على كثرة وأهمية الملفات المختلفة التى سيناقشها الرئيسان، السيسي وترامب، لكن يبقى الأهم فى هذه الزيارة التى تعد الأولى لرئيس مصرى الى الولايات المتحدة الأمريكية منذ 2004 هو إعادة صياغة العلاقة بين الدولتين وفتح صفحة جديدة تقوم على الندية والتعامل باحترام، فلا واشنطن تنظر الى القاهرة بأنها تابعة، ولا القاهرة تنظر لواشنطن باعتبارها الكفيل الذى لا تجوز مخالفته أو عصيان أوامره، فقد ولى هذا الزمن بلا رجعة مثلما ولى تماما عهد التخويف والترهيب بالمعونة،
السيسى سيقابل الرئيس ترامب ندا وليس تابعا، متحدثا وليس منصتا، طالبا وليس مأمورا، فالمصالح متبادلة والقوى متوازنة، ومثلما تحتاج مصر للولايات المتحدة فى الملف الاقتصادى والعسكرى، فالولايات المتحدة تحتاج لمصر فى ملف مكافحة الإرهاب وحل الكثير من ألغاز المنطقة التى تهدد مصالحها بشكل مباشر.
المؤكد أن الإدارة الأمريكية الجديدة تعرف جيدا مكانة مصر وأهميتها الاستراتيجية فى المنطقة وأن رئيسها يقف خلفه شعب تثق أغلبيته العظمى فى قيادته وتحركاته وتوجهاته، وأنه من الغباء الاستهانة بهذه المكانة أو العداء مع مصر أو قيادتها السياسية وشعبها، وأن ما فعلته إدارة أوباما على مدى السنوات الماضية لم يكن سوى تضحية بمصالح استراتيجية لواشنطن فى الشرق الأوسط دون فائدة .
والمؤكد أيضا أن ترامب كما وضح من تصريحاته وتوجهات أركان إدارته يريد تصويب العلاقة لتصبح قائمة على التعاون الإيجابى والمصالح الحقيقية للشعبين.
وبهذه الروح أيضا يذهب الرئيس السيسى الى واشنطن ولديه الكثير من الملفات التى تعقدت بسبب الانحياز الواضح من إدارة أوباما ضد ثورة 30 يونيو وإصرارها على عودة الجماعة الإرهابية.
لغة الحوار المتفاهمة والبحث عن المصالح المشتركة هى الأهم فى هذه الزيارة التى ستفتح الأبواب المغلقة بين الدولتين منذ سنوات، وتراجع كل ما تم اتخاذه من مواقف خاطئة وانتقامية لا تتناسب أبدا مع وضع دولتين لا يصلح أن يستغنيا عن بعضهما البعض.
ولهذا فاللغة المشتركة بين الرئيسين سوف تفرض نفسها على الملفات المختلفة وستضع حلولا واضحة لكثير من الملفات سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو قضايا المنطقة برمتها.
ولدى مصر حزمة من المطالب التى يحملها الرئيس معه الى واشنطن وفى مقدمتها العشوائية الدولية المتعمدة فى مواجهة إرهاب داعش الذى يتمدد فى المنطقة بفعل دعم دول وأجهزة مخابرات بعينها يعرفها الجميع ولم يتخذ المجتمع الدولى أى موقف واضح ضدها، رغم ما يدفعه العالم من ثمن باهظ لهذا الإرهاب.
لدى مصر أيضا مطلب خاص بالتعاون العسكرى والأمنى الذى يستهدف دعمها فى حربها التى تخوضها ضد الإرهاب ليس لحماية نفسها فقط وإنما للدفاع عن المنطقة بشكل عام، فمصر تحارب تنظيمات تهدد المنطقة والعالم، كما يحمل الرئيس ملفا للتعاون الاقتصادى وزيادة الاستثمارات الأمريكية ورفع مستوى التبادل التجارى.
لدى مصر أيضا مطالب محددة لإنهاء حالة الفوضى الليبية وتخليصها من تحكم الميليشيات المسلحة وإعادة مؤسسات الدولة، وكذلك دعم الحل السياسى كخيار وحيد للأزمة السورية.
وستكون القضية الفلسطينية واحدة من أولويات القمة، ولدى الرئيس السيسى مطالب واضحة تعبر عن الموقف العربى فى الملف، وعلى رأسها الغاء فكرة نقل العاصمة الى القدس الشرقية، واتخاذ خطوات واضحة فى سبيل إنجاز حل الدولتين والتصدى الجماعى للمستوطنات الإسرائيلية.
أعتقد أن الزيارة وإن كانت فى ظروف صعبة ويحاول اللوبى الداعم للجماعة الإرهابية تعكيرها، لكنها ستخرج بنتائج إيجابية ورؤى متقاربة إن لم تكن متطابقة فى كثير من القضايا، والأهم أنها ستعلن شكل العلاقة الجديدة بين القاهرة وواشنطن، علاقة تحكمها المصالح والندية والتكافؤ وليس شيئا آخر.