شفا – كتب القيادي في حركة حماس الدكتور أحمد يوسف، مقالة عبّر خلالها عن موجبات تحقيق المصالحة الوطنية، ومفاهيم العمل الوطني السليم للخروج من حالة الانقسام المقيت الذي يهدد الواقع السياسي والمجتمعي الفلسطيني.
وقال الدكتور يوسف في مقالة له
“في ظل وفرة المعروض من المبادرات التي تقدمت بها جهات مختلفة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، وغياب التفاعل الجاد معها، واستمرار حالة التردي التي تبعث على الخوف والقلق داخل ساحتنا الفلسطينية، فإني أنادي بقيام جبهة وطنية عريضة يكون الشباب جوهر حراكها، وعماد قوتها الدافعة، مع نخبة تمثل قيادتها، وتعمل على استلام دفة التوجيه السياسي والمجتمعي، والدعوة إلى انتخابات محلية على مستوى الاتحادات الطلابية والتجمعات المهنية، ومن ثمَّ المطالبة بالعودة مجدداً إلى صندوق الانتخابات التشريعية والرئاسية، بهدف فرض معادلة جديدة، أكثر توازناً وقدرة على التعاطي مع الخيارات والأفكار المطروحة، بعدما أثبتت كل القوى الوطنية والإسلامية أنها عاجزة عن الخروج بنا من المأزق، وتجاوز عشرية محنتنا الوطنية، والتي وضعت شعبنا داخل متاهات متشعبة من الأنفاق، كثر فيها النفاق وغياب الآفاق، كما أنها خطفت المشهد السياسي، وشلَّت بذلك الحراك المجتمعي، وترنَّحت مع هذه الأجواء المتقلبة بوصلة الهداية والرشاد، وغدا الجميع يمشى مكباً على وجهه، حيث تعثرت الرؤية وضاعت معالم الطريق!!
من الجدير ذكره، أننا ومنذ وقوع كارثة الانقسام قبل عقد من الزمان، قدَّمنا الكثير من الأفكار المكتوبة والشفوية لطرفي الأزمة كطريق للخلاص واجتماع الشمل، ونشرنا الكثير منها في الصحافة المحلية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، لم نترك جهة قيادتية في ساحتنا الفلسطينية إلا وخاطبناها، وحاولنا أن نجسر هوَّة الخلاف وأن نجبر تداعيات الانقسام بما أوتينا من صداقات مع الجميع، إلا أن كل ما بذلناه وبذله الآخرون ذهب أدراج الرياح.
في الشهور الماضية دعمنا تفاهمات حماس ودحلان، وسعدنا بانفراج العلاقة مع مصر، كما أننا دعونا إخواننا في الحركة – وبقوة – إلى ضرورة الانفتاح على الرئيس أبو مازن، بالرغم مما كان بين حماس وكل واحدٍ منهما، وهو أكثر – بالتأكيد – مما صنع الحداد!! وذلك بأمل أن يقودنا مثل هذا الحراك وتلك التفاهمات للوقوف على أرضية نستعيد فيها شيئاً من الثقة المجروحة بيننا، التي افتقدناها بعد الأحداث المأساوية في يونيه 2007، وتشجيعنا لخلق ديناميات تُعجِّل بإجراء الانتخابات؛ لأنها اليوم – وبصراحة – قد تكون هي المخرج أو طاقة الفرج ليتنفس شعبنا العظيم الصعداء.
إن الغرض وما نقصده من كل هذا الكلام هو أن تظل العملية الديمقراطية حاضرة في واقع حياتنا، وألا يشعر كلُّ من يجلس على الكرسي أنه قدرنا الذي لا نحيد عنه، فيأخذنا ببلاهته، وجهل البطانة من حوله، وبرؤيته الحزبية البغيضة، إلى حيث ألقت.. فنحن لسنا قطعاً على رقعة الشطرنج يتلهى بها هذا القائد أو ذلك الزعيم، نحن شعب الجبارين، وساكني الأرض التي بارك الله فيها للعالمين، وبعث سبحانه على ثراها الأنبياء والصالحين، ولسنا مثل أولئك الذين تمَّ الاستخفاف بهم للطاعة من الآخرين.
إن الحالة الكارثية التي أنشأتها – بالدرجة الأولى – صراعات فتح وحماس، وعجز الكثير من فصائل العمل الوطني، وتحول أكثرهم إلى جهات “أرزقيِّة” وأشبه بجوقة من السحيجة لولي الأمر وصاحب النعمة، هي – اليوم – بأمس الحاجة للتغيير والاصلاح، والذي يجب – ليأتي أُكله – أن ينطلق من الأسفل، أي من القواعد المهمشة والمخيمات، ومن الجيل الشبابي الذين أضعنا مستقبلهم، ومعه – للأسف -ضاع الوطن…!! وهذه قضية لنا معها قراءات وتحليلات أوسع في تفاصيل قادمة.
إن الشخصيات الوطنية المؤثرة، والعناصر الخيِّرة من رجال المال والأعمال، وأصحاب القدرات والطاقات من قوى الفعل الشبابي، ونخب المجتمع من الأدباء والمفكرين والتكنوقراط، هم اليوم من تُعلق عليهم الآمال أكثر من غيرهم، وهم كذلك من توجه لهم النداءات، لإنشاء هذه الواجهة الحركيِّة الجامعة، بلا أيدولوجيات أو أشكال من عصبيات الجاهلية.. إن جبهة وطنية عريضة تُفتح فيها الأبواب لاستيعاب الجميع، بلا خرائط حزبية وفصائلية أو حتى قبلية، ربما تكون اليوم هي البديل وخيار الضرورة، والسبيل لخلق حالة من التوازن المطلوب لكسر احتكار المشهد السياسي لكل من فتح وحماس.
إن الحالة الكارثية والمعيشية المتردية التي وصلنا لها على مستوى الشعب وقضيته الوطنية، تقول لنا: إن من صنعوا المشهد السياسي واحتكروه اليوم قد ضلُّوا سبيلهم وأضلونا السبيلا، وبالتالي: لابدَّ من إعادة تشكيل الواقع بمشهد جديد، مشهدٍ يحمل في طياته الأمل وإشراقة الحق المبين.
إن عناوين الطهارة والوطنية أضحت لغة تلوكها الألسنة، فيما واقع الحال غير ذلك، وهذا ما يستدعي حراكاً جماهيراً واسعاً، يكون الشباب سواعده وأكتافه وطاقة عطائه التي لا تنضب، ولكنَّ – وهنا بيت القصيد – هذا الحشد والزخم الجماهيري يحتاج أيضاً إلى صناعة قيادة تأخذ بيده، ويكون عنوانها الرجل الوطني الرشيد، والذي سنشد عضضه بالكثير من إخوانه من أصحاب الحكمة وأهل البصيرة والرأي السديد.
في الماضي، وقبل أكثر من سبع سنوات، قمنا بتشكيل هيئة الوفاق الفلسطيني، وكان أمل البعض منَّا أن تكون هي النواة لهذه الجبهة الوطنية العريضة، كما حاول غيرنا كذلك، ولكننا جميعاً أخفقنا، ولم تكلل جهودنا حتى اللحظة بالنجاح، بسبب تغول الكبار، وانسداد أفق الحياة الديمقراطية، كما أننا سنظل نظلع ونتعثر إذا ما استمرت حياتنا بلا حراك سياسي ديمقراطي، وغدا واقعنا مجرد مراوحة – بلا روح – في نفس المكان، والاقتصار على ذكر البطولات والأمجاد، عبر التغني بأهازيج القبيلة والرقص تحت رايات العشيرة، بغض النظر عن كل الصفحات التي نحترمها لتاريخها وشعاراتها وتضحياتها الوطنية وعظمتها الزمانية والمكانية.
إن الجبهة الوطنية التي ننادي بها الجميع، هي اليوم مجرد مضغة تتشكل، وحراك نتطلعٍ من خلاله للخروج من وحل السياسة، ومأزقها الذي علقنا به، والذي يشجعنا ويدفعنا للتفاؤل هو ما ننتظره من حراك سياسي وانفراج مع التيار الإصلاحي لحركة فتح، والذي نأمل من خلال تفاهماته مع حركة حماس أن يمنح الساحة السياسية فضاءً أرحب للتحليق، بحيث تصبح مثل هذه الأفكار التي نطلقها لها أجنحة من الحرية للتحليق بها.
فإن عجزنا عن بعث الحياة في هذه الفكرة، وتجسيدها على أرض الواقع، واكتشفنا أنها مجرد تطلعات وأضغاث أحلام أو كما يقول المثل: “نقبك طاع على شونة”، فحسبنا أننا طرحناها كرؤية تفاكرية لأجيال فلسطينية قادمة، ويكفينا – الآن – أجر الاجتهاد في الدعوة إليها، والتذكير بها، والله من وراء القصد.
إنني أفتح ذراعي وأمد قلمي مع العشرات من أصحاب الهمِّ الوطني لتحمل هذه الأمانة ونأمل أن نجد التفاعل المطلوب من الآخرين لمباركة مثل هذا الحراك، وفعاليات أخرى قائمة على شاكلته داخل ساحتنا الفلسطينية”.