
كأنه لم يجرب أداة الحصار من قبل ، بقلم : بديعة النعيمي
كأنه لم يجرب أداة الحصار من قبل !!
لطالما استُخدمت سياسية الحصار على مرّ التاريخ البشري كأداة لعزل المدن والمناطق المستهدفة واستنزاف قواها قبل السيطرة عليها.
ومن بين أبرز الحصارات التي شهدها التاريخ الإسلامي كان حصار قلعة حارم خلال الحروب الصليبية. حيث قام الصليبيون عام ١١٦٤م بمحاصرة القلعة الواقعة شمال غرب سوريا بهدف السيطرة على طريق حلب/أنطاكية.
ويُذكر بأن عدد من الأمراء الصليبيين من أنطاكية وطرابلس و الإمبراطورية البيزنطية والأرمن قد تحالفوا لمحاصرة القلعة التي كانت تحت سيطرة حامية مسلمة صغيرة، صمدت رغم قلة المؤن والجنود.
وما أن وصلت أخبار الحصار إلى حاكم حلب نور الدين زنكي حتى جمع جيشه واتجه نحو القلعة لفك الحصار عنها وإنقاذ المسلمين فيها.
وقد وصل القلعة بتاريخ ١٠/أغسطس/١١٦٤ وخاض معركة حامية الوطيس مع الجيوش الصليبية المتحالفة. وكان أن كتب الله الانتصار له فيها. فأسر عددا من الأمراء الصليبيين وفك الحصار وفرض هيبة المسلمين على الصليبيين الغزاة، ومهد الطريق لسلسلة من الانتصارات، توّجت بفتح بيت المقدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي رضي الله عنه.
واليوم وبعد قرون على ذلك الحصار وتحديدا في القرن الواحد والعشرين تشهد قطعة من قلب الوطن العربي ليس الحصار الأول لها ولكن الأشرس من قبل دولة صُنعت من الشتات بعد عملية السابع من أكتوبر٢٠٢٣.
إنها غزة….
فبعد ما يقارب ال ٥٠٠ يوم من الحرب الدموية عليها تم إبرام اتفاق بين حركة حماس ودولة الاحتلال بوساطة أمريكية مصرية قطرية.
ولكن ما انتهت آخر دفعة من تبادل الأسرى بين الطرفين حتى نكثت دولة الاحتلال وكما هي عادتها الاتفاق وطالبت بتسليم جميع الأسرى لدى الحركة دون الذهاب للمرحلة الثانية التي كان من المفترض خلالها وقف الحرب على غزة وغيره من البنود.
وهنا كان رد الحركة هو الرفض لأنها اعتبرت هذا المطلب هو النية لعودة العدوان على غزة.
فما كان من حكومة الاحتلال الفاشية إلا أن قررت وقف دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع المنكوب وإغلاق جميع المعابر المؤدية إليه، مع العلم أن دولة الاحتلال قامت بخرق الاتفاق ضمن المرحلة الأولى مئات المرات كان من ضمنها عدم السماح بإدخال ٥٠ شاحنة وقود يوميا وعدم التزامها بإدخال المساعدات ومواد الإعمار ضمن البروتوكول الإنساني مثل البيوت المتنقلة.
وبالرغم من اختلاف الأزمنة، فإن أوجه الشبه موجودة بين حصار قلعة حارم وحصار غزة. ففي كلا الحالتين استخدم الحصار كأداة للسيطرة. فحصار حارم أراد الصليبيون منه السيطرة على القلعة لفتح الطريق إلى حلب، بينما في حصار غزة فإن دولة الاحتلال تسعى إلى فرض واقع سياسي وعسكري جديد يتضمن التخلص من حركة حماس ونزع سلاح جناحها العسكري وإقصائها عن حكم غزة ثم إعادة استيطانها مرة أخرى.
وفي كلا الحالتين تولّد وضع إنساني كارثي بسبب الحصار. فالمسلمون في قلعة حارم عانوا من نقص الغذاء وغيره، وسكان غزة اليوم يواجهون نفس الكارثة بسبب انقطاع الغذاء والدواء والماء، ناهيك عن الدمار الشامل الناتج عن العدوان الوحشي الذي دمر البشر والحجر والشجر. ففي كلا الحالين كان الحصار لا يقتصر على المواجهة العسكرية بل يمتد ليطال المدنيين.
أما الأهم في الموضوع فهو تحرك المدد الخارجي وقت حصار قلعة حارم من قبل نور الدين زنكي انتهى بفك الحصار وكسر هيبة الصليبيين.. أما في حالة غزة فالمقاومة الفلسطينية تُركت وحيدة تجابه تحالفات صليبية جديدة إلى جانب دولة الشتات، على رأسها الحليف المتغطرس والمتمثل بأمريكا دون أي تحرك من أي جيش عربي.
فالمقاومة اليوم هي التي تتحرك لحماية غزة وأهلها وتسعى أيضا لوحدها في منع الاحتلال وحلفائه من تحقيق أهدافهم هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فأهل غزة تعودوا على الحصار الطويل وبالرغم من ذلك فقد صمدوا وأحبطوا مخططات التهجير الإحلالية. وستحسم النتيجة لصالح غزة ومقاومتها بإذن الله تعالى…يرونه بعيدا ونراه قريبا .
- – بديعة النعيمي – كاتبة وروائية وباحثة .