
الحرم الإبراهيمي.. بين مطرقة التهويد وسندان التخاذل العربي ، بقلم : المهندس غسان جابر
في قلب مدينة الخليل، حيث تمتزج رائحة التاريخ بصوت الأذان، يقف الحرم الإبراهيمي الشريف شاهدًا على قرون من الإيمان والصمود. ليس مجرد مسجدٍ يحتضن مقامات الأنبياء، بل هوية حضارية ودينية تعكس جذور الوجود الفلسطيني في هذه الأرض. اليوم، يتعرض الحرم لأبشع عمليات التهويد والتزوير، بينما يقف العالم العربي متفرجًا، وكأن هذا الإرث العظيم ليس جزءًا من تاريخه، وليس امتحانًا لمصداقية دفاعه عن المقدسات.
منبر الأنبياء .. وساحة الصراع
تعود قدسية الحرم الإبراهيمي إلى أكثر من أربعة آلاف عام، منذ أن ضمّ رفات النبي إبراهيم عليه السلام وأفراد أسرته. ظل عبر العصور مزارًا للمؤمنين، ومسجدًا عامرًا بالصلوات، حتى جاء الاحتلال الإسرائيلي عام 1967، ليبدأ مسارًا طويلًا من الاستيطان والتهويد. وكانت مجزرة الحرم الإبراهيمي عام 1994، التي ارتكبها الإرهابي باروخ غولدشتاين بحق 29 مصليًا، نقطة التحول الأكثر سوادًا في تاريخه، حيث استغل الاحتلال هذه الجريمة ليقسم المسجد، مانحًا نصفه للمستوطنين، ويفرض قيودًا على الأذان والصلاة، وكأنه يكافئ القاتل على فعلته.
اليوم، لا يكتفي الاحتلال بالسيطرة العسكرية، بل يسعى إلى تحويل الحرم إلى كنيس يهودي، عبر قرارات تقييد دخول المسلمين، ومنع الأذان، وتوسيع المستوطنات التي تحاصره، في مشهد يذكرنا بما يجري في المسجد الأقصى.
أهل الخليل.. درع الحرم الإبراهيمي
رغم القمع والتضييق، لم يترك أهل الخليل الحرم وحيدًا. في كل صلاة، يمرّون عبر الحواجز، يخضعون للتفتيش، ويتحدّون بطش المستوطنين، لأنهم يدركون أن المعركة ليست فقط على الحجر، بل على البقاء والهوية. فالحرم ليس مجرد مكان مقدس، بل عنوان الصمود الفلسطيني.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: إلى متى يظل أهل الخليل وحدهم في هذه المواجهة؟
الصمت العربي والدولي يمنح الاحتلال الجرأة على التمادي، ويجعل تهويد الحرم الإبراهيمي مسألة وقت، كما حدث في عشرات المواقع الإسلامية الأخرى. إذا لم يكن هناك تحركٌ حقيقي، فإننا أمام سيناريو مشابه لما جرى في الأقصى، حيث يُعامل الفلسطينيون كضيوف غير مرغوب فيهم في مقدساتهم.
نداء إلى الشيخ محمد بن زايد: أين “البيت الإبراهيمي” من الحرم الإبراهيمي؟
في السنوات الأخيرة، أطلقت الإمارات مبادرة “البيت الإبراهيمي”، التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين الأديان. وكان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان أحد أبرز رعاتها. لكن هذه المبادرة، التي تحمل اسم النبي إبراهيم، تبقى ناقصة ما لم تشمل الدفاع عن الحرم الإبراهيمي، أقدس مكان يحمل هذا الاسم في العالم.
كيف يمكن الترويج للتسامح بين الأديان، بينما الحرم الإبراهيمي يُقسّم بقوة السلاح، ويُمنع المسلمون من أداء عباداتهم بحرية؟ كيف يُرفع شعار التعايش، بينما سكان الخليل يُطردون من أسواقهم، وتُغلق متاجرهم، ويُحاصر مسجدهم؟
إننا، من قلب الخليل، نوجّه نداءً إلى الشيخ محمد بن زايد: إذا كان “البيت الإبراهيمي” مشروعًا حقيقيًا للسلام والتسامح، فليكن الحرم الإبراهيمي جزءًا منه. إن حماية هذا المعلم الإسلامي ليست فقط قضية فلسطينية، بل واجب عربي وإسلامي وإنساني. ولا نطلب بيانات استنكار، بل خطوات عملية:
الضغط الدولي لمنع تهويد الحرم.
دعم صمود أهل الخليل اقتصاديًا وسياسيًا.
التصدي لقرارات الاحتلال بفرض واقع جديد داخل المسجد.
الخليل لا تسقط.. والحرم لن يُمحى
إن ترك الحرم الإبراهيمي لمصيره المحتوم يعني التفريط في جزء من هوية الأمة. التاريخ يُكتب الآن، والخليل تنادي كل صاحب ضمير حرّ: إما أن تكونوا مع حماية مقدساتكم، أو تسجلوا صمتكم في سجل العار.
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)