6:19 مساءً / 11 مارس، 2025
آخر الاخبار

عضوية مجالس الإدارة: تكليف أم تشريف؟ بقلم : سهى جدعون

عضوية مجالس الإدارة: تكليف أم تشريف؟ بقلم : سهى جدعون

عضوية مجالس الإدارة: تكليف أم تشريف؟ بقلم : سهى جدعون


تعد عضوية مجالس الإدارة أحد المكونات الأساسية الهامة في هيكل الحوكمة داخل الشركات والمؤسسات، فمجلس الإدارة هو أعلى هيئة حاكمة، ويتكون من عدد من الأعضاء الذين تمَّ انتخابهم أو تعيينهم، ويرأس المجلس الرئيس الذي يُنتخب أو يُرشح من قِبَل الأعضاء، ويظل المجلس طوال فترة دورته هو المسؤول عن الجوانب الإدارية، المالية، القانونية، والأخلاقية للمؤسسة. ومن المسميات الأخرى المتعارف عليها لمجلس الإدارة؛ مجلس الأمناء، مجلس النظار، مجلس المديرين، مجلس المحافظين، ومجلس الحكام. ومع ذلك، فإن التسمية الجديدة لمجلس الإدارة وفقًا لأنظمة وأدبيات الحوكمة العالمية الحديثة هي “الهيئة الحاكمة”.


تعد عضوية مجالس الإدارة من المناصب الرفيعة، إلا أن التساؤل الذي يطرح نفسه دائمًا هو: هل هذه العضوية تكليف أم تشريف؟ هل هي مسؤولية ثقيلة تتطلب جهداً ووقتاً وعملاً دؤوباً؟ أم أنها مجرد تكريم لمن يشغلون هذا المنصب، مما قد يحولها إلى شرف وحافز اجتماعي؟


يُعتبر مجلس الإدارة رأس الهرم في الشركات والمؤسسات ويقع على عاتق أعضائه مسؤوليات جسيمة تجاه الشركة أو المؤسسة، والمساهمين، والعاملين فيها، حيث تتطلب هذه المسؤوليات استثماراً كبيراً من الوقت والجهد، بالإضافة إلى المعرفة العميقة في مجالات متنوعة مثل الاقتصاد، الإدارة، الحوكمة، القانون، المحاسبة والمالية، إدارة المخاطر، والرقابة الداخلية. ومن المهم أيضا أن يكون أعضاء المجلس على دراية بالقوانين المحلية والدولية التي قد تؤثر على استراتيجيات الشركات والمؤسسات، كما أنهم بحاجة إلى أن يكونوا ملمين بالتحولات الاقتصادية العالمية وكيفية التعامل معها بشكل سريع وفعال.


بالعودة إلى نظم الحوكمة العالمية، نجد أن المواد التي تتحدث عن مسؤوليات مجلس الإدارة ومهامه وصلاحياته هي من أوسع المواد في أي نظام حوكمة، حيث يُعتبر مجلس الإدارة هو المسؤول الأول عن تحديد الرسالة والرؤية، وإطار العمل الاستراتيجي، ورسم السياسات، وتحديد التوجهات المستقبلية، وتحديد الأهداف والخطط الاستراتيجية للمؤسسة، والإشراف العام على تنفيذها. كما يتعين على المجلس المراجعة الدورية للأداء والتأكد من توافر الموارد البشرية والمالية اللازمة لتنفيذ هذه الخطط، وتحديد المستوى المقبول للمخاطر، ووضع الأنظمة والضوابط الرقابية في المؤسسة. بالإضافة إلى ذلك، يقوم المجلس بالتنسيق بين الجهات الرقابية الداخلية والخارجية، ويضع القيم والمعايير الأخلاقية التي تضبط عمل المؤسسة، ويشرف على التقيد بالأنظمة والقوانين واللوائح والسياسات. كما يتولى أيضا إدارة نظام الحوكمة في المؤسسة، والرقابة على أدائها العام وأداء الإدارة التنفيذية، وتعيين المدير العام أو التنفيذي.


وفي دراسة حديثة أعدتها شركة “ديليوت” (Deloitte) ، عرضت الدراسة مداخلات العشرات من رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة، وأوضحت التطور المتسارع لمسؤولياتهم التي أصبحت أكثر تطلباً وأهمية، وقد أظهرت أيضا أن نهج عملهم أصبح مختلفاً تماماً عما كان عليه في السابق، وأن المطالب المتوقعة منهم أصبحت أكثر بكثير من ذي قبل، ومن يتولى هذا الدور يجب أن يكون مدركاً للتحديات والمسؤوليات التي تقع على عاتقه.


ومع ذلك، لا يمكن تجاهل الجانب الاجتماعي لهذا المنصب، خاصة في الشركات أو المؤسسات الكبرى التي تتمتع بسمعة طيبة ومكانة اجتماعية مرموقة. فالانضمام إلى عضوية مجالس الإدارة قد يضيف إلى السيرة الذاتية للعضو، ويمنحه مكانة اجتماعية رفيعة.


في الختام، يُعد مجلس الإدارة أحد أهم الهيئات التي تقود المؤسسات، حيث يُشكل دور الأعضاء في المجلس حجر الزاوية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمصيرية، إذ يُعد بمثابة “المطبخ” الذي يتم فيه “طهي” القرارات التي تحدد مسار المؤسسة. على الجانب الآخر، يكون المجلس مسؤولاً أمام الجهات الرقابية عن أداء المؤسسة وإدارتها، وأي ضرر أو إهمال سيطال المجلس ككل وجميع الأعضاء فيه، إلا في استثناءات معينة. فالمجلس يشبه السفينة، غرقها يعني غرق جميع من فيها، وليس من تسبب في خرقها فقط، وهذا يعني أن كل عضو في مجلس الإدارة مسؤول، ويتحمل مسؤولية بذل جهده لأداء مهامه والتزاماته، فالقيمة الحقيقية للمنصب تكمن في تأثير القرارات التي يتخذها المجلس على نمو المؤسسة ونجاحها واستدامتها، وليس في المنافع والمزايا التي يحصل عليها من هذه العضوية.إذن، عضوية مجالس الإدارة هي تكليف وليست تشريف، ومن المهم، عند الانضمام إلى عضويتها، أن يضع كل عضو نصب عينيه المسؤولية الكاملة والمهام الثقيلة التي تقع على عاتقه، والقناعة التامة بالتطوع ثم التطوع ثم التطوع، والتفكير العميق قبل خوض هذه التجربة وتولي هذا المنصب.

شاهد أيضاً

الخارجية الصينية : لا بد من العودة إلى المسار الصحيح المتمثل في”حل الدولتين” لإيجاد حل نهائي للقضية الفلسطينية

شفا – قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ في المؤتمر الصحفي الاعتيادي يوم …