7:48 صباحًا / 19 أبريل، 2025
آخر الاخبار

العولمة في التعليم المعماري: هل يتلاشى التاريخ تحت ضغط السوق؟ بقلم : د. عمر السلخي

العولمة في التعليم المعماري: هل يتلاشى التاريخ تحت ضغط السوق؟ بقلم : د. عمر السلخي


في أروقة الجامعات وكليات العمارة في العالم العربي، يتكرس واقع تعليمي ينشد الحداثة، لكنه في جوهره ينزلق تدريجيًا نحو اغتراب معرفي، لا سيما حين تتراجع دراسة تاريخ العمارة ونظرياتها لصالح المهارات التقنية الجاهزة، وتتحول القاعات الدراسية إلى فضاءات يُملى فيها “التقدّم” من خلف شاشات نمذجة ثلاثية الأبعاد، لا من خلال جدل المفاهيم والسياقات، في هذا السياق، تُطرح أسئلة ملحّة: هل ما زال تاريخ العمارة يمثل ركيزة لتكوين المعماري؟ أم أصبح عبئًا يعيق اللحاق بالأسواق العالمية؟ وهل تفقد العمارة العربية والإسلامية مكانتها في المناهج نتيجة انبهار غير نقدي بالعولمة؟


العولمة التعليمية… اندماج تقني أم تآكل معرفي؟


تُعرَّف العولمة بأنها عملية اندماج عالمي في الأنظمة الاقتصادية والثقافية والسياسية، وقد طالت مظاهرها الحقل المعماري بعمق، فإلى جانب تدويل المناهج، واعتماد البرمجيات الغربية، وشيوع النماذج التصميمية المستوردة، أصبح التعليم المعماري العربي يعاني من تبعية معرفية، يتجلى أبرز مظاهرها في التراجع الملحوظ لمساقات تاريخ العمارة العربية والإسلامية ضمن الخطط الدراسية ، وتُظهر مراجعات البرامج التعليمية في عدد من كليات العمارة في فلسطين والأردن ومصر، أن مساقات “تاريخ العمارة الإسلامية” أصبحت مساقات اختيارية أو فرعية، بينما يُعطى حيز كبير لتاريخ العمارة الأوروبية (اليونانية، الرومانية، عصر النهضة، الحداثة)، هذا الاختلال لا يعكس فقط هيمنة مرجعية معرفية غربية، بل يُنتج أجيالًا من المعماريين العرب يفتقرون إلى وعي معماري تاريخي مرتبط ببيئتهم الثقافية.


إقصاء العمارة الإسلامية من الوعي الأكاديمي


تُعد العمارة الإسلامية أحد أبرز المكونات الحضارية التي شكّلت الفضاء العربي والإسلامي لقرون. ومع ذلك، فإن هذا الإرث المعماري لا يُمنح في مناهج التعليم المعماري سوى حيز محدود، يُقدَّم غالبًا بطريقة توثيقية ساكنة، دون تحليل نظري أو نقدي يُبرز علاقته بالحداثة، أو إمكانيات استثماره في المشاريع المعاصرة، ويُلاحظ، أن العمارة الإسلامية تُطرح غالبًا كمادة تراثية أو “فولكلورية”، مما يُفقد الطالب القدرة على فهم عمقها الفلسفي والجمالي والتقني. وبدلًا من أن تُدرَّس كنظام تصميمي متكامل، تُختزل في الزخرفة والمقرنصات، بينما يُغيب التفكير المعماري الذي أنتج هذه القيم.
السوق كفاعل خفي في تشكيل المناهج


تتأثر مناهج تدريس العمارة في العالم العربي – كما في غيره – بمنطق السوق والمشغلين المعماريين الكبار. حيث تُوجَّه المناهج نحو المهارات التي يطلبها السوق العالمي: النمذجة الرقمية، التصميم ثلاثي الأبعاد، أدوات الذكاء الاصطناعي… بينما تُقصى المواد النظرية التاريخية باعتبارها “أقل توظيفًا” و”عقيمة اقتصاديًا”، هذا التوجيه يُنتج معماريين تقنيين فاقدين للبوصلة الثقافية والقدرة النقدية، ويُعيد إنتاج التبعية للنماذج الغربية التي قد لا تلائم السياق البيئي أو الاجتماعي العربي. ويُصبح المعماري أداة في سلسلة إنتاج غربية، بدلًا من أن يكون فاعلًا ثقافيًا ومجتمعيًا.
ما الذي نخسره حين يغيب التاريخ؟


حين يغيب التاريخ من التعليم المعماري، يحدث انفصال خطير بين المصمم والمكان. فالمعماري الذي لا يعرف تاريخه، لا يستطيع بناء مستقبله، كما لا يُتقن قراءة رموز الفضاء المحلي ولا الاحتياجات الاجتماعية والروحية للمجتمع، وقد أشار العديد من الباحثين إلى أن غياب العمق التاريخي يؤدي إلى مشاريع معمارية سطحية ومُقحمة على المحيط، تعتمد التباهي الشكلي دون مضمون، وتُفرّغ العمارة من بعدها الثقافي والبيئي والرمزي (العولمة والتعليم المعماري.
نحو إصلاح نقدي للمناهج المعمارية


إن المطلوب اليوم ليس الانغلاق على الذات، ولا رفض العولمة جملة وتفصيلًا، بل تطوير مناهج تعليمية متوازنة تُدمج بين المهارات التقنية والمعرفة التاريخية، وتُعيد الاعتبار للعمارة الإسلامية والعربية ضمن سياقها الحيّ، كرافد إبداعي ومصدر نظري غني، وتشمل المقترحات العملية:


⦁ تعزيز مساقات تاريخ ونظريات العمارة الإسلامية كمتطلبات أساسية لا اختيارية.
⦁ تطوير محتوى نقدي وتحليلي لهذه المساقات، لا يكتفي بالتوثيق بل يُعمق التفكير المعماري.
⦁ ربط التعليم النظري بالممارسة التصميمية، من خلال مشاريع تستوحي من التراث بروح معاصرة.
⦁ إعادة كتابة تاريخ العمارة من منظور محلي عربي – إسلامي، يعيد التوازن في المرجعية.
⦁ تدريب الكادر الأكاديمي على التفاعل النقدي مع الاتجاهات العالمية دون الانسلاخ عن الهوية.


التاريخ ليس رفاهية معرفية


في زمن العولمة المعمارية، يصبح التاريخ أكثر من ضرورة معرفية، بل أداة مقاومة ضد الذوبان، وسلاحًا للحفاظ على الهوية والخصوصية الثقافية. وإذا كان التعليم المعماري لا يُنتج وعيًا بالتاريخ، فإنه يُعيد إنتاج عمارة بلا روح ولا معنى، إن إنقاذ العمارة العربية والإسلامية من الإقصاء يبدأ من قاعات الدرس، ومن عقل الطالب، ومن كتاب التاريخ. فالعمارة ليست جدرانًا تُبنى، بل أفكارًا تُغرس، وذاكرة لا يجوز التخلي عنها تحت ضغط السوق أو سطوة الحداثة.

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم السبت 19 أبريل كالتالي :عيار 22 69.600عيار 21 66.500