12:58 صباحًا / 10 مارس، 2025
آخر الاخبار

الأستاذ سمير السوقي ، رجلٌ يترك الأثر ويصنع الفرق ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ سمير السوقي ، رجلٌ يترك الأثر ويصنع الفرق ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذ سمير السوقي… رجلٌ يترك الأثر ويصنع الفرق ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

هناك أشخاص يعبرون حياتنا كما تعبر الرياح، حضورهم عابرٌ، وذكراهم تتلاشى مع الزمن، وهناك آخرون يشبهون الأشجار المعمرة، جذورهم ضاربة في الأرض، وظلالهم ممتدة لمن يحتاج إليها، يهبون حياتهم للعطاء، يتركون أثرًا لا يُمحى، ويضيئون دروب الآخرين دون أن يطلبوا مقابلًا. الأستاذ الفاضل سمير السوقي واحدٌ من هؤلاء، رجلٌ لا يشبه إلا النبل في أصفى صوره، وكرم الأخلاق في أبهى تجلياته، يعمل في صمتٍ كالنهر الذي يروي العطشى، لكنه يترك أثرًا خالدًا في القلوب والعقول.

لقاءٌ لا يُنسى… مفاجأةٌ كُتبت في الذاكرة

حين تخرجتُ في الدكتوراه، لم يكن يومًا عاديًا، لكنه صار يومًا استثنائيًا بفضل لفتةٍ كريمةٍ لن أنساها ما حييت. لم أكن أعلم أن إدارة المدرسة التي كنتُ أعمل بها، وعلى رأسها الأستاذ سمير السوقي، قد قررت تكريمي ضمن فعاليات اليوم المفتوح. كانت لحظةً مدهشةً بكل تفاصيلها، لم أتوقعها، ولم أكن أظن أن هناك من يرصد لحظات الجهد ليضع عليها تاج التكريم والامتنان.

وما زاد اللحظة جمالًا وتأثيرًا تلك الكلمات التي نطق بها الأستاذ سمير، كلمات خرجت من القلب فاستقرت في القلب، قال بثقةٍ وإيمان:

“نحنُ نفتخر بكوادرنا التعليمية، ونفخر بهم أمام الجميع، فهم مشاعل العلم ونور الأجيال.”

كم كان لهذه الجملة من وقعٍ عميق في نفسي! كانت شهادةً أعتز بها، وكأنها وسام شرفٍ وُضع على صدري. لقد شعرتُ في تلك اللحظة بأن كل جهدٍ بذلته، وكل سهرٍ وتعب، لم يكن هباءً، بل كان يُرى ويُقدَّر من رجالٍ يعرفون قيمة العلم والعطاء.

رجلٌ بحجم مدينة… يعمل في صمت، ويضيء دون أن يُطفئه التعب

مرت الأيام، وبدأت أسمع من هنا وهناك عن الأستاذ سمير السوقي، ليس فقط كمربٍ فاضل، ولكن كرجلٍ له أيادٍ بيضاء في كل زاويةٍ من زوايا مدينة جنين، بل وفي نابلس أيضًا. فهو ليس مجرد معلم أو إداري، بل هو نموذجٌ للقيادة الحكيمة، حيث شغل منصب مدير دائرة تسجيل الأراضي في جنين وكذلك نابلس لسنواتٍ طويلة، فكان رمزًا للنزاهة، يعمل بحرصٍ شديد على خدمة المواطنين دون محاباةٍ أو مصلحة، يرى في وظيفته رسالةً قبل أن تكون منصبًا، وفي العدل واجبًا قبل أن يكون خيارًا.

كان مكتبه مفتوحًا للجميع، لا فرق عنده بين غنيٍ وفقير، ولا بين صاحب نفوذٍ وبسيط الحال، فالحق عنده واضحٌ كالشمس، لا تحجبه سحب المصالح، ولا تعتم عليه مجاملات الزمن. كان يعرف أن الأرض ليست مجرد مساحات تُباع وتُشترى، بل هي جزءٌ من الهوية، وحقٌ يجب أن يُحفظ، لذلك كان عنوانًا للعدل والإنصاف، رجلًا يقف على مسافةٍ واحدة من الجميع، فلا يميل إلا لما هو حق.

الإصلاحي الذي يجمع بين القلوب… ورئيس الزكاة الذي لا تغمض له عين

لكن الأستاذ سمير لم يكن إداريًا ناجحًا فحسب، بل كان رجل إصلاحٍ من الطراز الرفيع، حيث كرّس سنواتٍ من عمره في لجان الإصلاح، وما زال حتى اليوم يُمارس هذا الدور النبيل. كان وسيطًا في النزاعات، بلسانه العذب يُطفئ نيران الغضب، وبحكمته يسدّ فجوات الخلافات، يذكر الجميع بأن الحق وحده هو المنتصر في النهاية، وأن لا شيء يعلو فوق صوت العدل والمسامحة.

لم يقتصر عطاؤه على ذلك، بل ترأس لجنة الزكاة حتى يومنا هذا، فكان قلبه مفتوحًا لكل محتاج، يسعى ليلاً ونهارًا لتأمين قوت الفقراء، وتلبية حاجات الأرامل والأيتام، وإغاثة الملهوفين. كان كالشجرة التي تمنح ظلها للجميع دون أن تسأل لمن، وكالنهر الذي يسقي العابرين دون أن يميز بينهم. لم يكن يرى في الزكاة مجرد أموالٍ تُجمع، بل كان يراها أملًا يُبث في النفوس، وكرامةً تُحفظ للأسر المتعففة، ونورًا يُبدد عتمة الفقر والحاجة.

القلب الذي يسمع قبل أن يتكلم… والروح التي تحتوي الجميع

لم يكن الأستاذ سمير مجرد إداريٍّ حازمٍ، أو قائدٍ يُصدر الأوامر من بعيد، بل كان قريبًا من الجميع، يتعامل مع الطلبة كأبٍ حنون، ومع المواطنين كأخٍ ناصح، ومع زملائه كرفيق دربٍ لا تخونه الخطى.

كم من طالبٍ شعر بالضياع، لكنه وجد في الأستاذ سمير الأمان؟ وكم من عائلةٍ كانت على حافة الانهيار، لكنه أعاد إليها السكينة؟ وكم من محتاجٍ طرق بابه، فوجد عنده العون والسند؟

كان كالشمس التي تُدفئ الأرواح، وكالقمر الذي ينير الدروب، وكالسحابة التي تمطر خيرًا حيثما حلّت. لم يميز بين أحد، ولم يبحث عن مجدٍ شخصي، بل كان العدلُ والتواضع عنوانه الدائم.

الإنسان الذي تُرفع له القبعات… ويبقى في القلب مهما مرّ الزمن

الأيام تمضي، والوجوه تتغير، لكن هناك شخصيات تبقى خالدةً في الذاكرة، كالنقش الذي لا تمحوه الرياح، ومن بينهم الأستاذ سمير السوقي. ليس لأنه رجلٌ ناجحٌ فحسب، بل لأنه إنسانٌ يعرف كيف يترك بصمةً أينما حلّ، كيف يكون النور لمن حوله، وكيف يبني من الكلمات طاقةً، ومن التشجيع جسورًا تعبر بها الأجيال نحو مستقبلها.

هو الرجل الذي أثبت أن العطاء الحقيقي لا يكون بالأقوال، بل بالأفعال التي تبقى شاهدةً مهما تغيرت الأزمنة.

لهذا، حين يُذكر اسم الأستاذ سمير السوقي، تُرفع له القبعات احترامًا، وتُرفع الأكفّ بالدعاء له، فمثل هؤلاء الرجال قليلون في هذا الزمن، ومثل هذا الأثر لا يصنعه إلا العظماء.

شاهد أيضاً

الاحتلال يقتحم المنطقة الشرقية من نابلس

الاحتلال يقتحم المنطقة الشرقية من نابلس

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الأحد، المنطقة الشرقية من مدينة نابلس. وأفادت …