
فشل الحروب الإسرائيلية على القطاع ، بقلم : د. عقل صلاح
منذ وعد بلفور سنة 1917 والقضية الفلسطينية مستهدفة من الاستعمار الغربي والحركة الصهيونية التي عملت على احتلال فلسطين وإقامة الدولة اليهودية سنة 1948، حيث قامت إسرائيل مدعومة من الغرب وبالتحديد من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية بالعديد من الحروب على فلسطين ومنها حرب النكبة سنة 1948وحرب النكسة سنة 1967، واستمرت إسرائيل في استهداف القضية الفلسطينية من خلال الجرائم والمجازر واعتقال أكثر من مليون فلسطيني منذ سنة 1967، وتشريد وتهجير الشعب الفلسطيني داخليًا وخارجيًا ومازال مسلسل التهجير مستمرًا.
في هذه المقالة نركز على الحروب الإسرائيلية على غزة منذ سنة 2008وحتى سنة 2025، وبالتحديد الحرب الأخيرة التي نتج عنها جريمة حرب كبرى ضمن مفهوم القانون الدولي، فهذه الحرب التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية من خلال الدعم المطلق وتحديدًا الدعم العسكري لإسرائيل نتج عنها حرب الإبادة الجماعية والتجويع وهندسة الجغرافيا والديمغرافيا الغزاوية.
وهذا يقودنا إلى تناول الحصار الذي تعرضت له غزة ومازال متواصلًا منذ عقدين تقريبًا، والذي بدأ من خلال بحر غزة حيث يعد الحصار البحري أحد العناصر الحاسمة في الحصار الإجرامي الذي تفرضه إسرائيل، وقد تم تشديده بشكل مطرد منذ سنة 2000، بواسطة الزوارق الحربية الإسرائيلية. ومنذ تسلم حماس الحكم، قامت إسرائيل والمجتمع الدولي بفرض حصار شامل على السلطة الفلسطينية سنة 2006، وعليه لم تستطع حكومة حماس “العاشرة” دفع رواتب الموظفين بشكل منتظم الأمر الذي حدا بالموظفين للإضراب عن العمل. وبعد شهرين من تسلم حماس الحكم اختطفت كتائب عز الدين القسام جلعاد شاليط وهو جنديًا إسرائيليًا في 25حزيران/يونيو 2006، وعلى إثر العملية استهدف الاحتلال مقرات السلطة والأجهزة الأمنية ومقرات الحركة في القطاع، وشدد الحصار على القطاع، مما أدى إلى تأزم العلاقة بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس والحكومة الفلسطينية بقيادة الشهيد رئيس الوزراء آنذاك إسماعيل هنية، فقد كان الرئيس معنيًا بإنهاء ملف شاليط سريعًا بسبب توتر العلاقة مع إسرائيل.
وذكر أن الحكومة التي شكلتها حماس لم تستطع الصمود بسبب الخلافات السياسية الفلسطينية، مما أدى إلى إقالتها بعد قيام حماس بالحسم العسكري في القطاع في حزيران/يونيو سنة 2007. وفي عام 2008، شدد الجيش الإسرائيلي حصاره على غزة التي يزيد عدد سكانها عن مليوني فلسطيني، حيث يعتبر من أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم، وقد تعرض القطاع لعدد من الحروب التي شنها الاحتلال على مر السنين.
فبعد انسحاب قوات الاحتلال من القطاع عام 2005، وهي تقوم بعمليات عسكرية من وقت لآخر، بعضها تحول إلى حروب نتج عنها آلاف الشهداء. وعندما قامت الحركة بالسيطرة العسكرية على القطاع، أعلنت إسرائيل القطاع “كيانًا معاديًا” سنة 2006، وقامت بحصاره في تشرين الأول/أكتوبر 2007، وشنت إسرائيل عددًا من الحروب على القطاع منذ 2007 أبرزها:
الحرب الأولى : في 27 كانون الأول/ ديسمبر 2008، أسمتها إسرائيل عملية الرصاص المصبوب، وردت عليها المقاومة بعملية أطلقت عليها معركة الفرقان، هدفت إسرائيل من هذه الحرب إلى إنهاء حكم حماس، والقضاء على المقاومة، وتحرير جلعاد شاليط. استمر العدوان الإٍسرائيلي 23 يومًا، أدت إلى استشهاد أكثر من 1430 فلسطينيًا، إضافة إلى جرح أكثر من 5400. وقتل 13 إسرائيليًا، وأصيب 300 آخرين.
الحرب الثانية : أطلقت عليها إسرائيل عامود السحاب، وسمتها المقاومة حجارة السجيل، حيث بدأت هذه الحرب في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2012، واستمرت 8 أيام، كان الهدف منها تدمير مواقع تخزين الصواريخ، وبدأت باغتيال أحمد الجعبري، قائد كتائب القسام، واستشهد في هذه المعركة حوالي 180 فلسطينيًا، وجرح 1300 آخرين، في المقابل قتل 20 إسرائيليًا وأصيب 625 آخرون.
الحرب الثالثة : بدأت في السابع من تموز/يوليو 2014 وأطلق عليها الاحتلال الجرف الصامد، وأسمتها المقاومة معركة العصف المأكول، واستمرت الحرب 51 يومًا، واندلعت الحرب بعد أن اغتالت إسرائيل 6 من قادة كتائب القسام ادعت أنهم اختطفوا وقتلوا ثلاثة مستوطنين في الضفة، وهو ما أنكرته حماس، ومن الأسباب أيضًا اختطاف الطفل محمد أبو خضير من قبل مستوطنين حيث قاموا بحرقه، هدفت الحرب إلى تدمير أنفاق المقاومة، ونتج عنها استشهاد 2322 وجرح 11 ألف، في المقابل قتل 68 جنديًا إسرائيليًا، و5 مدنيين، وجرح 2522 إسرائيليًا، وتم خطف الجندي الإسرائيلي شاؤول آرون من قبل كتائب القسام.
الحرب الرابعة : في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2019 حيث استهدف الاحتلال قائد الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي بهاء أبو العطا، وردت سرايا القدس على عملية الاغتيال بمعركة صيحة الفجر، وفي لم تعترف إسرائيل بخسائرها، فإن العملية أدت إلى استشهاد 34، وجرح أكثر من 100 فلسطيني.
الحرب الخامسة : اندلعت معركة سيف القدس في 10 أيار/مايو 2021، أطلقت عليها الاحتلال حارس الأسوار، على إثر قيام مستوطنين بالسيطرة على بيوت مقدسيين في حي الشيخ جراح، واقتحام المسجد الأقصى، أدت الحرب إلى مقتل 12 إسرائيليًا وإصابة نحو 330 آخرين، كما أسفرت عن استشهاد 250 وجرح أكثر من 5 آلاف فلسطينيًا، استمرت المعركة حتى 21 أيار/ مايو 2021، وقد تم وقف إطلاق النار بعد وساطات وضغط دولي.
الحرب السادسة : في 5 آب/أغسطس 2022 قامت إسرائيل باغتيال قائد المنطقة الشمالية لسرايا القدس، وأطلقت إسرائيل عيها الفجر الصادق، وردت حركة الجهاد الإسلامي بعملية أطلقت عليها وحدة الساحات، حيث قامت حركة الجهاد بإطلاق مئات الصواريخ على بلدات ومدن إسرائيلية، وقد بلغ عدد الشهداء 24، في حين أصيب 203 بجروح.
الحرب السابعة : على الرغم من الحصار المطبق على القطاع والحروب السابقة إلا أن حركة حماس استطاعت خداع إسرائيل بأنها غير معنية بالتصعيد ومنهكة، وتسعى إلى تثبيت حكمها بغزة من خلال تطوير خدماتها والإيفاء بمستلزمات غزة المالية وفي مقدمتها الجهاز المدني الذي يقود حكومة حماس، وبأنها معنية باستمرار الهدوء على الحدود، ومن خلال الضغط الحمساوي المتواصل من خلال مسيرات العودة الأسبوعية التي كانت مستمرة من أجل عدم توقف شنطة الدولارات القطرية الشهرية، كل ذلك أغلق نافذة الشك في نوايا حماس، حيث كان هدف إسرائيل هو إيران وحزب الله، ولم تتوقع أن تشكل حماس تهديدًا استراتيجيًا عليها، وهذا ما أكدته التحقيقات الإسرائيلية التي تم الإفصاح عنها قبل أيام، لقد وضعت قيادة كتائب القسام الخطة الاستراتيجية والتكتيكية لطوفان الأقصى دون حصول إسرائيل بكل أجهزتها ولو على معلومة واحدة عن مخطط حركة حماس للسابع من أكتوبر 2023 حيث شنت المقاومة في القطاع هجومًا بريًا وبحريًا وجويًا على مستوطنات غلاف غزة، وأطلقت المقاومة على عمليتها طوفان الأقصى بسبب الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة على المسجد الأقصى، وتعتبر هذه العملية الأولى من نوعها منذ نشأة الكيان، حيث أدت إلى خسائر مادية وبشرية فادحة، وردت إسرائيل على العملية بحرب أسمتها السيوف الحديدية.
وفقًا لدراسات إحصائية، منذ سنة 2000 وحتى أيلول/سبتمبر 2023 (قبيل 7 أكتوبر) قام الاحتلال بقتل 11,299 فلسطينياً وجرح ما يقارب من 156,768 آخرين، أغلبيتهم من المدنيين، لقد فاق عدد الشهداء خلال الحرب الأخيرة أعداد الشهداء في كل الحروب السابقة مجتمعة بستة أضعاف، ووفقًا للإحصائيات الرسمية في القطاع فقد استشهد أكثر من خمسين ألف شهيد وأكثر من عشرة آلاف مفقود، وبالإضافة إلى أكثر من 160 ألف مصاب، وتم تدمير ما يقارب 75% من المنشآت السكنية.
وتكبدت إسرائيل في هذه الحرب ما يقارب 15 ألف قتيل وأكثر من 30 ألف مصاب، وأسر أكثر من 200 إسرائيلي ما بين جندي ومستوطن، بالإضافة إلى الخسائر المادية والعسكرية وبالتحديد في الآليات، وتكبدت إسرائيل ضربة قاتلة للأمن القومي وصورة الجندي الذي لا يقهر، ولم تستطع إسرائيل على مدار الحرب تحقيق أهدافها التي وضعها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وفي مقدمتها القضاء على حماس وتحرير الرهائن بالقوة؛ وعلى العكس استطاعت المقاومة إجبار إسرائيل بعد خمسة عشر شهرًا على التوقيع على صفقة تبادل بثلاث مراحل، وتم تنفيذ المرحلة الأولى منها .
واستطاعت المقاومة الإفراج عن 293 أسير محكوم مدى الحياة والمئات من الأحكام العالية وهذه تعد معجزة في التاريخ الفلسطيني، مقابل إفراج المقاومة عن 25 رهينة إسرائيلية من الأحياء وثمانية من الجثث، وبعد انتهاء هذه المرحلة تنصل نتنياهو كعادته من المرحلة الثانية ونصوص الاتفاقية ولم يلتزم بها ويريد تمديدها للحصول على ما تبقى من الرهائن دون إنهاء الحرب خوفًا من تفكك الائتلاف الحكومي بعد انسحاب إتيمار بن غفير احتجاجًا على الصفقة، وتهديد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بالانسحاب من الحكومة في حال موافقة نتنياهو على وقف الحرب.
مما سيؤدي إلى انهيار الحكومة والتوجه إلى انتخابات مبكرة، وذهاب نتنياهو إلى المحاكمة على القضايا الجنائية، والفشل في السابع من أكتوبر وتحمل المسؤولية التاريخية عن الفشل والهزيمة، بعد تحمل المؤسسة العسكرية الفشل واعتراف قادتها أنهم يتحملون المسؤولية وقدم العديد منهم استقالته، كما قدم رئيس الاستخبارات العسكرية استقالته، وقد أعلن اللواء عوديد سيوك، رئيس قسم العمليات في الجيش، استقالته من منصبه، وكذلك رئيس الشابك الذي أعلن عن تحمله المسؤولية ونيته الاستقالة، وتحقيقات وحدة الاستخبارات العسكرية أمان سوف تسرع من محاصرة نتنياهو لكي يتحمل المسؤولية ولكن نتنياهو لم ولن يقدم على تحمل مسؤوليته عن الإخفاق المتواصل.
وفي النهاية، لقد فشلت إسرائيل في إخضاع غزة على مدار عقود، وكانت غزة بعد كل حرب تخرج متعافية ومنتصرة وتحقق إنجازات وتراكم عليها، ولعل السابع من أكتوبر دليل قطعي على فشل إسرائيل في القضاء على الحركة أو إخضاعها. فبعد الحروب التي سبقت حرب أكتوبر استطاعت حماس بناء شبكة الأنفاق التي حسمت معركة الصمود لصالح المقاومة، واستطاعت الحركة على الرغم من الحرب الاحتفاظ بالرهائن الإسرائيليين مما يؤكد على فشل نهج الحرب فشلاً ذريعاً، وتم إعطاء الأولوية للمفاوضات لتحرير الرهائن، والحل الوحيد أمام إسرائيل وأمريكا إنهاء الاحتلال والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني.
- – د. عقل صلاح – كاتب وباحث فلسطيني مختص بالحركات الأيديولوجية