نكباتنا العربية لا تحصى، ولكل شعب من النكبات نصيب، لكن تلك التي تجتمع على مرارة طعمها كل الشعوب عنوانها واحد: نكبة فلسطين.
وها هي الذكرى الـ 64 للنكبة تمر على هذه الأرض وهذا الشعب، ليمر كل عربي ومسلم ومتضامن مع القضية بـ 64 جرحاً و64 ندبة و64 غصة و64 خيبة و64 غفوة عربية، وليتذكر كيف هُجِّرَت الأسر بكهولها وأطفالها وعجائزها ونسائها ورجالها، ليصل عدد المهجرين إلى أكثر من 800 ألف فلسطيني، فكم من عجوز توفيت خلال هذه الـ 64 عاماً وهي تحلم بالعودة وبيدها مفتاح بيتها المهدم؟ وكم من فلسطيني عمره يفوق عمر دولة العدو الصهيوني اللاشرعية؟
ذكرياتٌ وجراحٌ تمرُّ بالعقل والقلب فتحشّد كل خلايا الجسد على رفض الاستعمار، ورفض الصمت العربي المهين تجاه هذه القضية التي يحاول الإسرائيليون بالتعاون مع حلفائهم إخفات صوتها
غَيَّروا في المناهج الدراسية العربية، فلم تعد تتحدث عن الحق الفلسطيني ولا عن حق العودة أو المجازر التي يرتكبها الإسرائيليون على الأراضي الفلسطينية أو بطولات الشعب الفلسطيني الأعزل، وأطفال الحجارة، وكأنها غدت نسياً منسياً، وها هم أطفالنا يكادون أن يجهلوا معالم القضية إلا من كان أولياء أمورهم قادرين على إيصال التفاصيل لهم، وتربيتهم على عدم تجاهلها.
نكبةٌ خلَّفت الكثير من الدمار على الأراضي الفلسطينية ومازالت آثارها تتجدد في كل يوم، ولاتزال مخلفاتها تعصف بالكثيرين.
نكبةٌ خلَّفت أكثر من 70 مجزرة لتكون حصيلة الاعتداءات الإسرائيلية على المواطنين منذ إعلان تقسيم الأراضي الفلسطينية وأكثر من 15 ألف شهيد، إضافة إلى 774 قرية ومدينة استعمرت دمر منها 531.
نكبةٌ خلَّفت معها ملاجئ ومخيمات في أكثر من دولة، استوطنها من استعمر اليهود مساكنهم وأحالوا بعضها شواهد قبور.
نكبةٌ خلَّفت الأسرى الذين لايزالون في ازدياد، أسرى لا تتوافر لهم أدنى حقوقهم في سجون العدو الذي انتهك معاهدة جنيف، وإعلان حقوق الإنسان، في تعدٍ سافرٍ على المواثيق والقوانين الدولية، وسط صمتٍ رسميٍّ إلا من استنكار و «إعلانات قلق»، فاضطر هؤلاء الأسرى إلى اللجوء لخوض «معركة الأمعاء الخاوية منذ 17 أبريل»، تحت شعار «النصر أو الشهادة» لتمثل معركة صمودٍ وإصرارٍ على استرجاع الحرية والكرامة المهدورة والحق المسلوب، وعلى رغم تدهور الحالة الصحية للكثيرين منهم ونقلهم للمستشفيات، إلا أنهم مازالوا مصرين على مواصلة إضرابهم حتى تحقيق مطالبهم العادلة.
نكبةٌ في كل ذكرى لها يتساقط جرحى وأحيانا يُزَفُّ شهداء، ويختنق من يختنق من المتظاهرين المنددين بالاحتلال، أثناء إحيائهم لها بالخروج في الشوارع لرفع أصواتهم المنادية بضرورة تحرير الأراضي ووقف الانتهاكات، كان آخرها يوم الاثنين الماضي، إذ سقط أكثر من 17 جريحاً ومئات من المختنقين عندما كانوا يمارسون حقهم في التظاهر وشجب معالم الاستعمار والانتهاكات الصارخة لحقوق الأسرى والمواطنين.