الرأى العام فى المجتمع المصرى متأثر بالخلفيات التاريخية،وبتاريخ الاشخاص والجماعات والاحزاب،ويكون جزءاً كبيراً من ايمانه بالمرشحين بهذا التأثير،الا ان هناك عوامل حاضرة تكمل هذا التأثير اهمها الاعلام واراء الشخصيات العامة وتصريحات المرشحين ومدى توافقها مع المزاج العام للغالبية من الشعب،فما ظال لا يتقبل المصريين سوى ما يريدون ان يتلقوه من تصريحات او احاديث حتى لو لم تكن واقعية او تتماش مع المنطق السياسى الذى يحكمه محددات داخلية وخارجية،ويخرج عن تلك القاعدة العريضة طبقة صغيرة هى المثقفين والسياسيين الذين يدركون ابعاد وتعقيدات الامر السياسى وكيفية التفاعل معه،فعندما نحلل البرامج السياسية للمرشحين نجد ان تضمين تلك البرامج لسياسية واقعية ضعيف والفروقات بين جميع برامجهم اقل بكثير مما قد تسطر فيها،مراعاة لثقافة ان كل شيئاً متاحاً وارضاءاً لجميع الاراء،وهى رؤية خاطئة تماماً لان الناخب دائما يفضل ان يجد لنفسه مرشح ذو برنامج مميز عن غيره يتوافق مع تفكيره وايمانه العقائدى،وان يكون هذا البرنامج موجه لشريحة ولابد ان يتضاد مع اخرين،فهل يعقل ان يكون برنامج رئاسى لشخصية لها عقيدة سياسية معينة سواء فيما يتعلق بالسياسية الداخلية او الخارجية وتفاصيل التطبيق،أن يتوافق مع جميع من يطلعوا على هذا البرنامج؟هذا لا يعكس الواقع الذى أظهر وجود تيارات فكرية سياسية واختلافات جوهرية بين عدة تيارات ذات منهج سياسى خاصة التيار السياسى الاسلامى وبقية التيارات،وهنا تكمن الخبرة السياسية فى كيفية ايجاد منافس ضعيف او ذات شعبية لا تؤثر فى النتيجة النهائية له،ليكون هذا المنافس ومن يؤيدوه،الاتجاه المعاكس ويعطى تميزا للبرنامج وطابع خاص .
واهم ما اثر فى اتجاه الرأى العام فى الايام الاخيرة،المناظرة التى جمعت بين موسى وابو الفتوح وانعكاسات ذلك على الاستقطاب والجذب للاصوات،وايضا تحولها او ثباتها،وفى احصائيات مبدئية تدلل على نتيجة المناظرة جمعت من خلال عدة استفتاءات قائمة لعدة مواقع اخبارية،لوحظ ان ثلثى اصوات المصريين البالغة فى مجموعها اكثر من 50 مليون يحق لهم الادلاء باصواتهم،لم تقرر بعد بصفة نهائية لمن تعطى اصواتها،وان نصف تلك الشريحة “اى ثلث الاصوات،ابدأت مبدئياً ارتياحها او تعاطفها لاحد المرشحين،لكنها قد تتحول او تثبت على تعاطفها للنهاية،اما الثلث الاهم هم من قرروا بصفة نهائية،”لمن يدلون باصواتهم”،وكانوا يمثلون اعضاء جماعة الاخوان المسلمون لمرشح حزب الحرية والعدالة،د.محمد مرسى،اما الاتجاه الاخر والذى ثبت قراره بشأن المرشح،ظهر فى مؤيدى عمرو موسى،فقرار هولاء مستقر وضعيف درجة تحولهم مرة اخرى،وقد حصل ابو الفتوح وشفيق والصباحى والعوا على النصيب الاخير من تلك الاصوات المستقرة والثابتة،اما بقية المرشحين فلم يكن لهم تأثير فى تلك الحصيلة.
واستنتاجاً ايضاً من عدة استطلاعات رأى عام،وتوجه لحركة الاصوات،فكان مرسى وموسى اكثر المرشحين ذو التوجه الرئيسى لغالبية المصريين،ثم يأتى الصباحى وشفيق وابو الفتوح،وحتى يكون التفسير بسيطاً،فكل ما نتحدث عنه هم لا يمثلون اكثر من 30 % من مجموع الاصوات،وتعتبر تلك النسبة ضعيفة،ويجعل المنافسة شرسة فى استقطاب الاصوات وقد تحدث مفاجاءات تجعل من احد المرشحين الذين لم ظهروا فى هذا التوجه فى المقدمة،فالامر ما ظال بعيدا عن التكهن بنتائج قد تفضى الى نتائج مباشرة تجعل من احد المرشحين ذو فرصة افضل وبشكل فارق عن الاخرين،وتعتبر الفترة الزمنية الباقية هى التى سوف تحدد،وكلما اقتربت الانتخابات،وما سوف ينتج عن نتائج من التوجيه الاعلامى ونشر الاخبار والمناظرات وتوجهات السياسيين والنخب والمؤثرين فى الرأى العام ودو ونجاح الحملات الدعائية،وحرفية القائمين على حملات المرشحين،عوامل قد تحدث فروقاً كبيرة،ومما لاشك فيه ان انتخابات الرئاسة سوف لا تنتهى من الجولة الاولى،وانه سوف يكون هناك اعادة لمرشحين اثنين،لصعوبة حصول احد المرشحين على ما يأهله للفوز من الجولة لاولى،ولذلك التركيز على كيفية ايجاد المرشح مكانة له فى الاعادة يصبح واقعياً واكثر تركيزاً من التفكير فى احداث ما يمكن ان يأهله للفوز من الجولة الاولى.
والخلاصة ان مرسى وموسى هما اتجاهات الراى العام حتى الان،الا ان تلك شريحة لا تزيد عن ثلث الاصوات،وذكرناها لانها تعتبر اصوات مستقرة وثابتة،اما الغالبية من الاصوات والتى قد تغير النتيجة ما ظالت اما لم تقرر بعد او قرارها لم يكن نهائيا فقد يستمر عليه او يتحول لمرشحي اخر .
د.سرحان سليمان
الكاتب الصحفى والمحلل السياسى والاقتصادى