2:00 صباحًا / 19 أبريل، 2025
آخر الاخبار

لا عودة منفى ، ولا منفى عودة ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

لا عودة منفى ، ولا منفى عودة ، بقلم : ثروت زيد الكيلاني

في خضم مجازر تُرتكب على مدار الساعة في قطاع غزة، خرج الرئيس الإندونيسي برابو سوبيانتو بموقف يبدو إنسانيًا في ظاهره، لكنه يثير تساؤلات سياسية وأخلاقية عميقة في باطنه: “إندونيسيا مستعدة لاستضافة الجرحى، والأيتام، والمصابين بصدمات من غزة، مؤقتًا، ريثما تهدأ الأوضاع ويعودون”.

هذا التصريح، الصادر من رئيس لدولة ذات ثقل ديمغرافي وروحي في العالم الإسلامي، لا يمكن قراءته بمعزل عن السياق الدولي المتشابك، خاصة بعد فوز دونالد ترامب بولاية ثانية، واشتداد قبضة الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة، وانكشاف نواياها علنًا نحو مشروع تهجير أهل غزة بشكل قسري أو مقنّع. فهل يتحول الموقف الإندونيسي إلى “ممر ناعم” لخطة التهجير الاستراتيجي؟ وهل يخدم ــ عن قصد أو غير قصد ــ هندسة ديمغرافية تسعى إسرائيل لفرضها بالقوة؟

أولًا: البعد الإنساني… بين الإغاثة والتفريغ


لا شك أن المبادرة تستند إلى خلفية أخلاقية نبيلة، تعكس مشاعر التضامن والتكافل مع شعب يقصف ليلًا ونهارًا. ولكن، في ميزان السياسة، تتحول النوايا الطيبة إلى أوراق تفاوض، إن لم تُضبط بسياقات قانونية وسيادية صارمة. فـ”الاستضافة المؤقتة”، في ظل غياب ضمانات العودة الملزمة، ليست أكثر من خطوة تمهيدية نحو التفريغ السكاني التدريجي.

المعضلة هنا أن مَن يقرر عودة هؤلاء ليس الشعب الفلسطيني، ولا حتى سلطته، بل الاحتلال الإسرائيلي الذي يتحكم في الحدود والمعابر، ويملك قرار المنع والمنح. وبالتالي، يصبح الحديث عن “عودة بعد التعافي” نوعًا من التسويف السياسي، قد لا يتحقق أبدًا في ظل اختلال موازين القوة.

ثانيًا: التوقيت… في حضرة ترامب ونتنياهو


تتزامن مبادرة إندونيسيا مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، في لحظة فارقة تشهد دفعًا أمريكيًا واضحًا نحو تصفية القضية الفلسطينية من بوابة الواقع لا القرارات. ترامب، الذي لم يُخفِ دعمه المطلق لإسرائيل، عاد بخطاب أكثر تطرفًا واستعدادًا لمنح تل أبيب الغطاء الكامل لمشاريعها التوسعية، ومنها مشروع “غزة الكبرى” التي تُطهر ديمغرافيًا من أهلها، ليُعاد رسمها بترتيبات إقليمية جديدة.

ومن هنا، فإن أي استضافة “مؤقتة” قد تندرج ضمن تصور صُنع خلف الأبواب المغلقة: تفريغ غزة من أبنائها، تشتيت النسيج الوطني الفلسطيني، وخلق معازل سكانية يمكن دمجها في مجتمعات أخرى، تمهيدًا لإسقاط حق العودة واستبداله بـ”حق البقاء الآمن”.

ثالثًا: الواقعية السياسية… إندونيسيا بين التعاطف والدور


إندونيسيا قوة ديمغرافية إسلامية كبرى، لكن موقعها الجغرافي، وبعدها عن الإقليم، يجعلها غالبًا خارج دائرة التأثير المباشر في القضية الفلسطينية. لهذا، فإن إعلانها استعدادها لاستضافة الفلسطينيين يمنحها دورًا رمزيًا، لكنه في ذات الوقت قد يتحول إلى فخ دبلوماسي، إن لم يُضبط بشروط واضحة:


• لا توطين.
• لا تنازل عن حق العودة.
• لا مساهمة في إعادة تشكيل المشهد الديمغرافي الفلسطيني.

ورغم أن جاكرتا أعلنت دعمها لحل الدولتين، إلا أن هذا الموقف بات اليوم، في ظل التحولات الدولية الراهنة، أقل من الحد الأدنى لمواجهة ما يجري من جرائم إبادة وتهجير واستيطان. المطلوب أن يتحول الدعم السياسي إلى أداة مقاومة للهيمنة، لا مجرد تضامن معنوي.

رابعًا: الغائب الأكبر… الضمانات


المبادرة الإندونيسية تفتقر للمرجعيات القانونية والضمانات الدولية. من يضمن عودة الأيتام إن تم دمجهم في مجتمعات آسيوية؟ من يضمن أن لا يتحول “اللاجئ المؤقت” إلى مهاجر دائم؟ من يضمن أن لا تستخدم إسرائيل هذا المخزون البشري الجديد في معارك السردية ضد الفلسطينيين، باعتبار أن جزءًا من “شعب غزة” خرج بإرادته ووجد وطنًا بديلًا؟

ثم، بأي آلية سيتم إعادة من تم إجلاؤهم؟ ومن سيضمن لهم سكنًا وحقوقًا كاملة في وطن باتت إسرائيل تعيد ترسيم حدوده وسكانه بالعنف والقوة؟

من السياسة إلى المقاومة الرمزية

ما نحتاجه اليوم ليس فقط مواقف تعاطفية، بل مواقف استراتيجية تُعيد الاعتبار للحق الفلسطيني الثابت، وتحاصر المشروع الصهيوني من بوابته الأخطر: البوابة الديمغرافية. يجب على الدول الإسلامية، وفي مقدمتها إندونيسيا، أن تُشهر موقفًا حازمًا: لا مساومة على وحدة الأرض والشعب، لا تفكيك لغزة تحت عباءة الإغاثة، ولا خروج من الوطن إلا للعودة إليه.

إن أكبر خدمة تقدم لغزة في هذه اللحظة ليست نقل جرحاها، بل تثبيت أهلها، ودعم صمودهم، وفضح نوايا من يسعون لتفريغها من سكانها. فغزة، رغم الجراح، ليست عبئًا… بل هي جوهر المعركة، ورمز البقاء، وأيقونة الأرض التي ترفض أن تُبتلع

شاهد أيضاً

أسعار الذهب اليوم

أسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت أسعار الذهب اليوم السبت 19 أبريل كالتالي :عيار 22 69.600عيار 21 66.500