شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
الاستيطان ومصادرة الأرض: معركة البقاء اليومية في محافظة سلفيت ، بقلم : بقلم: د. عمر السلخي
في قلب الضفة الغربية المحتلة، تقف محافظة سلفيت مثالًا حيًا على المعاناة اليومية التي يخوضها الفلسطينيون في معركة غير متكافئة ضد مشروع استيطاني إحلالي يسعى لاقتلاعهم من أرضهم وتفكيك نسيجهم المجتمعي، فبين شبح مصادرة الأراضي، وتوسّع المستوطنات، وحرمان الفلسطينيين من أبسط حقوقهم التنموية، تدور في محافظة سلفيت “معركة البقاء”، والتي تخوضها البلديات والمزارعون والنساء والشباب، ليس فقط بأدوات الاحتجاج، بل بإصرار على الصمود والإنتاج في ظروف استثنائية.
محافظة سلفيت في مرمى التهويد الاستراتيجي
تُعتبر محافظة سلفيت من أكثر مناطق الضفة الغربية استهدافًا من قبل المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، حيث تحيط بها واحدة من أضخم الكتل الاستيطانية وهي مستوطنة “أريئيل” التي تمثل عاصمة الاستيطان في المنطقة، وفق تقرير المكتب الوطني للدفاع عن الأرض (2023)، تحتضن سلفيت 24 مستوطنة و10بؤرة استيطانية، موزعة على مساحة تقل عن نصف مساحة المحافظة، ما يجعل النسبة الأكبر من أراضيها تصنّف ضمن المناطق “ج” الواقعة تحت السيطرة الأمنية والإدارية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي.
ويُظهر تحليل الخرائط والوثائق الرسمية أن الاستيطان في سلفيت يتبع استراتيجية السيطرة على المرتفعات وخنق الامتداد العمراني الطبيعي للقرى والتجمعات الفلسطينية، فضلًا عن ربط المستوطنات بشبكات طرق استيطانية تفصل الفلسطينيين عن أراضيهم ومصادر رزقهم، وتخلق جيوبًا سكانية معزولة.
الأثر الاقتصادي: مصادرة الأراضي كأداة لتجويع المجتمع
لا تتوقف تداعيات الاستيطان عند البُعد المكاني فقط، بل تمتد لتُشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن الغذائي والاقتصاد المحلي، فقد أشار تقرير معهد أريج (2022) إلى أن أكثر من 65% من الأراضي الزراعية في سلفيت أصبحت غير قابلة للاستغلال بسبب الاستيطان، سواء عبر مصادرتها رسميًا، أو عبر إعلانها مناطق عسكرية مغلقة، أو من خلال منع المزارعين من الوصول إليها بفعل الحواجز أو الاعتداءات من قبل المستوطنين.
وبحسب دراسة تحليل السياسات الصادرة عن المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية (2022)، فإن الخسائر الزراعية السنوية في سلفيت نتيجة الاستيطان والمصادرة تُقدّر بأكثر من 10 ملايين دولار سنويًا، وهو ما يشكّل استنزافًا ممنهجًا لمصدر رزق أساسي في المحافظة.
صراع الحق القانوني مع سيف الإدارة المدنية
في مناطق “ج”، يضطر الفلسطينيون إلى الدخول في صراع طويل ومكلف قانونيًا مع الإدارة المدنية الإسرائيلية للحصول على تصاريح للبناء أو استصلاح الأراضي، وغالبًا ما تنتهي هذه المحاولات بالرفض، في المقابل، تحظى المستوطنات بتسهيلات هائلة لتوسيع نطاقها العمراني والزراعي والصناعي، وبينما تم هدم 52 منشأة فلسطينية في سلفيت بين عامي 2020 و2023 بحجة البناء غير المرخص، تمت الموافقة على بناء أكثر من 800 وحدة استيطانية خلال نفس الفترة لتوسعه المستوطنات.
الرد الفلسطيني: مبادرات صمود لا تنكسر
رغم هذا الواقع القاسي، لا تزال سلفيت نموذجًا في الصمود المجتمعي والتنمية المقاومة، فقد تم تسجيل عشرات المبادرات الفردية والجماعية في الزراعة والصناعات المنزلية وتعزيز الاكتفاء الذاتي، لا سيما من خلال تعاونيات نسائية في بلدات مثل مسحه ودير بلوط، ودعم مشاريع شبابية زراعية في قراوة بني حسان.
كما لعبت البلديات ولجان الحماية المجتمعية دورًا محوريًا في مقاومة محاولات تهويد الأرض، سواء عبر التوثيق القانوني أو الدفاع أمام المحاكم الإسرائيلية، أو من خلال توجيه خطط تنموية تراعي توثيق ملكية الأراضي وتعزيز الاستثمار فيها، وهو ما يتقاطع مع توجهات “تسوية الأراضي” الجارية حاليًا في المحافظة، باعتبارها أحد الأدوات لحماية الأرض وزراعتها.
نحو استراتيجية وطنية لحماية سلفيت
إن ما تشهده محافظة سلفيت من استنزاف ممنهج يفرض ضرورة بلورة استراتيجية وطنية تنموية مقاومة تتضمن: تسريع تسوية الأراضي وتسجيلها باسم أصحابها، دعم المشاريع الزراعية الإنتاجية في المناطق المهددة بالمصادرة، تعزيز وجود لجان الحماية المجتمعية المحلية، ربط الشباب والنساء ببرامج تمويل صغرى ومشاريع تنموية مستدامة، مواجهة الخطاب الاستيطاني في المحافل القانونية والدولية بالأرقام والشهادات الموثقة.
إن “معركة البقاء” في محافظة سلفيت ليست مجرد دفاع عن أرض، بل معركة هوية ووجود ومصير، وكل شجرة تُزرع هناك، وكل مشروع تنموي يُقام، هو صرخة في وجه الاحتلال تؤكد أن الفلسطينيين باقون رغم الجدار والمستوطنة والمخططات الاستعمارية.
