لا أبالغ إن قلت أن البطل خالد أبو صلاح هو أيقونة الثورة السورية، وهو يستحق أكثر من هذا الوصف، ولكن العبارات خانتني والكلمات تاهت عبر دروب أفكاري فلم تسعفني في إيجاد كلمة أو عبارة تصف هذا الرجل العملاق، الذي كان على الدوام، رغم ما تعرض له من مواقف تشيب لهولها الأطفال، شجرة باسقة لا تعرف الانحناء إلا للواحد القهار.
لا أعتقد أن هناك إنسان شاهده على شاشات التلفاز ولم يتفاعل مع القضية التي نذر نفسه لها وخاض أنهار الموت حتى الحناجر في سبيلها، كان مقاتلاً شجاعاً، ومسعفاً مغامراً، وصنديداً لا تلين له قناة، ورجلاً كبيراً في ساحات الصمود قل نظيره.
دموعه في مؤتمر الأمة الإسلامية في اسطنبول يوم الأول من تموز كانت مداداً لقلمي، وحشرجة كلماته كانت وحي لروحي، وبحة صوته المدمي ستبقى اللحن الخالد يصدح في فضاء بلدي.
لقد كان البطل خالد أبو صلاح الصورة المعبرة عما يجري في حمص وسورية قاطبة وما يرتكبه هذا السادي المتوحش من جرائم بحق البشر والحيوان والشجر والحجر.
لقد تعرض خالد أبو صالح لمحن لا تحتملها رواسي الجبال، وقد ضُرب عليه وعلى إخوانه وأخواته أحرار وحرائر حمص في حي باب السباع حصار خانق، منع النظام السادي عنهم الماء والغذاء والدواء وأفسد عليهم حتى الهواء بما لوثه من غازات سامة لشهور وقد أخطأه الموت ولم يصل إليه، متحدياً مع من كان معه في هذا الحي البطل من أطفال ونساء وشيوخ ومقعدين وأحرار ومقاتلين آلة القتل الأسدية وجهنمية نيران أسلحته الروسية والإيرانية الفتاكة لنحو شهر، في تحدٍ لم يرو لنا التاريخ مثيلاً له في كل الحروب والحصارات والمعارك التي ملأت صحافه وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل.
البطل خالد أبو صلاح فاجأ العالم وخرج من حمص المحاصرة متخطياً كل حواجز النظام وترسانة أسلحته الفتاكة ورصاص قناصته المنتشرين في أعالي ما تبقى من أبنية لم يطالها التدمير الكامل، مغادراً حي الخالدية الذي تحاصره ترسانة من الدبابات والمدرعات والمدافع والرشاشات الثقيلة والمتوسطة والخفيفة الروسية الصنع، وجيوش النظام السادي وشبيحته، مغادراً حي الخالدية إلى تركيا ليحضر مؤتمر الأمة الإسلامية؛ لنصرة الشعب السوري باسطنبول، ليحمل إلى علماء الأمة صورة حية لما يعانيه أهل حي الخالدية حيث هناك 800 عائلة محاصرة تعيش على الرعب والخوف بلا ماء أو كهرباء أو غذاء أو دواء أو اتصالات، وقد مُنع من دخول هذا الحي كل المنظمات الإنسانية السورية والعربية والدولية التي تريد إجلاء النساء والأطفال والشيوخ والمقعدين والمرضى والجرحى إلى أماكن آمنة تبعد عنهم شبح الموت وشيطان القتل.
وقف هذا البطل بكل الشموخ والكبرياء ليلقي كلمة أمام شيوخ المسلمين وعلمائهم ليضعهم أمام مسؤولياتهم تجاه ما يقترف سفاح سورية بشار الأسد من جرائم وموبقات لم يسلم منها لا حيوان ولا بشر ولا شجر ولا حجر.
وقف هذا البطل يلقي كلمته ببحة الرجال ودموع تسيل على خديه تعكس صورة دموع الأرامل والثكالى والأيتام.
وقف منتصب القامة يروي للحضور الحالة البئيسة والمفجعة التي يعيشها أهل حمص المحاصرين في أبنية منهارة أو آيلة للسقوط، يستنهضهم للوقوف إلى جانب حرائر سورية وأحرارها الذين استباح نظام دمشق السادي حياتهم وأعراضهم ومقدساتهم وحرماتهم ودور عبادتهم وبيوتهم، مطالباً العلماء وورثة الأنبياء أن يقفوا إلى جانبهم ويتحملوا المسؤولية التي أناطها الله في أعناقهم.
كانت دموع خالد أبو صلاح الصادقة تسيل من قلبه مروراً بعينيه، ثم تنساب على خده المحترق قهراً على ما أصاب سورية، وسط هتافات الحضور وتكبيراتهم.
أي بطل أنت يا خالد؟ أي رجل أنت يا خالد؟ وقد أعدت وأحرار سورية إلى قلوبنا نبضها وإلى صدورنا خفقها وإلى جوارحنا ارتعاشها.. وقد ظننا أن الموت السريري قد أصابنا وأصاب أهلنا بعد كل هذا الليل الطويل الذي طوى أعمارنا، فكنت وأحرار سورية الأمل الذي أعاد الروح فينا، وقد غدت أحلامنا حقيقة تزهر قناديل وتورق مصابيح تنير درب الحرية والكرامة، تسير بنا عليه بخطىً ثابتة وإيمان راسخ وعزيمة لا تلين، وفجر صبوح يلوح لنا وهو يطوي ظلمة الليل وعتمته.. حفظك الله يا خالد وحفظ أحرار سورية، وأقر أعينكم وأعيننا بالنصر المبين على هذا العدو الغاشم قريباً بإذن الله تعالى.
شاهد أيضاً
في ارض الميلاد للسنة الثانية تغيب عنها احتفالات الميلاد ، بقلم : راسم عبيدات
في ارض الميلاد للسنة الثانية تغيب عنها احتفالات الميلاد ، بقلم : راسم عبيدات نعم …