيرا في ظل إعلانها الصريح عن تغيير قواعد الإشتباك و الشروع في الرد العسكري بالعمق على مجريات الأحداث اليومية على السياج الفاصل ، و التصدي للطائرات الورقية الحارقة و دخان الكاوتشوك بالطائرات الحربية ” أف 16 – أف 35 ” و الزج بكل آلتها العسكرية في المعركة ، ومن المنتظر أن يشكل يوم الجمعة القادم معيار الجنوح الإسرائيلي للإقتراب رويدا رويدا من ساعة الصفر لشن عدوان واسع قد يسبق موعد الذكرى السبعين للنكبة و توقيت نقل السفارة الأمريكية إلى القدس في أضيق الإحتمالات ، و يرتبط ذلك أيضا بطبيعة المعادلات الإسرائيلية الداخلية و تقديرها الإستراتيجي في هذه المرحلة لإنعكاسات مثل هذا العدوان داخليا و إقليميا ، وهي تدرك جيدا أنها قد تكون تمتلك صافرة البداية في يدها لإعلان الحرب أما النهايات ستكون مفتوحة على كل الخيارات ولا يمكن التكهن بها ، وفي حال وقوع الأسوأ فهل سيغامر الرئيس عباس بالبحث عن التمكين لسلطته الملتبسة على أنقاض ما يتبقى من قطاع غزة بعد عدوان إسرائيلي مروع يدمر كل أشكال الحياة و مقومات الوجود فيه حسب أقل التقديرات الإسرائيلية جموحا ، ويرتبط ذلك بطبيعة تطور العدوان المتوقع و السيناريوهات المصاحبة له ، هذا ليس من باب التهويل أو التخويف بل من منطلق أخذ الأمور بكل ما لها و ماعليها ، مع قناعة ثابتة بأن مسألة وقوع العدوان الإسرائيلي مسألة وقت ليس أكثر تتعلق بالظرف المناسب لتفعيل ماكينة الموت و الدمار الإسرائيلية وما تستطيع تحقيقه من أهداف .