9:37 مساءً / 14 مارس، 2025
آخر الاخبار

التطهير العرقي جار جنوب الضفة الغربية ، بقلم : سعيد مضيه

التطهير العرقي جار جنوب الضفة الغربية ، بقلم : سعيد مضيه

التطهير العرقي جار جنوب الضفة الغربية ، بقلم : سعيد مضيه

“بلّّغ حكايتنا”! صاح الرجل في قفص الحاجز، باللغة الإنجليزية. كان هو وحشد من الرجال المسلمين الفلسطينيين متجمعين معًا بانتظار أن يتم فحصهم، واحدًا تلو الآخر، من قبل جندي إسرائيلي في كشك زجاجي حتى يتمكنوا من الذهاب إلى الحرم الإبراهيمي في الخليل لأداء الصلاة. مثل هذا الإذلال اليومي والروتيني هو السمة المميزة للاحتلال الإسرائيلي.


كنت في الخليل لمدة أسبوعين مؤخرًا كجزء من وفد فريق صانع السلام المجتمعي . كل يوم نشاهد أونسمع شهادات من أشخاص يعيشون هناك والذين كانوا يعيشون تحت بنادق قوات الاحتلال الإسرائيلي I و 800 مستوطن لا يخفون عداءهم للمواطنين ممن يبلغ تعدادهم بالمدينة 200000 نسمة، ومع هذا يزعم المستوطنون انها ملك لهم وان الههم وهبها. كنت أحتفظ بمدونة أحاول التقاط واحدة من القصص العديدة التي سمعناها عن الاضطهاد الجاري ضد السكان الأصليين.


تقع الخليل في الجزء الجنوبي من الضفة الغربية. إ الخليل لم تتعرض لمعاملة الإبادة الجماعية التي تعرضت لها جنين وطولكرم ونور شمس ف وغزة. ولكن كما قال لي أحدهم: “نحن ننتظر دورنا”. وربما تصل الدبابات والقنابل إلى الخليل أيضاً، ولكن ما يحدث هناك في الوقت الحالي هو عملية احتلال عسكري واستعمار استيطاني مستمرة منذ عقود.


ألقصص التي سمعناها مروعة. وكل منا لديه قصة. فقد اعتقل معظم الرجال وأودعوا السجن و عذبوا؛ ومن الشائع أن يقتحم الجنود منزلك في منتصف الليل ويصرخون ويضربون الجميع ويختطفون الآباء والأبناء والبنات ويأخذونهم إلى أماكن مجهولة دون توجيه اتهامات لهم ولمدة غير محددة. ويتم هدم منازل بأكملها بانتظام. وتسرق الأراضي. ويتم تقييد الحركة. والمراقبة مستمرة ومنتشرة. ولكن هذه القصص لا تظهر في الأخبار. فقد أصبحت عادية للغاية.
فيما يلي قصتان قد تعطيان لمحة عن الحياة اليومية في الخليل.


أخبرتنا امرأة تبلغ من العمر 20 عامًا عن عامها في السجن. فقد روت لنا الظروف المتسخة والمزدحمة، وندرة الطعام ورداءته، وعمليات التفتيش العاري، والضرب، والإساءة اللفظية المستمرة.


قالت إن أصعب شيء شهدته كان عندما أحضر الى السجن نساء من غزة. كن يرتدين ملابس ملطخة بالدماء وقد تم نزع الحجاب عنهن. لم يعطوهن أسرّة، ولا أي شيء لتنظيف أنفسهن. تم إعطاؤهن ملابس متسخة ملوثة عمدًا بالقمل. عندما ذهبن إلى الحمام، أخذهن جنود من الذكور.


ثم أخبرتنا قصة 7 أكتوبر 2024، الذكرى السنوية الأولى للهجوم الغزّي على الإسرائيليين. دخل ضابط غرف النساء وأعطاهن 30 ثانية لتغطية أنفسهن قبل أن يدخل الجنود. عندما جاء الجنود، وضعوا قيودًا بلاستيكية على أيدي النساء، وعصبوا أعينهن، وأخرجوهن. أجبروهن على الاستلقاء على وجوههن على أرض موحلة، وضربوهن، وشتموهن بكراهية، وأخرجوا كلاب الشرطة لإرهابهن. وبينما كان هذا يجري، دخل الجنود إلى زنازينهن، وأخذوا كل ملابسهن، وأطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع في زنازينهن. ثم أعادوا النساء إليها .


في يوم آخر، أخبرنا رجل مسن يعيش في منزل عائلي توارثته الأجيال عن المضايقات اليومية التي يتعرض لها من قبل المستوطنين الذين يعيشون بجوار منزله. وبحماية قوات الاحتلال، يأخذون قطعًا من أرضه كل يوم. لقد سمموا أغنامه، وسرقوا زيتونه، ودمروا أكثر من 250 شجرة زيتون.


منزل العجوز مكان للتجمعات العائلية بشكل متكرر. خلال إحدى هذه التجمعات الأخيرة، اقتحمت مجموعة كبيرة من المستوطنين المنزل وبدأوا في الاعتداء على الناس. كان بعضهم يرتدي زي الجنود. كان هناك العديد من الإصابات، وكسر النوافذ، وألحقت أضرار بالسيارات. ثم منعوا سيارة إسعاف من الوصول إلى المنزل.


هاجم المستوطنون بالحجارة عائلته في الحقول والمزرعة، لوحوا بالبنادق، وضربوهم بالعصي. قادوا سيارات جيب مباشرة داخل المنزل، وألقوا جرافات مليئة بالقمامة عند أبواب دورهم . أطلق الجنود الغاز المسيل للدموع داخل منزلهم وأطلقوا طائرات بدون طيار في كثير من الأحيان.


. القصة التي سمعناها في قرية أم الخير في تلال جنوبي الخليل هي رمز لما يحدث في جميع أنحاء الضفة الغربية. تتكون القرية إلى حد كبير من أحفاد اللاجئين من نكبة 1948. بجوار القرية مباشرة توجد مستوطنة تضم حوالي 500 عائلة إسرائيلية، وبالقرب منها قاعدة عسكرية. يعمل المراهقون من المستوطنة كحراس في الخطوط الأمامية. يتجولون بالعصي ويرشون رذاذ الفلفل مما يجعل الحياة بائسة ومتوترة لأهل القرية. اقتحموا المنازل وضربوا النساء وأتلفوا مضخة المياه في القرية، بل ودفعوا سيارات الجيب داخل البيوت وألقوا حمولة جرافات من الزبالة عند أبواب دورهم وقادوا أغنامهم بين منازل القرية.


كلما اشتكى أهل القرية للشرطة من مثل هذه الهجمات، تقول الشرطة إن المستوطنين أبلغوهم بأن المراهقين يتعرضون للهجوم من قبل الفلسطينيين. وتهدد الشرطة باعتقال القرويين إذا استمروا في إجراء هذه المكالمات.
تم اصطحابنا إلى منزل هدم مؤخرًا حيث كان يجلس شابان فلسطينيان ينظران بحزن إلى الأنقاض. كانت ثلاث غرف وخزان مياه متراكمة في أكوام. أخبرنا أحد الرجلين أن والدته البالغة من العمر 60 عامًا، والتي كانت تملك المنزل، ألقيت على الأرض عندما صرخت بشأن تدمير منزلها. لم يكن هناك ما يمكن أن يفعله الابن أو الأم حيال ذلك. تعيش أسرتهما الآن مع جار مجاور. في يونيو، هدمت إسرائيل 10 منازل في صباح واحد في القرية.
قيل لنا أن القانون الإسرائيلي يحظر على الناس إعادة بناء منزل هدم في نفس الموقع. في الواقع، هناك منظمة استيطانية في إسرائيل تسمى ريجافين تطلق مسيّرات فوق المنازل المهدمة حديثًا كي تبلغ الجيش عن أي محاولة فلسطينية لإعادة البناء . مع ذلك، يخطط الابن والقرويون لإعادة بناء المنزل.


تحدث مرشدنا في القرية عن الصدمة التي سببها كل هذا، وخاصة بالنسبة للأطفال. قال: “من الصعب جدًا علينا أن نعيش في هذه الحالة. هؤلاء الناس ليسوا جيرانًا، ولا يهتمون بنا على الإطلاق. يعاملون كلابهم بشكل أفضل مما يعاملوننا”. كان قلقًا بشأن الصحة العقلية لبناته الخمس الصغيرات وجميع أصدقائه الذين يعيشون هناك.


سرنا إلى الطريق المعبد الذي تم وضعه للمستوطنة. جرى تعبيده فوق طريق ترابي كان موجودًا إبان سيطرة الأردن. قامت إسرائيل الآن بتحديد الطريق المعبد على أنه حدود القرية، ولا يُسمح لهم وأغنامهم “بالتعدي عليها”. بهذه البساطة، سُرقت أراضيهم الرعوية. كما قام الجنود بوضع بوابة في بداية الطريق لكي يتمكنوا من الدخول والخروج إلى القرية في أي وقت يريدون.


مررنا ببعض الأشجار الصغيرة، التي قدمها الصندوق القومي اليهودي(كيرن كاييمت)، والتي زرعها المستوطنون للتو بجوار منازل القرويين. كان الغرض الواضح من زراعة الأشجار هو إثبات حقهم في الأرض.


رأينا خطوط الكهرباء المؤدية إلى المستوطنة. لا يستطيع القرويون استخدام تلك الكهرباء. لديهم الطاقة فقط من عدد صغير من الألواح الشمسية. رأينا أيضًا مضخة المياه التي تم إصلاحها الآن والتي يُسمح لهم بسحب المياه منها يومين فقط في الأسبوع، لمدة 6 ساعات في المجموع. رأينا كاميرا المراقبة مثبتة على عمود يطل على القرية. قال مرشدنا: “إنهم يراقبوننا طوال الوقت”.


أخبرونا عن أصوات إطلاق النار من ميدان الرماية العسكري الذي تم وضعه بشكل غير قانوني على أرضهم. تخيلت مدى التهديد الذي قد يشكله ذلك، وخاصة بالنسبة للأطفال.


كل هذا الضغط ضد أم الخير هو حملة تطهير عرقي منهجية بطيئة الحركة، مصممة لدفع القرويين بعيدًا عن أراضيهم. والهدف ليس فقط هدم المنازل وحقوق الأرض والصحة العقلية. بل إنه يهدف هدم الأمل.


ولكن مما رأيته فإن الفلسطينيين لن يفقدوا الأمل أبداً. فكل قصة من قصص الظلم التي سمعناها كانت تُروى بروح من الصمود والمقاومة. ولم يكن أي فلسطيني التقيناه يخطط للمغادرة أو الاستسلام. وبدا أن الجميع يواصلون حياتهم، بفرح وفكاهة، ويقيمون علاقات صحية، على الرغم من الخطر والإهانات التي يعانونها. إنهم يرفضون العيش في خوف. وكما قال أحد الأشخاص: “هذا ما يريدونه، أن نشعر بالخوف. إنهم يريدون منا أن نرحل. ولن نخاف وسنبقى حتى ينتهي هذا الاحتلال”.


حدث لي مرارا وانا ازور أماكن تُعاني من العنف والقمع المصدّرين من الولايات المتحدة الأمريكية، أدهشتني خلال هذه الزيارة قوة شخصية الفلسطينيين الذين التقينا بهم التي تغبط كل صديق؛ ليسوا مُهزومين، ولا مُنكسرين، دافئون، كرماء، وكرام. لطالما شعرتُ بالأمان والاهتمام بهم من حولهم، مع أنني، كأمريكي، لم يكن لي الحق في توقع مثل هذه المعاملة. لم أشعر بالخوف والبرودة إلا عندما كنتُ بين جنود أو مستوطنين إسرائيليين. هذا له دلالته.


لطالما حظر على عمدا على قصص الفلسطينيين وأصواتهم من قِبل القوى المسيطرة في الولايات المتحدة والغرب؛ كذلك تعرضوا لمعاملة سيئة عبر حوالي المائة عام حقيقة ؛ انفجرت فقاعة التعتيم والأكاذيب مع الإبادة الجماعية في غزة، واماطت اللثام عن الحقيقة البشعة للمشروع الصهيوني في جميع أنحاء فلسطين. إنه ورم سرطاني.


لا تزال الخليل مدينة نابضة بالحياة، تعج بالحياة. فلتُسمع قصصها التي لا تُحصى، وليُرفع عنها الاحتلال.

شاهد أيضاً

مستوطنون يواصلون تجريف أراضٍ واقتلاع أشجار الزيتون غرب سلفيت

مستوطنون يواصلون تجريف أراضٍ واقتلاع أشجار الزيتون غرب سلفيت

شفا – يواصل المستوطنون بحماية جيش الاحتلال، اليوم الجمعة، أعمال التجريف لمساحات واسعة واقتلاع أشجار …