2:28 مساءً / 12 مارس، 2025
آخر الاخبار

من التغيير إلى الفوضى؟ سوريا بين سوريا بين التحديات الداخلية والتدخلات الإقليمية ، بقلم : سالي أبو عياش

من التغيير إلى الفوضى؟ سوريا بين سوريا بين التحديات الداخلية والتدخلات الإقليمية ، بقلم : سالي أبو عياش


شهدت سوريا في الفترة الأخيرة تحولات سياسية وأمنية عميقة أثرت على مستقبل البلاد ومسارها، فمنذ اندلاع الأزمة السورية مرت البلاد بمراحل متباينة من النزاع والتدخلات الإقليمية والدولية، وصولاً إلى تغييرات دراماتيكية على الأرض.


وبينما يأمل البعض في أن تؤدي هذه التحولات إلى بداية جديدة، تزداد المخاوف من أن تكون الفوضى هي النتيجة الحتمية، خاصة في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية في مناطق مختلفة وتحت ذرائع مختلفة متناسيين أن الانسان هو الانسان ومن حقه العيش بكرامة مهما كان دينه أو عرقه.


مرت سوريا بمرحلة مفصلية عقب تطورات سياسية داخلية وضغوط إقليمية ودولية. إذ شهدت الفترة الأخيرة تراجعاً لنفوذ بعض القوى، في مقابل صعود أخرى، مما أدى إلى إعادة تشكيل الخريطة السياسية والعسكرية في البلاد، في ظل وجود صراع بين القوى المحلية، ما يطرح تساؤلات حول مستقبل الحكم والاستقرار في سوريا.

من جهة أخرى، أدت الضغوط الدولية إلى تحولات في العلاقات الدبلوماسية، حيث برزت محاولات لإعادة سوريا إلى الحاضنة العربية، مع استمرار الحذر من بعض الدول بشأن التعامل مع النظام الحالي، هذه التحركات تعكس حالة من الغموض حول ما إذا كان هناك حل سياسي شامل وستعود سوريا كما كانت في أوج حياتها، أم أنها ستظل ساحة لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى.


لقد تصاعدت التهديدات الإرهابية مع التغيرات السياسية والأمنية الحالية، عادت الهجمات الإرهابية إلى الواجهة من جديد، حيث شهدت مناطق عدة في سوريا تفجيرات وعمليات مسلحة استهدفت قوات الأمن والمدنيين على حد سواء. وربما قامت بعض الجماعات الإرهابية بإعادة تنظيم صفوفها مستغلة الفراغ الأمني وعدم الاستقرار السياسي.
فعلى سبيل المثال تشكل الهجمات الأخيرة مطرحاً للتساؤلات حول مدى قدرة السلطات السورية بقادتها الحالين وبرئاسة أحمد الشرع الذي عرف لسنين طويلة ب (الجولاني) وحلفائها على احتواء الخطر الإرهابي ومنع انتشاره.

كما أن تفشي الفوضى في بعض المناطق يعزز من قدرة الجماعات المسلحة على تنفيذ عملياتها، ما يزيد من معاناة السوريين الذين يعيشون بالفعل في ظروف اقتصادية وإنسانية صعبة، إذ لا يمكن فصل التحديات السياسية والأمنية عن الواقع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه سوريا. فقد تدهورت الأوضاع المعيشية بشكل كبير، حيث ارتفعت أسعار المواد الأساسية بشكل غير مسبوق، وأصبح تأمين الاحتياجات اليومية تحدياً للكثير من المواطنين، كما أن البنية التحتية لا تزال متضررة بشدة، ما يزيد من صعوبة إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار الاقتصادي.


من جانب آخر، تؤثر الأزمة على النسيج الاجتماعي السوري، حيث تفاقمت الانقسامات بين مختلف الفئات، ومن الممكن أن تؤدي إلى حرب أهلية طائفية، ففي ظل استمرار غياب الحلول الفعالة، تظل التساؤلات مفتوحة حول قدرة سوريا على تجاوز هذه المرحلة والعودة إلى مسار التعافي من جديد.


تقف سوريا اليوم عند مفترق طرق، حيث تتأرجح بين احتمالات الاستقرار أو استمرار حالة الفوضى التي أرهقت البلاد لسنوات، مقترحات لتقسيم الأرض والمناطق السورية بين أطراف مختلفة، فمع التغيرات السياسية المتسارعة يبقى مستقبل سوريا غامضاً. وتداعيات سقوط سوريا قد تكون كارثية على المنطقة الإقليمية برمتها، حيث يبدو أن الحقبة الأمريكية-الإسرائيلية في الشرق الأوسط ستستمر لفترة طويلة، لتصبح إسرائيل جزءاً لا يتجزأ من جغرافيا المنطقة العربية ومركزاً للتحكم فيها، وستُرفع أعلامها في العديد من العواصم العربية، ورفعته في جبل الشيخ والسويداء في سوريا وستستمر في محاولاتها حتى ترفعه في الرياض.


في الختام : إن ما يجري في سوريا ليس مجرد أزمات داخلية معزولة، بل هو جزء من مشروع تفكيك أوسع يستهدف المنطقة بأكملها، تمهيداً لتحقيق “إسرائيل الكبرى”، حيث تدرك إسرائيل أن القوة العسكرية وحدها لا تكفي لفرض سيطرتها، فالحل السحري بالنسبة لها هو إغراق الدول المجاورة في صراعات داخلية، بحيث يفقد الجميع القدرة على فهم من يقاتل من، ولأي سبب كان وهذه الاستراتيجية ليست عشوائية، بل مدروسة بدقة، حيث يتم تفكيك المجتمعات من الداخل، وإثارة الفتن الطائفية، ليصبح العدو الحقيقي غائبا، ويُستبدل بخصوم مختلقين يتناحرون فيما بينهم وبهذا، لا تحتاج إسرائيل إلى جيوش لتوسيع حدودها، فنحن نقوم بالمهمة عنها بكل كفاءة وسذاجة.


فالصراع العربي الإسرائيلي ليس إلا حرباً وجودية على الوعي قبل أن يكون حرباً على الأرض، والمعركة تُخاض على الإدراك، الهوية، وعلى المفاهيم التي تحدد كيف نرى أنفسنا وكيف نحدد الآخر. فطالما استمرت آليات التبرير في قبول العنف كأمر واقع. وستظل دورة الصراع تعيد إنتاج نفسها، ويتحول القاتل والمقتول إلى أدوات في مشروع الهيمنة، بينما تبقى القوى الكبرى هي المستفيد الوحيد وهذا ما نشهده اليوم في فلسطين، حيث يتم تدمير أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية موحدة عبر الإبقاء على الفصل الجغرافي بين غزة والضفة والقدس، وإشعال الفوضى المنظمة لضمان بقاء الاحتلال وتعزيز نفوذه العسكري. وفي ظل استمرار الانخداع بالمخططات الاستعمارية، قد نجد أنفسنا أمام خرائط جديدة لدول عربية ممزقة، تخضع لحكم “جولانيات” محلية تعمل كأدوات في خدمة مشاريع الهيمنة الإقليمية والدولية.

وهنا يبرز السؤال الجوهري: هل سيدرك العرب فداحة هذا المسار، أم أنهم، دون وعي، يشرعنون قوى ستنقلب عليهم لاحقاً، لتُسهّل تنفيذ المشروع الصهيوني؟ فالمواجهة ليست فقط في ميادين القتال، بل في الإدراك والوعي بالمخططات التي تُحاك.
ورغم فشل القمم العربية في وضع رؤية واضحة وخطة متكاملة لمواجهة هذا التهديد، يثبت التاريخ أن من لا يدرك المخاطر المحدقة به، ولا يتخذ موقفاً واضحاً لمواجهتها، سيجد نفسه عاجلاً أم آجلاً مجرد أداة في مخططات غيره، يُنفّذها دون أن يدري، ويساهم في تحقيق أهداف أعدائه وهو يظن أنه يحاربهم.


وفي خضم التساؤلات المتكررة والمتزايدة، نجد أن السؤال الذي يجب أن يُوجَّه للدول العربية بأسرها هو: هل ستتمكن البلاد من تجاوز هذه العقبات والبدء في إعادة البناء، أم أن التحديات الأمنية والاقتصادية ستظل تعيق أي تقدم؟ الإجابة على هذا السؤال ستتحدد بناءً على التطورات القادمة، وما إذا كانت الأطراف الفاعلة قادرة على التوصل إلى حلول عملية تنهي الأزمة المستمرة.


كاتبة باحثة فلسطينية متخصصة العلوم السياسية والعلاقات الدولية

شاهد أيضاً

الصين تدعو إلى خطة سلام دائم عقب موافقة أوكرانيا على وقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا

شفا – تأمل الصين من جميع الأطراف المعنية بالأزمة الأوكرانية الانخراط في حوار وتفاوض، والتوصل …