12:35 صباحًا / 24 نوفمبر، 2024
آخر الاخبار

هزيمة مشروع الإسلام السياسي في مصر من الجولة الأولى بقلم : عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

في مصر، تلقى الأخوان المسلمين وحلفائهم السلفيين وبقية التيارات الأخرى ذات الميول الإسلامية ضربة قاسية مؤخراً من تحالف التيارات العلمانية بقيادة المجلس العسكري لا زالت تزلزلهم وتكاد تعصف بتماسكهم ومشروعهم السياسي. فبعد أن كان الإسلاميون قاب قوسين أو أدنى من انطلاقة أولى وغير مسبوقة نحو التأسيس لمشروع إسلامي كبير، ظلوا يحلمون به ويخططون له منذ حل الخلافة الإسلامية في اسطنبول عام 1924، عبر إعادة هيكلة وأسلمة كل مؤسسات الدولة المصرية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى الترفيهية، ثم استخدامها كمنصة للانطلاق منها إلى جميع دول الجوار العربي ثم الإسلامي، وصولاً إلى تكتل أو اتحاد إسلامي ما على شاكلة الاتحاد الأوروبي، أو الولايات المتحدة الإسلامية، نجح العلمانيون بزعامة العسكر في خلعهم بخفة ورشاقة من البرلمان وهدم اللجنة التأسيسية فوق رؤوسهم. هكذا، حتى لو فاز التيار الإسلامي بكرسي الرئاسة، ستظل مفاتيح اللعبة السياسية في السنوات القادمة بيد العسكر والمعسكر العلماني بعدما ضمنوا أن يكون تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور في أيديهم، واستردوا لأنفسهم السلطة التشريعية الكاملة من البرلمان المخلوع. هاتان الأداتان- الدستور والتشريع- تكفيان لتحديد مسار العملية السياسية المصرية ورسم سياساتها وأهدافها وأدوار أبرز اللاعبين فيها على مدار عدة عقود قادمة على الأقل.

 

قد أقول أيضاً إن الستة عشر شهراً الماضية منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 كانت بمثابة الجولة الأولى في مباراة سياسية ساخنة، وانتهت بهزيمة ساحقة للفريق الإسلامي بصدور حكم المحكمة الدستورية العليا ببطلان قانون انتخاب مجلس الشعب. وأظن أن الجولة الثانية في هذه المباراة سوف تبدأ فور إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، بصرف النظر عن ما إذا كان الرئيس القادم إسلامياً أو عسكرياً. تلك ستكون جولة جديدة في صراع قديم ومستمر على السلطة بين القوتين الكبيرتين، الإسلامية والعلمانية. لماذا أخفقت القوى الإسلامية كل هذا الإخفاق في مواجهة العلمانيين بزعامة العسكر، رغم أن ثورة 25 يناير اندلعت بالأساس لإزاحة العسكر عن الحكم الذي يهيمنون عليه منذ انقلابهم على الملك في 23 يوليو 1952. هذه، في ظني، بعض الأخطاء القاتلة التي أوقعت الإسلاميين.

 

1- قوة العقيدة. للأسف، لم يستطع الأخوان والسلفيون وضع حد فاصل واضح بين معتقداتهم الدينية وتعاملاتهم مع أندادهم وخصومهم السياسيين داخل وخارج البرلمان، بل سمحوا لأفكارهم وتصوراتهم وخطاباتهم الدينية تتمدد إلى الحيز السياسي وتلونه بألوانها التصادمية، الاحترابية. ذلك أدى إلى جلوسهم في البرلمان ليس ككتلة من الساسة المتدينين، إنما، وهو الأقرب إلى الواقع، ككتلة من رجال الدين المتسيسين عديمي الخبرة والحنكة بمثل هذا العمل. علاوة على ذلك، هذه العقيدة الإيمانية القوية حالت دون المرونة السياسية المطلوبة لبناء وتفكيك وإعادة بناء التحالفات السياسية بينهم وبين بقية التيارات الليبرالية واليسارية والعلمانية الأخرى داخل وخارج البرلمان، حتى يحدث الانصهار والتقارب المنتظر في مثل هذه المواقف. لكن ما حصل، في نهاية المطاف، كان اصطفافاً إسلامياً صلباً ضد اصطفاف علماني آخر. هنا لاحت ثغرة مريحة للمجلس العسكري، ليحسن استغلالها، ولا يلام.

 

2. المشروع الإسلامي. من شدة فرحهم بكثرة الغنائم السياسية بأقل الجهود والتضحيات، لم يتمالك الإسلاميون أنفسهم وظنوا أن هذا هو يومهم الموعود، ليتجرؤوا أكثر من اللازم ويتخلوا عن النهج المتدرج، خطوة بخطوة الذي برعوا في تطبيقه على مدار العقود الماضية وحقق لهم انتشاراً واسعاً وعميقاً عبر معظم شرائح وقطاعات المجتمع المدني. هذا المشروع الإسلامي أيضاً ميزهم بشدة مقابل كل القوى الأخرى؛ ولأن الإسلاميون لم يصارحوا تلك القوى الأخرى بتفاصيل هذا المشروع ولم يشركوهم في مناقشته وصناعته، كان من الطبيعي أن يتوجس العلمانيون؛ وتأكد توجسهم هذا أكثر في الشد والجذب المضني والممل أثناء محاولات البرلمان تشكيل اللجنة التأسيسية الأولى والثانية، لما أصر الإسلاميون إصراراً مثيراً للريبة على الاحتفاظ بالغلبة التصويتية أياً كانت داخل اللجنة. في كل الأحوال، تشكل تدريجياً اصطفاف علماني بقيادة العسكر في وجه المشروع الإسلامي، لما لم يطلع العلمانيون على تفاصيل هذا المشروع ولم يدعون للمشاركة في صناعته، علاوة على رفضهم القاطع المساس بمؤسسات، مثل الجيش والقضاء والداخلية، تشكل عصب الدولة المصرية الحديثة منذ تأسيسها على يد محمد علي باشا قبل أكثر من قرنين ماضيين.

 

3. الغباء السياسي. طوال الستة عشر شهراً الماضية، وتحديداً منذ دخولهم البرلمان، برهن الإسلاميون عن غباء سياسي منقطع النظير، لا يلتمس لهم العذر عنه حداثة عهدهم بالسياسة لأن هناك من هم أحدث عهداً منهم وعلى الأقل لم يقعوا في مثل هذه الأخطاء البشعة، على سبيل المثال الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب المصريين الأحرار. بعد أن فشل الإسلاميون في كسب تحالف زملائهم من الأحزاب غير الإسلامية والمستقلين تحت قبة البرلمان، فشلوا أيضاً في حشد التأييد من أجل اللجنتين التأسيسيتين الأولى والثانية، لكي ينفتح الباب واسعاً أمام العسكري حتى يتدخل في النهاية بحجة إنقاذ الموقف. إضافة لما سبق، قد بلغ الغباء السياسي الإسلامي مداه بإعلان المعسكر الإسلامي الحرب على جميع الجبهات دفعة واحدة؛ فبينما كان لا يزال في صراع ضاري مع حكومة الجنزوري والمجلس العسكري، فتح نيرانه على مؤسسة القضاء أيضاً بحجة التطهير. هكذا أصبحت السلطة التشريعية التي لم يتجاوز عمرها بضعة أشهر تقف معزولة دون حلفاء من خارج التيار الإسلامي في حرب مكشوفة ضد السلطتين الأخرتين التنفيذية والقضائية متحدتين ضدها. ومن ثم كانت النتيجة معروفة سلفاً، بحكم توزيع ميزان القوة بين الثلثين والثلث.

 

كان من نتيجة الغباء السياسي الأخواني والإسلامي بصفة عامة أنهم، في لحظة ما، وجدوا أنفسهم في حرب مفتوحة ضد الجميع. الأسوأ من ذلك، أنهم، متعمدين، جعلوا حتى الإسلام ذاته طرفاً في تلك الحرب السياسية، ليقسموا المجتمع بين معسكرين: 50 بالمائة إسلاميين و50 بالمائة مدنيين. تلك كانت كارثة الكوارث بكل المقاييس وأنذرت بخطر عظيم. للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة المصرية الحديثة، كاد الغباء السياسي الأخواني أن يحول لعبة صراع سياسي متكررة ومعتادة على الحكم من صراع قوة، سواء مسلحة أو سياسية، إلى صراع ديني وطائفي، بين الطوائف الإسلامية ذاتها وبينها وبين الطوائف المسيحية أيضاً. عند هذه النقطة تدخل العسكر وأوقف اللعب، وتنفس الكثيرون الصعداء.

 

هذه، في ظني، بعض من أبرز الأخطاء التي جعلت الأخوان وحلفائهم الإسلاميين يخسرون الجولة الأولى في المباراة السلمية الساخنة الدائرة الآن على السلطة في مصر بين الإسلاميين بزعامة الأخوان من جهة والعلمانيين بزعامة العسكر من الجهة الأخرى. وكانت تلك الأخطاء الإسلامية هي السبب الأساسي لاصطفاف وتماسك أغلب التيارات العلمانية وراء العسكر. لكن، رغم كل ذلك، لا تزال المباراة دائرة، ولا يزال يتبقى فيها جولتين حاسمتين على الأقل.

شاهد أيضاً

سمى سوما حسن عبدالقادر

قرار المحكمة الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت وارتداد النظام الدولي على نفسه ، بقلم : سوما حسن عبدالقادر

قرار المحكمة الدولية باعتقال نتنياهو وجالانت وارتداد النظام الدولي على نفسه ، بقلم : سوما …