وصل السيد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إلى الأردن يوم الخميس الثامن والعشرين من يونيو 2012، في زيارة اتخذت الطابع الرسمي بدليل لقائه مع العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لقاءا كان ايجابيا للغاية كما يستنتج من تصريحات مشعل نفسه، إذ شدّد على عمق العلاقات التي تجمع الأردن والشعب الفلسطيني، مخاطبا العاهل الأردني ( إنّ الأردن وجلالة الملك في قلوبنا وعلى رؤوسنا دوما… نحن يا جلالة الملك في خدمة الأردن في كل القضايا ). وأوضح مشعل ( أنّ الاجتماع يأتي في وقت مهم في إطار إدامة التنسيق والتشاور بين الجانبين) مؤكدا ( الحرص على تنمية العلاقة مع الأردن في جميع المجالات). ومن غزة هاشم أكّد سامي أبو زهري الناطق باسم الحركة ( أنّ الزيارة تتركز حول العلاقة بين حماس والأردن، والقضايا السياسية المتعلقة بالشأن الفلسطيني). ومن المهم التذكير بأنّ هذه هي الزيارة الأردنية الرسمية الثانية لخالد مشعل، إذ كانت الأولى في يناير 2012 بصحبة ولي العهد القطري الشيخ تميم بن حمد، والتقى مشعل أيضا العاهل الأردني. وقبل ذلك زار الأردن زيارتين في مناسبتين عائليتين، الأولى للمشاركة في تشييع جنازة والده المرحوم عبد الرحمن مشعل في التاسع والعشرين من أغسطس عام 2009 ، وكبادرة إنسانية قامت أمانة العاصمة عمّان بتجهيز القبر الذي وري فيه جثمانه في منطقة صويلح التي ظلت تستقبل المعزين طوال ثلاثة ايام. والثانية لزيارة والدته أثناء مرضها في نهاية سبتمبر 2011 ، ورغم أنّها زيارات شخصية عائلية لم يرافقها أية نشاطات سياسية أو لقاءات صحفية لخالد مشعل، إلا انّها كانت بدايات ذوبان جبل الجليد بين حماس والأردن، هذا الجبل الذي بدأت تراكماته منذ عام 1999 ، عندما طلب الأردن من خالد مشعل وبعض رفاقه في قيادة حماس بمغادرة الأردن، بسبب تداعيات وتشابكات قانونية ودستورية، حيث أنّهم يحملون الجنسية الأردنية وفي الوقت ذاته أعضاء وقيادات في حركة أو تنظيم فلسطيني، وهذا ما لا تسمح به قوانين كافة الديمقراطيات الأوربية، فلا يجوز ولا يسمح لمواطن نرويجي مثلا أن يكون عضوا رسميا في حزب سويدي..وهكذا. والدليل على ذلك أنّ الأردن سمح بعد ذلك في يونيو 2001 للقيادي في حماس إبراهيم غوشة المبعد مع خالد مشعل ورفاقه، بالعودة إلى الأردن بعد أن تعهد خطيّا بعدم ممارسته أية نشاطات على أرض الأردن باسم حماس، وهذا ما كان حتى اليوم.
دور الملك حسين في انقاذ حياة خالد مشعل
ومن المعروف أنّ خالد مشعل تعرض لمحاولة اغتيال من قبل عناص من الموساد الإسرائيلي في عمّان بتاريخ الخامس والعشرين من سبتمبر 1997 اثناء قيام أولئك العملاء برش السم القاتل في أذنيه أمام مكتبه وسط العاصمة عمّان، واعتقال إثنين منهم وفرار البقية إلى السفارة الإسرائيلية، وإزاء إصرار الملك حسين وتهديده بطرد السفير الإسرائيلي، أرسل رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو آنذاك المصل المضاد للسم الذي بواسطته تمّ إنقاذ حياة مشعل، وأعقب ذلك بأيام قليلة الإفراج عن الشيخ الشهيد أحمد ياسين الذي وصل للمدينة الطبية الأردنية للعلاج قبل عودته للقطاع، وقد زاره الملك حسين في المدينة الطبية.
هل توجد مؤشرات جديدة لزيارة مشعل الثالثة هذه؟
إنّ التصريحات الايجابية إزاء الزيارة من الطرفين الأردني و حماس ، توحي أنّ هناك تطورات قادمة في العلاقة، تفرضها مستجدات في المنطقة تتطلب إزالة ما تبقى من جبل الجليد بينهما، وأهمّ هذه التطورات:
1 . استمرار تصاعد الثورة السورية ضد نظام الأسد حيث وصلت ثورة الشعب السوري عمق العاصمة دمشق، وقد سبق هذا التطور ما يؤكد مغادرة غالبية قيادة حماس لسوريا، وهذا ما أشعل غضب نظام الأسد، إذ كان يريد من حماس وكافة الفصائل الفلسطينية الموجودة عبر مكاتب ديكورية فقط، أن تقف مع نظامه ضد الشعب السوري، فخاب أمله القمعي الاستبدادي، خاصة بعد التحية التي وجهها السيد اسماعيل هنية للشعب السوري من الأزهر الشريف، يوم الجمعة الرابع والعشرين من فبراير 2012 قائلا:”إذ أحييكم وأحيي كل شعوب الربيع العربي بل الشتاء الإسلامي، فأنا أحيي شعب سوريا البطل الذي يسعى نحو الحرية والديمقراطية والإصلاح”. وبالتالي لم يقف مع نظام الطاغية الأسد من الفلسطينين سوى عملائه المعروفين، جماعة أحمد جبريل والمنشقين عن فتح جماعة أبو موسى وأبو خالد العملة، وقلة من عملاء المخابرات الأسدية الذين يجمعهم دكاكين صغيرة تتخذ أسماءا ثورية مثل دكان “الصاعقة” التابع رسميا لفرع فلسطين في المخابرات الأسدية.
2 . التعثر الدائم المتواصل في عملية السلام بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، بسبب تعنت هذا الاحتلال ورفضه الأعتراف بأي حد أدنى من حقوق الشعب الفلسطيني، ودفع عملية السلام للوصول لدولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، وهذا مصلحة أردنية فلسطينية، بسبب عمق العلاقات بين الشعبين، ورفض الشعبين المطلق لمؤامرة الوطن البديل المستحيلة بسبب هذا الرفض الوطني والثوري لها. وفي ضوء أنّ البرنامج السياسي لحركة حماس لا يختلف كثيرا عن برنامج السلطة الفلسطينية، فالمؤمل والمرجح أن العلاقات الأردنية الحمساوية الجديدة، من شأنها أن تقرّب وجهات النظر الفلسطينية خاصة في مسار المصالحة الفلسطينية أولا، إن قرّر الطرفان الفلسطينيان اتمامها وهي تبدو مستحيلة الآن بسبب صراعهما الشخصي والتنظيمي على الكرسي والمال أولا وليس الدولة الفلسطينية المستقلة أو التحرير.
3 . بدء نظام الأسد سياسة الانتقام من حماس التي كانت أول تعبيراتها الأسدية اغتيال القيادي المسؤول الأمني في حماس “كمال غناجة” يوم الأربعاء السابع والعشرين من يونيو 2012 في منزله بضاحية قدسيا على مشارف العاصمة دمشق، وكافة الدلائل تشير أنّ الاغتيال حدث من قبل شبيحة وعصابات نظام الأسد، خاصة أنّه ظهرت على جسده آثار تعذيب بالكهرباء ربما لا نتزاع اعترافات منه، كما حاول القتلة حرق المنزل، فأتى الحريق على مدخله والمطبخ فقط. وكان ملفتا للنظر موافقة الأردن الرسمي الفورية على دخول جثمان الشهيد غناجة إلى الأردن كونه يحمل الجنسية الأردنية وتقيم عائلته في الأردن، حيث شارك خالد مشعل شخصيا وقيادات من الحركة الإسلامية في التشييع الحاشد لجثمان الفقيد، وقد توعد خالد مشعل القتلة بالعقاب الشديد قائلا: ” إن المجرمين أحرقوا صدره وعذبوه قبل قتله”. فمن هم هؤلاء المجرمون الذين يعرفون منزل الشهيد في قدسيا الذي كان نادرا ما يتردد عليه غير قتلة وعصابات وحش سوريا؟. وإذا كان الموساد وراء ذلك فأيضا كيف يدخل الموساد ويسرح ويقتل ويحرق منزلا ومخابرات الوحش مشغولة بقتل وحرق الشعب السوري؟ وللتذكير فقط فقد تمّ اغتيال الشهيد عماد مغية في مقرات الأمن الأسدي في كفر سوسة، فهل تمّ ذلك بدون تنسيق مع مخابرات الوحش؟
4 . محاولة نظام الوحش الأسدي اختلاق مبررات لتوتير العلاقات مع الأردن بعد منح الطيار السوري الحمادي اللجوء السياسي في الأردن، إثر وصوله بطائرته الميج إلى الأردن متمردا على قرارات وحش سوريا بقصف مدينة حمص بالطائرات العسكرية. ومن ضمن هذه الاختلاقات الديكورية التي لا تنطلي على جاهل، إعلان النظام قبل أيام قليلة عقب لجوء الطيار الحمادي، عبر وسائل إعلامه الغبية: ” «أوقفت القوات السورية في حمص ضباطا وعناصر أمنية أردنية، وضبطت نحو 200 بزة عسكرية تعود للجيش الأردني». وقد نفى وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، سميح المعايطة ما تداولته ما نشرته وسائل إعلام الوحش قائلا: ” تلك الأخبار غير صحيحة ولا تستند إلى أية حقائق. إنّ الأردن لا يتدخل في الشأن الداخلي السوري، وإن المعلومات التي تتحدث بخلاف ذلك مغلوطة ولا تستحق التعليق عليها” .وقال «إننا نتحمل الكثير من الأعباء بسبب استضافة الأشقاء السوريين الذين وفدوا إلى الأردن خلال الأزمة”. ومن الواضح أنّ نظام الوحش يسعى من خلال هذه الفبركات المكشوفة لتوتير العلاقة مع جواره الأردني الذي رفض تسليم العقيد الجوي الحمادي ومنحه اللجوء السياسي فور وصوله، ولم يردّ الأردن حتى الآن على طلب نظامه إعادة طائرة الحمادي، خاصة أنّ أنباءا تحدث عن لجوء خمسة طيارين آخرين تمردوا على قرارات قصف شعبهم ومدنهم. وتأتي محاولات التوتير مع الأردن، امتدادا للتوتر العلني المتصاعد في العلاقات مع تركيا الذي استدعى نشر فرقا عسكرية تركية على الحدود مع سوريا في الأيام الأخيرة.
وماذا قدّم نظام الوحش لحماس غير السكن والإقامة؟
هل كان يسمح لحماس أو أي من التنظيمات الفلسطينية بإطلاق رصاصة على الاحتلال من الحدود السورية المحتلة جولانها منذ عام 1967 ؟. وهل كان يسمح لحماس أو غيرها بإقامة أية علاقات أو محادثات مع أية أحزاب غير البعث الرسمي، أي وكأنها علاقات مع حكومة الوحش نفسه. ضمن هذه القاعدة والمستجدات في العلاقات الأردنية الحماسية ضمن متغيرات المنطقة العربية، لا أستبعد تطورا واضحا في مسيرة علاقات الأردن الرسمية مع حركة حماس، على نفس نسق تواجد العديد من كوادر وقيادات المنظمات الفلسطينية والسلطة الوطنية في الأردن، وعلى قاعدة عدم التدخل في الشأن الأردني الداخلي، وعدم إقامة أية علاقات حزبية أو تنظيمية مع الأحزاب الأردنية، خاصة في حالة حماس والتداخل بينها وبين الحركة الإسلامية، وهذه مسألة ليست صعبة عند تفهم الطرفين حماس والحركة الإسلامية، فليس مطلوبا من الأردن أن يقدّم لحماس أكثر مما كان يقدمّه نظام المقاومة والممانعة الأسدي.
www.drabumatar.com