كانت الثورة المصرية نموذجاً للثورة البيضاء الراقيه السلمية،التى عبرت عن مشاهد حضارية وسامية فى ميدان التحرير،وتحدث عنها مشاهير ومفكرى العالم واعجبوا بها ،وبهرت السياسيين فى تأثيراتها العظيمة ، بأن أطاحت بنظام ديكتاتورى فاسد لم يستطيع المصريين مقاومته ولم يحاول هذا النظام مراعاة شعبه ،وربما لم يتحدث الغرب وامريكا بلد الحريات وحقوق الانسان عن فساد وقمع النظام السابق،بل كانت امريكا تغمض عيناً وتنظر بعين الى ميدان التحرير والى ما سوف يمكن للثورة ان تحققه،لانها فى النهاية تتتعامل مع الواقع،فلم نجدها تحدثت عن هذا النظام او حاولت الضغط عليه ، وربما هذا لان النظام السابق كان طائعاً خادماً لمصالحها ومصالح ابنتها المدللة اسرائيل،الا ان الثورة بدأت يتغير لونها بداية من موقعة الجمل التى لم يعرف مجرميها حتى الان ،وتباعاً جرائم بورسعيد وماسبيرو ومحمد محمود وغيرها،مما بدا واضحاً ان هناك ايادى لم يكن المصريين يتوقعوها تحاول القضاء على تلك الروح العالية والثقة بالنفس والاخلاص معاً فى حب مصر،ومرورواً بعد تحقيق الهدف والوصول الى بداية السلم للصعود الى أعلى ،فى بداية ناجحة وهى انتخابات مجلس الشعب ،الا وظهر الخلاف والاختلافات بين التيارات والاحزاب السياسية محاولة لايجاد مكاناً مميزاً فى سلطة مصر وقيادتها،وان الامر لم يتوقف على قبول نتائج الانتخابات من عدمه،بل تصاعد فى الاتهامات حتى وصلت لأقصاها،بأتهام بعض الجهات بانها استغلت الثورة وتحاول الوصول الى السلطة بعيداً عن مصلحة الوطن ،وانتشرت الشائعات والاخبار الكثيرة الكاذبة والهادفة لشق الصفوف والتفرقة بين المصريين لاحداث خلخة فى بينان الثورة ومن ثم البكاء على الحال،والندم ،ثم الاستسلام ،حتى المطالبة بالعودة الى النظام السابق،وما أكد ذلك غياب الامن وانتشار البلطجة وانهيار الاقتصاد والخدمات وزيادة معاناة المصريين ،وغيرها من الامور التى انتظر المصريين جمعيا تحسنها بحلول اول عام من الثورة .
لكن اللحظات الفارقة كانت فى ترشيح عمر سليمان وشفيق للرئاسة لمعرفة اتجاهات الرأى العام حول مدى قبول الرأى العام بعد عام من ضياع الحلم او على الاقل على معرفة ما هيته،مدى قبول المصريين للرجوع الى الخلف مما يؤكد ان كل ما يحدث ليس تلقائياً او عفوياً بل مخطط له بعناية وادراك ،الا انه كانت المفاجاءة بغضب الشارع ونزوله الميادين مرة اخرى،وعلى الرغم من ذلك لم يستجيب القضاء لمطلب المصريين فى اقصاء الفلول والنظام السابق،ولم يجد الشعب بد من تحقيق النصر بايديهم لا بيدى القضاء والقانون،من خلال التصويت فى الانتخابات،ولكن وعلى ما يبدو ان الامر لم يعجب مخططى هدم الثورة الامر ،فبدأوا فى سيناريو اخر واخير وهو نشر كل ما يؤدى الى نفور الشعب من الاخوان وتسليط الضوء على ان الفريق شفيق هو الوحيد الذى بيده النجاه وتحقيق الامن والمساواة والعدل ،وسخر هولاء الاعلام والاقلام والملايين فى توصيل تلك الرسالة ،ولا عجب ان ظهرت نتائجها وتأثر قطاع كبير من المصريين بذلك ،لانهم استغلوا طبيعة الشعب المصرى الطيب الذى يعشق الامن واالسلام ويكره العنف ويريد الاستقرار وحياة محترمة كريمة ،سلبها هولاء المخادعون من ايديهم ويريدون سلبها مرة اخرى.
انه الصندوق الاسود الذى يملكه هولاء الطغاة ،اصحاب المصالح الشخصية ،المنافقين ،يحاولون بما يحوى القضاء على الثورة وروح الثقة والتفائل لدى الشعب وقتل عزيمته لكى يعود للخلف مرة اخرى ويرضى بالنظام القديم فى ثوب اخر لا يختلف الا فى قماشته ولكنه نفس اللون عن النظام السابق،وكان التخطيط كله من اجل ابليس .
لدينا قناعة ويقين ان ابليس مارد شرير لا يريد الخير للمصريين ،فافعاله كلها منبوذه ،وكل من يتبعه فى النار ،وسوف يضلله فى الدنيا والاخرة،لدينا يقين ان المصريين لن يتبعوا ابليس اللعين ،مهما اشار لهم بالكنز ،ولنا ان نتعلم وان نجتهد ونواصل الجهاد الطيب فى الوصول الى بر الامان للثورة باختيار مناسب لنا ولاولادنا .
د.سرحان سليمان
الكاتب الصحفى والمحلل السياسى والاقتصادى