في فلسطين المرأة الفلسطينية ليست ضحية إحتلال غاشم فرض عليها المزيد من الأعباء والمسؤوليات والنضالات والتضحيات،ولكن هي ضحية قيود وموانع اجتماعية كثيرة تحد من حريتها وتصادر الكثير من حقوقها،فهي نظرياً نصف المجتمع،ولكن في سياق الفعل والممارسة،يدفع بها نحو التهميش سياسياً واقتصادياً واجتماعياً،وتتعرض لأبشع اشكال الإستغلال،….وفي عالمنا العربي بفعل ما يسمى ب” الثورات” او الربيع العربي،وصلت الأمور حد “تسليع” المرأة،بحيث أصبحت تباع وتشترى كأي بضاعة،وحتى أصبحت تباع في سوق النخاسة بفعل العصابات التكفيرية من “داعش” و”جبهة النصرة” وغيرها من العصابات والتشكيلات الإرهابية،كما حدث مع النساء اليزيديات في العراق والنساء السوريات،واستغلت ابشع استغلال من قبل تلك الجماعات التكفيرية والإرهابية،والتي وظفت الدين واستغلته ليخدم مصالحها واهدافها وإشباع جوعها ونهمها الجنسي،وخلق إجازة وتشريع ما يسمى ب”جهاد ” النكاح” مشكلة اجتماعية تضاف للمشاكل الكبيرة التي تعاني منها مجتمعاتنا العربية،وهي الأولاد غير الشرعيين كنتاج لهذا الجهاد ” النكاحي” الذي شكل تطاولاً على وتشويهاً للمعنى الحقيقي للجهاد.
الأم الفلسطينية في ظل ما يعيشه شعبنا الفلسطيني من إحتلال وتجليات لهذا المحتل من قمع وتنكيل وعقوبات جماعية وإعتقالات وإستشهاد وغياب رب الأسرة الزوج او الأب او الإبن..الخ، يعني بأن هذه الأم الفلسطينية،مطلوب منها ان تناضل على اكثر من جبهة او صعيد،فهي مطلوب منها ان تكون ام وأب لأطفالها الذين والدهم دفع ضريبة الوطن والنضال،واعتقل على خلفية ذلك،مطلوب منها التعويض في المشاعر والعواطف والتربية والدراسة والتعليم وتامين وسائل العيش،والقيام بكل الأعباء المنزلية،ويضاف لذلك ما تعانيه وتتعرض له من ذل ومهانة ومس بالكرامة والمشاعر،خلال رحلة العذاب لزيارة زوجها او ابنها المعتقل،على يد السجانين والسجانات،من طول فترة الإنتظار باب السجن تحت حر الصيف وبرد الشتاء،والتفتيشات المذلة والمهينة،والتي تصل احياناً حد التعرية للجسد.
وكذلك هي أم الشهيد والتي ليس مطلوب منها تربية أطفالها وتامين عيش كريم لهم وتعليم،وتعويضهم عن مشاعر الحب وحنان فقدان الأب،بل هي احياناً تصبح بلا ماوى،بسبب قيام الإحتلال بهدم بيت الزوج او الأسرة،وقد تعيش رحلة تشرد في ظل غياب إحتضان حقيقي من قبل السلطة والمجتمع يؤمن لهم البيت البديل،أو تصل الأمور حد الفصل بين الأم واطفالها،كما حصل مع زوجة الشهيد غسان أبو جمل وغيرها،حيث قام الإحتلال بإبعاد زوجة الشهيد “ام الوليد” الى السواحرة الشرقية،بعد ان سحب إقامتها،وأبقى اطفالها الثلاثة،والذين هم بحاجة الى رعاية وعلاج في جبل المكبر في كنف جدهم بعيداً عن امهم.
القوانين والتشريعات ما زالت مجحفة بحق المرأة سواء على صعيد الأحوال الشخصية او العمل أو الحقوق،ويضاف لذلك الكثير من القيود والموانع الإجتماعية،التي تحد من حرية المرأة ومشاركتها في العملية الإنتاجية،او تقلد مناصب ووظائف معينة،وحتى التفرقة في الراتب،ومع قيام ما يسمى ب” الربيع العربي” إزداد وضع المراة المسحوق سحقاً،حيث الجماعات الإرهابية والتكفيرية،وما تحمله من أفكار غريبة،فرضت المزيد من القيود على المرأة،لجهة التدخل في أدق خصوصياتها،والحرمان من التعليم أو حتى السفر والعمل،واخذت تتفنن في إصدار الفتاوي والقوانين،التي جلها يركز على كيفية إستغلال جسد المرأة جنسياً،وفرض المزيد من القمع والإضطهاد عليها.
ففي الوقت الذي قطعت فيه المرأة على الصعيد العالمي شوطاً كبيراً على صعيد الحقوق والحريات وتقلد المناصب العالية،بما فيها السلطة الأولى في البلد،ما زال الجدل يحتم في العديد من البلدان العربية،حول حق المرأة في قيادة السيارة،او هل يحق لها السفر بالطائرة بمحرم او بدون محرم..؟؟ ولعل الجميع يعرف كيف قضت طالبة جامعية في السعودية نحبها في إحدى الجامعات هناك،نتيجة نوبة قلبية أصيبت بها،ولم يسمح لسيارة الإسعاف بالدخول الى الحرم الجامعي،من اجل إنقاذها لكون سائق الإسعاف رجل،أي تخلف وجهل هذا …؟؟
في مجتمعاتنا العربية تسود بطريركية قهرية للمرأة وحقوقها وطاقاتها وصولاً الى تعنيفها وإختزالها،فيختزل الشعب ولا ينهض،وليس ثمة شعب ينهض بدون نهوض المرأة،وتقاس حرية الشعوب بقدر تحرر النساء فيها “لينين”.
ما تعيشه مجتمعاتنا العربية الآن نتيجة الحروب المذهبية والطائفية،والمترتب عليها الكثير من الأعباء الإقتصادية والإجتماعية والأسرية،وما تخلقه وتخلفه من مشاكل تدفع نحو التفكك الأسري والإنحراف السلوكي والأمراض الإجتماعية،حيث جيش الأرامل المترتب على قتل وإستشهاد الكثير من الرجال أرباب وعوائل الأسرة،وغياب الحضانة والرعاية لهذه الأسرة،بسبب ضعف الدول وإمكانياتها،يراكم الكثير من المشاكل والهموم الإجتماعية والإقتصادية والإسرية وحتى الجنسية.
نحن نعيش فلسطينياً وعربياً وتعيش المرأة فيها،حالة من عدم الإستقرار،وتخوض نضالاً وكفاحاً وصراعاً على كل الجبهات وفي كل الساحات والميادين،صراعاً من اجل حماية حقوقها وانتزاع المزيد منها،صراعاً يضمن لها العيش بحرية وكرامة وامن وامان،في وقت نشاهد “تغولاً” و”توحشاً” على تلك الحقوق والحريات،وأيضاً هي تخوض النضال والكفاح كشريكة الى جانب زوجها وابنها واخيها وأبيها في الميدان من اجل الدفاع عن وطنها،وضد كل إجراءات وممارسات الإحتلال القمعية،ولذلك نجدها تستشهد وتعتقل وتهان،وفوق كل ذلك نجد هناك من لا يقدر لا نضالاتها ولا تضحياتها،بل يوجه سهام نقده الخبيثة لهذا الشكل من أشكال المقاومة والنضال.
تغيب الإحتفالات الحقيقة عن المرأة العربية والفلسطينية في الثامن من آذار،حيث الكثير من الشعوب تنعم بالحرية والأمن والإستقرار،ولديها الكثير من الحقوق،والقوانين والتشريعات التي تصونها،والمرأة لا تعاني من قمع واضطهاد وتنكيل،كما هو الحال عندنا،حيث الإحتلال والحروب المذهبية والطائفية،ألقت بالكثير من الأعباء والهموم والمشاكل وهضم الحقوق،ولا نخال انه في ظل سيطرة الفكر التكفيري و”الداعشي” على الفضاءين الثقافي والإعلامي،وغياب الوعي والفكر التنويري،والأطر والأحزاب الثورية والتقدمية والديمقراطية الحقيقية،والمؤسسات المجتمعية،التي تؤمن فعلاً وممارسة بحرية المرأة وحقوقها ودورها في المجتمع،سيمكننا من إنتشال واقعنا من الجهل والتخلف،فالمرأة هي لبنة أساسية في التربية والبناء والتغيير،وعندنا توضع في “قمقم” خاص،ويسطا على الكثير من حقوقها وتصادر الكثير من حرياتها، فلا إمكانية لنهوض امة او شعب بعد ذلك.
راسم عبيدات