
الاقتصاد بين الصيادين ومستشاري هارفرد: كيف تسببت الاستشارات الاقتصادية في الحروب العالمية؟ بقلم : المهندس غسان جابر
في قديم الزمان، عندما كان البشر يصطادون السمك ويأكلونه دون أن يقلقوا بشأن الناتج المحلي الإجمالي أو التضخم، لم تكن هناك أزمة اقتصادية عالمية، ولا انهيارات مالية، ولا حتى مؤتمرات مملة عن السياسات النقدية. لكن فجأة، ظهر أشخاص يرتدون بدلات رسمية، يحملون شهادات ضخمة من جامعات مرموقة، ويستخدمون كلمات مثل “التنويع الاقتصادي” و”إدارة المخاطر”، وأقنعونا بأننا بحاجة إلى تعقيد حياتنا كي نكون سعداء!
مستشار اقتصادي يدخل قرية هادئة
تخيل أنك تعيش في قرية صغيرة، تصطاد ما يكفيك من السمك، تلعب مع أطفالك، تأكل مع زوجتك، وتغني مع أصدقائك في المساء. حياة بسيطة؟ نعم، لكنها خالية من التوتر والضرائب والديون. فجأة، يظهر مستشار اقتصادي حاصل على ماجستير من هارفرد، وينظر إليك باشمئزاز، ثم يبدأ في شرح خطة تنمية مستدامة لتحويل قريتك إلى “مركز تجاري إقليمي”.
في البداية، تقضي وقتًا أطول في الصيد، ثم تشتري قاربًا أكبر، ثم تنشئ مصنعًا، ثم تبدأ في توظيف عمال، ثم تظهر النقابات العمالية، ثم تأتي الضرائب، ثم تحتاج إلى قروض، ثم تصاب بالقلق من أسعار الفائدة، ثم تنهار سوق الأسهم، ثم تقع في الديون، ثم ينهار اقتصاد قريتك بالكامل، ثم تهاجر إلى مدينة كبيرة، حيث تعمل موظفًا في شركة استشارات اقتصادية تخطط لتدمير قرى أخرى بنفس الطريقة!
من الأسماك إلى الدبابات: كيف تؤدي الاستشارات إلى الحروب؟
إذا كنت تعتقد أن الأمر يتوقف عند ذلك، فأنت مخطئ تمامًا. عندما تتحول القرى الهادئة إلى مراكز اقتصادية ضخمة، تتنافس الدول على الموارد والأسواق. تبدأ الدول بإلقاء كلمات مثل “الأمن الاقتصادي” و”الهيمنة التجارية”، ثم تقرر أن الحل الأفضل لحماية مصالحها الاقتصادية هو… الحرب!
ألم تلاحظ أن معظم الحروب الكبرى بدأت بسبب الاقتصاد؟ الحربان العالميتان؟ نزاعات النفط؟ حتى الحروب التجارية اليوم هي مجرد طريقة أنيقة لشن الحروب دون استخدام الدبابات! في النهاية، تتحول الاستشارات الاقتصادية من مجرد نصائح حول كيفية بيع المزيد من السمك إلى استراتيجيات لغزو دول أخرى للحفاظ على سعر السمك منخفضًا في السوق العالمية.
الخلاصة: دعونا نصطاد السمك بسلام!
قبل أن يأتي مستشار اقتصادي إلى قريتك ويقنعك بأن سعادتك تكمن في امتلاك أسطول من سفن الصيد، تذكر أن الحياة ليست معادلة مالية. ليس كل شيء في الحياة يجب أن يكون قابلاً للقياس بالناتج المحلي الإجمالي أو معدل النمو السنوي. أحيانًا، يكون أفضل استثمار اقتصادي هو أن تجلس على شاطئ البحر، تصطاد سمكة صغيرة، وتأكلها مع أحبائك، بعيدًا عن جنون المستشارين الاقتصاديين وحروبهم التجارية والعسكرية.
لذلك، إذا جاءك مستشار اقتصادي يحمل حقيبة مليئة بالمخططات البيانية والنماذج الاقتصادية المعقدة، فخذ بنصيحة الصيادين المكسيكيين وقل له بكل هدوء: “شكرًا، لكنني أعيش الحلم الذي تحاول بيعه لي!”
م. غسان جابر (قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية)