شفا – دعا أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية إلى تضافر الجهود لحماية التراث الثقافى العربى المهدد جراء عمليات التدمير الممنهج والنهب والسرقة بسبب تفشى الإرهاب والتنظيمات المتطرفة، مثلما هو الحال فى العراق وسوريا وليبيا، واستمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية من جهة أخرى .
جاء ذلك خلال كلمة أبو الغيط التى ألقتها نيابة عنه السفيرة الدكتورة هيفاء أبو غزالة الأمين العام المساعد رئيس قطاع الإعلام والاتصال أمام احتفالية الجامعة العربية بيوم المخطوط العربى، التى نظمتها تحت شعار “التراث فى زمن المخاطر”، بالتنسيق مع معهد المخطوطات العربية.
وشد أبو الغيط على ضرورة العمل على حماية واسترداد المخطوطات سواء أصول هذه المخطوطات أو مصوراتها، وإنشاء فهرس عربى موحدٍ لها، ووضع الأطر القانونية لمنع سوء التصرف بها والحفاظ عليها.
ودعا أبو الغيط الدول العربية إلى الاستئناس بالقانون النموذجى لحماية المخطوطات فى البلدان العربية، الذى أقره وزراء الثقافة العرب عام 1987 باعتباره قانونًا نموذجيًا لحماية المخطوطات وصيانتها وترميمها والحيلولة دون تشويهها وتسربها، وذلك لوضع تشريعات قانونية للحفاظ على تراثنا المخطوط باعتباره ثروة قومية كان له دور فاعل فى صنع الحضارة الإنسانية.
ونوه أبو الغيط فى هذا الصدد بدور المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم على جهودها الحثيثة والنشطة فى المحافظة على التراث العربى والدفع بالعمل العربى المشترك فى المجال الثقافى.
وأكد ابو الغيط اهمية الاحتفال بيوم المخطوط العربي في ضوء النزاعات والصراعات الخطيرة التى تعتصر العديد من الدول العربية وتهدد الإرث الحضاري والثقافي الذى يعد أحد أهم عناصر الهوية العربية والذاكرة الحية للأمة؛ مؤكدا ان هذا الموروث يشكل ثروة ثقافية ووطنية يجب المحافظة عليها من التدمير والضياع والاهمال ومحاولات الطمس والتشويه.
واشار الى ان التراث المخطوط الذى يقدره معهد المخطوطات العربية بحوالي ثلاثة ملايين، يعتبر جزءاً لا يتجزأ من هذا الموروث الثقافي والحضاري حيث يمثل كنزا حضاريا وتاريخيا وثقافيا نظرا لما يمثله من قيمة علمية وتاريخية ويظل دائماً شاهداً على مدى تقدم العرب في مختلف مجالات العلوم.
ولفت ابو الغيط الى ان الحروب الضارية التي شهدت منطقتنا العربية عبر التاريخ اثرت سلباً على تراثها المخطوط، اذ كان يتم تدمير المخطوطات اما اغراقا او حرقا، كما تعرض هذا التراث للسرقة والترحيل الى الخارج. حيث شهدت نهايات القرن الحادي عشر الميلادي أول وأكبر عملية اعدام للتراث المخطوط في الشام ومدنه، حيث دمرت الحملة الصليبية الأولى مائة ألف مخطوط من المخطوطات النفيسة في مجالات العلوم والادب والفلسفة والفلك. وفى منتصف القرن الثالث عشر الميلادي اجتاح المغول بغداد –أكبر عاصمة للمخطوطات في العالم-، وقاموا بإغراق تراثها المخطوط في نهر دجلة. ومع نهاية القرن الخامس عشر الميلادي شهدت الأندلس جريمة أخرى اُرتكبت في حق التراث المخطوط حيث تم احراق مليون مخطوطة في كل من قرطبة وغرناطة.
كما تواصل التدمير الممنهج لإرث المخطوطات فى بدايات القرن الحادي والعشرين الميلادي مع الاحتلال الأمريكي للعراق واجتياح المتحف الوطنى بالدبابات وتم تدمير المخطوطات وتهريبها الى الخارج، ثم يأتي الدمار الذى حلّ بسوريا، حيث نال الارهاب الغاشم من التراث، ودُمر التراث المخطوط في مدينة حلب جراء القصف المستمر للمساجد والمكتبات الحاضنة لهذا التراث.
كما لفت ابو الغيط الى فلسطين التى وقع تراثها المخطوط في براثن الاحتلال الإسرائيلي الذى قام بتشويهه وطمسه وتزويره واستخدامه في دعم مزاعمه الباطلة.
وقال ابو الغيط انه ايماناً من جامعة الدول العربية بضرورة الحفاظ على تراث الأمة العربية وضرورة ترسيخ عملية الحفاظ علي هذا التراث، وذلك بموجب المادة السادسة من المعاهدة الثقافية التي أقرها مجلس الجامعة العربية عام 1945 بأن دول الجامعة العربية “تتعاون على إحياء التراث الفكري والفني العربي والمحافظة عليه ونشره وتيسيره للطالبين بمختلف الوسائل”، أنشئ معهد المخطوطات العربية -أو معهد احياء المخطوطات كما كان يُطلق عليه في السابق- بهدف رصد التراث العربى المخطوط، والحفاظ عليه وصيانته، وتحقيقه ونشره، وفهرسته ودراسته.
ومنذ ذلك الحين حرصت الجامعة في إطار اهتمامها بالتراث على ايجاد الآليات اللازمة للحفاظ عليه وحمايته، ومنها إنشاء لجنة دولية للحفاظ على التاريخ الوطني الإنساني، بمشاركة منظمات اليونسكو والالكسو والايسيسكو والبرلمان العربي، والتي وجهت بإعداد موسوعة التراث الثقافي العربي. كما حرصت الجامعة على تخصيص يوم للاحتفال بالتراث الثقافي العربي وهو يوم 27 فبراير من كل عام، وأصدر مجلس جامعة الدول العربية قراراً على المستوى الوزاري في هذا الصدد فى شهر مارس 2016، هذا اضافة الى الجهود المبذولة لصياغة استراتيجية عربية لحماية التراث العربى المهدد بالتدمير، واطلاق مرصد التراث المعمارى والعمرانى في البلدان العربية من قبل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم تنفيذا لقرار مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية فى الوطن العربى عام 2012.
واوضح ابو الغيط ان الاحتفال بيوم المخطوط العربي، يأتي تفعيلا للميادرة التي أقرها الوزراء المسؤولون عن الشئون الثقافية في الوطن العربي عام 2013 وتبنتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم باعتماد الرابع من شهر أبريل من كل عام ليكون يوماً للمخطوط العربي وهو يوافق تاريخ انشاء معهد المخطوطات العربية في عام 1946.
كما هنأ ابو الغيط في كلمته امام الاحتفالية، مصر بمناسبة اعلان مدينة الأقصر عاصمة للثقافة العربية لعام 2017؛ هذه المدينة التاريخية العريقة التى تحتوى على سدس آثار العالم، متمنياً كل التوفيق والنجاح للفعاليات المصاحبة لهذه المناسبة طوال عام 2017 من أنشطة ثقافية تهدف إلى النهوض بالعمل الثقافي العربي المشترك.
شهد الاحتفال تكريم المؤسسات والشخصيات التي حققت انجازات وإسهامات ملموسة في مجال الحفاظ على التراث المخطوط، بينها مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث بدولة الامارات العربية المتحدة (مؤسسة العام التراثية)، والدكتور عادل سليمان جمال باعتباره (شخصية العام التراثية)، والدكتور المهدى عيد الرواضية (كتاب العام التراثى).