10:41 مساءً / 1 أبريل، 2025
آخر الاخبار

المسيحيون في الأرض المقدسة: تحديات الحضور التاريخي والوجود المستقبلي ، بقلم : م. غسان جابر

المسيحيون في الأرض المقدسة: تحديات الحضور التاريخي والوجود المستقبلي ، بقلم : م. غسان جابر

لطالما كانت فلسطين، مهد الديانات السماوية، موطناً للتعددية الدينية والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، حيث شكّل المسيحيون جزءاً أصيلاً من نسيجها الاجتماعي والثقافي والديني. ومع ذلك، فقد شهدت العقود الأخيرة تراجعاً دراماتيكياً في أعداد المسيحيين في الأرض المقدسة، ما يشكّل تحدياً وجودياً خطيراً.

يعود الوجود المسيحي في فلسطين إلى القرن الأول الميلادي، حين انطلقت رسالة السيد المسيح من هذه الأرض إلى العالم. وكانت القدس وبيت لحم والناصرة مراكز دينية رئيسية جذبت الحجاج والمؤمنين على مدار العصور. في العهد البيزنطي، كانت فلسطين مركزاً رئيسياً للمسيحية، وازدهرت الكنائس والأديرة، مثل كنيسة القيامة في القدس وكنيسة المهد في بيت لحم.

بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع، استمر التعايش بين المسلمين والمسيحيين، حيث حافظت الدولة الإسلامية على أماكن العبادة المسيحية ووفّرت الحماية لأتباع الديانة. ومع مرور الزمن، شهدت فلسطين موجات مختلفة من الغزو والاستعمار، من الصليبيين إلى العثمانيين ثم الانتداب البريطاني، دون أن ينقطع الوجود المسيحي.

في العصر الحديث، عانى المسيحيون الفلسطينيون، إلى جانب بقية أبناء الشعب الفلسطيني، من آثار الاحتلال الإسرائيلي، الذي فرض سياسات التهجير والتضييق الاقتصادي، ما دفع الكثيرين إلى الهجرة، خاصة إلى دول أمريكا اللاتينية وأوروبا والولايات المتحدة.

تتعدد أسباب انخفاض أعداد المسيحيين في فلسطين، ومن أبرزها:

  1. السياسات الإسرائيلية: تشمل مصادرة الأراضي، القيود على الحركة، وهدم المنازل، ما يدفع الكثير من العائلات المسيحية إلى البحث عن حياة أكثر استقراراً خارج فلسطين.
  2. الظروف الاقتصادية الصعبة: يعاني المسيحيون، كما بقية الفلسطينيين، من تدهور الاقتصاد بسبب الاحتلال، ما يؤدي إلى ضعف الفرص الوظيفية ودفع الشباب للهجرة.
  3. الأوضاع السياسية المعقدة: النزاعات المتكررة وغياب أفق سياسي واضح يجعلان المستقبل غير مستقر، ما يدفع العائلات المسيحية إلى البحث عن بيئة أكثر أمناً.
  4. الهجرة الطوعية: في ظل توفر فرص أفضل في الخارج، يختار الكثير من المسيحيين المغادرة لتحسين مستوى معيشتهم.

إن تراجع أعداد المسيحيين في فلسطين لا يشكل خطراً على الكنيسة فحسب، بل على الهوية الثقافية والتاريخية للأرض المقدسة. فالمسيحيون ليسوا غرباء ولا مجرد أقلية طارئة، بل هم جزء أصيل من تاريخ وجغرافية هذه الأرض. إن الحفاظ على وجودهم يعني الحفاظ على الطابع المتعدد لفلسطين، الذي كان وسيظل أحد سماتها الأساسية.

رغم قلة عددهم، يلعب المسيحيون الفلسطينيون دوراً ريادياً في مختلف مجالات الحياة، سواء في السياسة، الثقافة، التعليم أو العمل المجتمعي. فقد كان المسيحيون دائماً في طليعة النضال الوطني الفلسطيني، وبرزت شخصيات مسيحية قيادية في الحركات الوطنية مثل جورج حبش وحنان عشراوي و الشهيد اياد بشارة و الشهيد عطا الله ميخائيل الحايك وغيرهم الكثير . كما أن الكنائس الفلسطينية كانت ولا تزال صوتاً للحق والعدالة، مطالبة بإنهاء الاحتلال وتحقيق الحرية.

نقول و نؤكد إن المسيحية في فلسطين ليست بضاعة مستوردة، بل هي جزء أصيل من هذه الأرض التي انطلقت منها رسالة المسيح عليه السلام إلى العالم. من الضروري أن تتكاتف الجهود، سواء من الكنائس أو المؤسسات السياسية والاجتماعية، للحفاظ على هذا الوجود وحمايته من الاندثار. إن الصمت أمام هذه التحديات خطر جسيم، وعلى الجميع تحمل المسؤولية لضمان بقاء هذا المكون الأساسي في الأرض المقدسة، ليظل صوت المحبة والعدالة قائماً.

“أحبوا كنيستكم، أحبوا وطنكم، أحبوا بعضكم بعضاً”، كما قال المطران عطا الله حنا، فالمحبة هي جوهر المسيحية، وهي الرسالة التي يجب أن تبقى حاضرة في حياة كل فلسطيني مسيحي ومسلم على حد سواء.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الثلاثاء 01 أبريل كالتالي :عيار 22 65.300عيار 21 62.400