المركزي ومحاولة استنبات البذور في الهواء!! بقلم : د. أحمد يوسف
كنت كغيري من شعبنا الفلسطيني آمل أن يجتمع شمل المجلس المركزي بحضور كل أركان الوطن وفصائله، ولكن للأسف عنجهية البعض في ساحتنا، والإصرار على إدارة الأمور بعقلية فردية لا تتحمل الرأي الآخر أو حتى مشاورته، حالت دون تحقيق الاجماع.. إن مشكلتنا ليست في شعبنا العظيم، ولكن في دكتاتورية من يقول له: ما أريكم إلا ما أرى!!
ماذا كان يضير إخواننا في السلطة الفلسطينية والرئيس أبو مازن أو حتى حركة فتح تفهم مطالب الآخرين من شركاء الوطن وفعالياته الحزبية والوطنية بدعوة الإطار القيادي للتفاهم والاتفاق حول أجندة المؤتمر، بهدف الخروج برؤية وطنية جامعة وقرارات ملزمة للجميع؟ ! لماذاً يُصر الرئيس أبو مازن دائماً أن تمضي الأمور على طريقته ودون الرجوع لمشاورة أحد، هل هي فلسفة “العب وحدك تطلع راضي!!”
إن حركة حماس وعلى لسان أكثر من قيادي فيها (د. موسى أبو مرزوق، الأستاذ حسام بدران والأخ إسماعيل هنية) لخصت مطالبها المتواضعة للمشاركة في الحضور والعمل بكل بقوة لإنجاح المؤتمر في النقاط التالية:
1- أن يكون الاجتماع خارج الأرض المحتلة، لتتمكن كل الفصائل من المشاركة بعيداً عن ضغوط الاحتلال، واستعدت مصر ولبنان، فضلا عن غزة لاستضافته،
2- أن يسبق الاجتماع عقد لقاء عاجل للإطار القيادي الموحد لـ م.ت.ف ليكون هناك تحضير وإعداد جيد لمناقشة قضايا اجتماع المركزي،
3- مشاركة جميع الفصائل بالتحضير للاجتماع، وجدول أعماله..
للأسف، لم يصل رد على هذه المطالب كما ذكر د. عدنان أبو عامر، انسجاماً مع اللغة الفوقية والخطاب الاستعلائي الذي يمارسه الرئيس أبو مازن تجاه الآخرين، مما جعل من الصعوبة بمكان على حماس أن تشارك كديكور تجميلي، وشاهد زور، لمخرجات مشوهة من هذا الاجتماع!
فبعد ان كان الحماس للمشاركة قائماً، وكانت التوصيات باتجاه الحضور وتعزيز الموقف الفلسطيني، وإظهار قوة الجبهة الداخلية، إلا إن أسلوب التجاهل والعنطزة التي استمرأته قيادة السلطة في كل تحركاتها لم يترك خياراً أمام الآخرين بما فيهم الفصيل الأكبر جماهيرياً ومشروعية برلمانية إلا التخلي عن خيار المشاركة، حتى لا يقال بأن حضور حركة حماس لم يكن أكثر من ذلك المشهد السريالي والهزلي الذي عكسته مسرحية “شاهد ماشفش حاجة”!! مع الاعتذار للفنان عادل إمام.
إن الوطن يحتاج جهد الجميع وجهاده، وأن منطق التفرد والأنا لن يحقق لنا القوة التي نخيف بها الأعداء.. إن مواطن قوتنا كانت وستظل – يا سيادة الرئيس – في وحدتنا وعروتنا الوثقى، أما عمليات التنطع والتدليس فليست سلوكيات قيادية تبنى عليها الأوطان.
إن خطابك يا سيادة الرئيس جاء مخيباً للآمال، وما زلت تتعاطى مع شعبنا الفلسطيني بلغة فوقية، بالرغم أن محنتنا وكارثتنا الوطنية لك فيها نصيب الأسد!!
إننا وبعد هذا الاجتماع للمركزي، وهذه المخرجات الهزيلة للقاء، فإن اليقين يدفعنا للتحرك باتجاه هبَّة شعبية عارمة، تجعل هذا البعض الذي يتلاعب بمصائرنا يعيد حساباته.. نعم؛ سيخرج المجلس الوطني – كالعادة – بقرارات لا تختلف من ناحية سياقها الوطني عن اجتماع المجلس المركزي عام 2015، ولكن ستذهب كل تلك القرارات – وهذه توقعاتنا – أدراج الرياح، كما ذهبت سابقاتها!! بلوشي يعني؛ أي “Hot Air ” كما يقول الأمريكان، والسبب أن خيول هذه القيادة غير مسرجة، كما أنها لعجزها لا تصهل!!
هل رأيتم بذوراً تزرع في الهواء؟ إنها عمليات استخفاف واستظراظ لعقولنا، وتجاهل لقدراتنا، فنحن كشعب يتم النظر إليه من قبل هؤلاء كببغاء عقله في أذنيه!!
إن إرادة الحياة وما تنتظره من استجابة تفرض على شعبنا التطلع لقيادة وطنية جديدة؛ تعرف المكانة المطلوب تحقيقها، وحدود الصلاحيات الممنوحة لها، وليس قيادة أخذتنا بقراراتها الخاطئة والمتهورة إلى التهلكة، وأحلَّت شعبنا دار البوار.. لقد ضللتنا هذه القيادة لأكثر من ربع قرن بوعود زائفة، وأفرغت منسوب الوطنية من فعلنا المقاوم، بدعوى امتلاكها الرؤية وأوراق الحل!!
هل بعد كل هذه الأخطاء والتضليل الممنهج تصلح مثل هذه القيادة في الرهان عليها؟ إن فاقد الشيء لا يعطيه يا كرام، فلا تعقدوا أملاً عليها، وتحركوا – ما استطعتم – مطالبين بتفعيل العملية الديمقراطية من أجل إزاحتها.
لقد أعجبتني تغريدة الأسير المحرر محمود مصطفى مرداوي في تقييمه لخطاب الرئيس في افتتاح اجتماع المجلس المركزي، حيث قال: إن خطاب الرئيس محمود عباس لم يكن بمستوى التحديات، ولم يكن رداً على قرار استهدف القدس ومصيرها، خطاب تقليدي تخلله مفردات غير سياسية لا تليق برئيس، ولا تعكس سمت كهل كبير في السن. فالخطاب امتاز بالهزل بما لا يليق بالقدس وما تتعرض له، والقضية وما يقع عليها من مخاطر!! لقد تحول الرئيس في هذا الخطاب لمؤرخ أطال واستغرق في عباب التاريخ على حساب تحديد أدوات ووسائل عمل حقيقية توازي المخاطر والتحديات. لقد غاب عن الخطاب التشخيص الحقيقي لمسببات ما آلت إليه القضية ويتعرض له الوطن، وبدلاً من أن يتحمل المسؤولية ويتحلل من الأسباب الحقيقية المتمثلة باتفاق أوسلو وعصاته الغليظة على المقاومة (التنسيق الأمني) على مدار ٢٦ عاماً في ظل حلفاء وأصدقاء مكّنهم وخانوه ولا زال يعول عليهم!! وبدلاً من أن يحترم المعارضة ويتفهم منطلقاتها ويشكرها على المواقف الوطنية عندما نبهت وحذرت، ويبحث عن جسور توافق وشراكة حقيقية معها يهاجمها!! ويستخف بها وبالمقاومة، ويتفاخر برفضه لها!! وفوق هذا يصفق له الحضور، بينما يذم البندقية التي حملها الشهداء، واعتز بها الأوفياء، وكانت ولا زالت من فوهتها تُرى فلسطين والقدس عاصمة لها، وتؤشر لمسار التحرير والخلاص من الاحتلال والاستعمار.. إن خطاب الرئيس عباس محزن لم يرتق للمطلوب، وأخفق في حماية الدفع باتجاه الوحدة في ظل المخاطر والتحديات.
لقد شدتني هذه التغريد بمنسوب الوعي الوطني فيها، كونها تجسد مشاعر أسير أنفق سنوات طويلة من عمره من أجل القدس وفلسطين، وبتضحياته وإخوانه الذين بذلوا أرواحهم، وجد الرئيس أبو مازن والكثير من قيادات السلطة طريق عودتهم إلى أرض الوطن، وأصبحت لغة الكثيرين منهم للأسف تمرر على شعبنا في سياقات غير وطنية!!
إن كلمة الفصل وبيت القصيد، أننا بتنا اليوم وأكثر من أي وقت مضى ندرك بأن القيادة الحالية لسلطتنا الوطنية لا تصلح بحالٍ لقيادة شعب الجبارين، وعليها الترجل والرحيل.