
التنمية المرنة في مناطق (ج): كيف يمكن ُان تقاوم محافظة سلفيت الحصار بالإبداع والعمل البسيط؟ بقلم : د. عمر السلخي
عندما تُخنق التنمية… يولد البديل من رحم التحدي
في فلسطين، لا تسير التنمية وفق مخططات مهندسي المدن، بل تحت وقع البنادق والإخطارات العسكرية، فبينما تُبنى المدارس في بلدان العالم لتُفتتح، تبنى في بلدات سلفيت لتُهدّد بالهدم، وبينما تعبّد الطرق لتربط الناس، تُقطع في قراوة بني حسان ودير بلوط بـ”بوابة حديدية مؤقتة لأسباب أمنية”.، هكذا يتحوّل كل مشروع تنموي إلى قضية، وكل خريطة إلى ميدان اشتباك قانوني وإداري وعمراني، لكن الفلسطيني، وفي مقدّمتهم أبناء محافظة سلفيت، لا ينسحب أمام جدار الفصل العنصري والتوسع الاستيطاني… بل يزرع ظله بجانبه، ومن رحم هذا الواقع المعقّد، يتم طرح فكرة “التنمية المرنة” ، لتتجاوز الجدار لا بالقفز فوقه، بل بزرع الحقول على امتداده.
ما المقصود بالتنمية المرنة؟
التنمية المرنة هي تدخلات ذكية، بسيطة، منخفضة الكلفة، لا تستفز الاحتلال شكليًا، لكنها تُزعجه وظيفيًا، لا تحتاج إلى جرافة، ولا إلى أعمدة خرسانية، بل إلى: خزان مطمور تحت الأرض، بيت بلاستيكي متنقل، مشروع زراعي موسمي، خيم وغرف زراعية، إنها تنمية تعتمد على مرونة الفكرة، لا صلابة الشكل، وعلى إرادة البقاء لا التوسع الكمي.
لماذا مناطق (ج) بالذات؟
تشكل مناطق (ج) نحو 60 % من مساحة الضفة الغربية وتصل نسبتها 76% من أراضي محافظة سلفيت، وتضم أهم الموارد الزراعية والطبيعية، لكنها تقع تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة (إداريًا، أمنًا، وتخطيطًا)، وفي هذه المناطق: يمنع البناء الفلسطيني إلا بتصريح (نادراً ما يُمنح)، يُحاصر التوسع العمراني، وتُنفّذ المستوطنات توسعاتها دون رقيب.
في محافظة سلفيت، التي تضم 18 تجمعًا فلسطينيا محاصرًا مقابل 24 مستوطنة و10 بؤر استيطانية جاثمة على أراضي المحافظة، لم تُعتمد أي خطة هيكلية جديدة منذ سنوات، والنتيجة؟ انعدام مشاريع البنية التحتية، وغياب الاستثمار، وارتفاع معدلات الهجرة الداخلية.
نماذج ميدانية: كيف تُترجم التنمية المرنة إلى أفعال؟
- خزانات مياه مطمورة
تُحفر في الأرض، تُغطى بالتراب، وتُربط بأنظمة ري بسيطة، مستحيلة الاكتشاف إلا بالتفتيش الميداني، لكن أثرها كبير في زراعة الأرض المحاصرة. - كرفانات وخيم كغرف زراعية
يتم استخدامها في قطع الأراضي كمخزن للمعدات الزراعية وجلسة للمزارعين تقيهم حر الصيف وبرد الشتاء. - مبادرة “ازرع دونمك”
يوزّع فيها شتلات زعتر، لوز، عنب ، ميرمية ، صبر ، والزراعات التي تحتاج الى مياه ، والنتيجة: مساحة مأهولة بالمقاومة اليومية. - مسارات بيئية ومخيمات شبابية في أراضٍ مهددة
رحلات طلابية أو مجتمعية تقام داخل مناطق (ج) لتأكيد الحضور البشري الفلسطيني فيها، الشباب يزرعون شجرة، يرسمون لوحة، ينظفون منطقة تاريخية ، في رسالة واضحة: “نحن هنا، باقون بأقدامنا، لا بتصريحاتكم.” - جداريات فنية على خزانات المياه والحجارة الكبيرة
رسائل تُرسم على الجدران في وجه الجدار والمستوطنات ، لتقول للمحتل: “في كل مرة تمحونا… نرسم أنفسنا من جديد.”
أفكار مكملة لتوسيع نطاق التنمية المرنة:
⦁ بنك بيانات للأراضي المهددة، مع خرائط تفاعلية رقمية.
⦁ أيام عمل مجتمعي تطوعي لزراعة، تنظيف، أو إحياء موقع محاصر.
⦁ صندوق منحة مرنة لدعم مشاريع لا تتطلب بنية تحتية (أقل من 5,000 دولار).
⦁ نشر “شهادة صمود” لكل مزارع فعّل أرضه في منطقة (ج) كوثيقة قانونية توثق الحيازة.
هل التنمية المرنة بديل؟ أم مرحلة انتقالية؟
ليست التنمية المرنة بديلاً عن التنمية الشاملة، لكنها في ظل غياب السيادة وتجميد المسار السياسي، تشكل خيارًا واقعيًا، ووسيلة للحد من التهام الأرض، والحفاظ على الوجود الفلسطيني المهدد، هي ليست مجرد زراعة شجرة، بل تأكيد أن الأرض ليست فارغة كما يدّعي الاحتلال، وليست خيمة ظل، بل مظلة للكرامة في ظل العجز الرسمي.
في سلفيت، نحتاج إلى أن نُفكر بجذورنا أكثر من أسقفنا، إلى أن نزرع أولًا… ثم نخطط، إلى أن نُثبت أرجلنا في الحقول… قبل أن نطلب تصريحًا لتعبيد الطريق إليها، التنمية المرنة ليست شعارًا تقشفيًا، بل استراتيجية مقاومة ذكية، تقول للاحتلال: “لن ننتظر موافقتك… كي نعيش.”