
الدكتورة فاطمة دويكات ، حين تجتمع في امرأةٍ واحدةٍ روحُ الباحثة، قلبُ الأم، ورسالةُ المعلِّمة ، بقلم: د. تهاني رفعت بشارات
هناك أشخاصٌ يمرون في حياتنا مرور النسيم، يتركون أثرًا طيبًا دون أن نشعر، وهناك أشخاصٌ آخرون يشبهون الشمس، حضورهم دافئٌ، ونورهم يُضيء الدروب من حولهم، فيمنحون الحياة معنىً أجمل، ويُرسِّخون في قلوبنا قيم العطاء والمحبة والوفاء. ومن بين هذه الشخصيات الاستثنائية التي كان لي شرف التعرف إليها، كانت الدكتورة فاطمة دويكات، المرأة الفلسطينية الباحثة، الأستاذة الجامعية، الأم المحبة، والإنسانة التي لا تشبه إلا ذاتها.
لقاءٌ أوَّل… بدايةُ حكايةٍ نابضةٍ بالإلهام
حين التقيتُ الدكتورة فاطمة دويكات للمرة الأولى خلال أحد المؤتمرات العلمية في جامعة النجاح الوطنية، لم يكن مجرد لقاءٍ عابر، بل كان لحظةً من التلاقي الفكري والإنساني، حيث وجدت نفسي أمام باحثةٍ متمكنة، تمتلك فكرًا عميقًا، وأستاذةٍ جامعيةٍ تؤمن برسالتها، وإنسانةٍ تحمل في قلبها حبًّا صادقًا للعلم ولطلابها. كانت كلماتها تعكس شخصيةً قويةً، وابتسامتها تحمل في طياتها ثقةً ودفئًا، فتُشعرك وكأنك أمام أختٍ كبرى تُرشد، ومعلمةٍ حكيمة تُلهم، وإنسانةٍ نبيلةٍ تُعطي دون مقابل.
ما يميزها ليس فقط علمها الواسع أو مكانتها الأكاديمية، بل أسلوبها الراقي في التعامل، تواضعها الذي يزيدها رفعةً، وإيمانها العميق برسالة التعليم. فحين تتحدث مع طلابها، تُخاطب عقولهم بلغة العلم، وقلوبهم بلغة الإنسانية، فتُبسط لهم المعقد، وتُقرب لهم البعيد، وتجعل من اللغة الإنجليزية نافذةً للحياة، لا مجرد مادةٍ أكاديميةٍ تُدرَّس في القاعات.
دعوةٌ مشرفةٌ… حين يجتمع العلم بالتقدير
مرت الأيام، وكما يُقال: “الأرواح جنودٌ مجندة”، فكان لابد لهذا اللقاء أن يثمر عن مزيدٍ من التواصل، حتى جاء ذلك اليوم الذي تواصلت فيه معي الدكتورة فاطمة دويكات، ودعتني لأكون ضمن لجنة الممتحنين في مشاريع تخرج طلبة اللغة الإنجليزية في جامعة القدس المفتوحة. لم تكن مجرد دعوةٍ أكاديمية، بل كانت فرصةً رائعةً لأن أكون جزءًا من هذا الحدث العلمي، وأن أرى عن قُربٍ ثمار جهودها في دعم طلبتها وتشجيعهم.
في يوم المناقشة، كانت الأجواء مشحونةً بالحماس، وكان الطلبة يقفون بكل فخرٍ ليقدموا أبحاثهم أمام اللجنة، لكن ما لفت انتباهي لم يكن فقط مستوى الأبحاث، بل ذلك الدعم الدائم الذي تمنحه لهم الدكتورة فاطمة، وتلك القدرة العجيبة على تبسيط الأمور لهم، وإزالة رهبة الامتحان من قلوبهم، وجعلهم يشعرون بأنهم قادرون على تحقيق الأفضل.
إن تدريس اللغة الإنجليزية ليس أمرًا سهلًا، فهو بحرٌ واسعٌ يحتاج إلى مهاراتٍ متقدمة، وصبرٍ طويلٍ، وإيمانٍ حقيقي بقدرات الطلبة، وهذا ما رأيته بوضوحٍ في نهج الدكتورة فاطمة دويكات. كانت كالنخلة المثمرة، تمدُّ جذورها في العلم، وتعطي بلا حدود، وتمنح طلبتها ظلًّا من الطمأنينة والثقة بالنفس.
أكثر من أستاذة… قدوةٌ ورسالة
في زمنٍ أصبحت فيه القيم التربوية تتلاشى شيئًا فشيئًا، نجد في شخصياتٍ كالدكتورة فاطمة دويكات نموذجًا يُعيد إلينا الثقة بأن التعليم ليس مجرد مهنة، بل رسالةٌ تتطلب الحب والالتزام والتفاني.
لم تكن مجرد أستاذةٍ جامعيةٍ تُلقي المحاضرات، بل كانت مربيةً تحمل في قلبها حرص الأم على طلابها، وباحثةً لا تكلُّ عن اكتشاف الجديد، وإنسانةً ترى في كل طالبٍ مشروع نجاحٍ يستحق الدعم والرعاية.
فخرٌ وامتنانٌ لامرأةٍ تحمل نور العلم في قلبها
نفتخر بكِ دكتورة فاطمة دويكات، ونفتخر بإنجازاتكِ، ونعتزُّ بما تقدميه لطلبتكِ، فأنتِ ليستِ مجرد أستاذةٍ جامعية، بل نموذجٌ يُحتذى به لكل امرأةٍ فلسطينيةٍ قررت أن تجعل من العلم رسالة، ومن العطاء أسلوب حياة، ومن النجاح طريقًا لكل من يحيطون بها.
شكرًا لكِ لأنكِ لم تكوني فقط أستاذةً… بل كنتِ قدوةً، شكرًا لأنكِ لم تكوني فقط باحثةً… بل كنتِ مُلهمةً، شكرًا لأنكِ كنتِ دائمًا نورًا يُضيء دروب طلبتكِ، وحضورًا يُشعرهم بالأمان، ويدًا تمتدُّ لهم لتنتشلهم نحو الأفضل.
فعلًا، إنما الإنسانُ أثرٌ، وأثركِ في قلوب طلبتكِ باقٍ ما بقي العلم وما بقيت الإنسانية.